احتلّت ظاهرة حوادث المرور في الآونة الأخيرة مشهد الأحداث بالجزائر، بسبب الارتفاع المخيف لعدد الحوادث المادية والجسمانية المسجلة يوميا، تعدّت 22 ألف حادث في حصيلة لسنة 2022 و3409 قتيل، وأزيد من 30 ألف جريح حسب المندوبية الوطنية للأمن عبر الطرق، الأمر الذي دفع السلطات العمومية والهيئات الرسمية والمجتمعية الى التحرك لاتخاذ التدابير اللازمة لكبح هذه المجازر، كان من أبرزها قرار رئيس الجمهورية القاضي بضرورة، «تشديد الإجراءات الصارمة ضد السلوك الإجرامي في السياقة خصوصا بالنسبة للنقل الجماعي». تشهد الطرقات الوطنية حوادث مرور أليمة، وتعرف تفاقما كبيرا حتى أنّها تحولت الى أزمة مجتمعية عجزت معها كل الحلول العقلانية والصرخات اليومية التي ترفعها الجمعيات المهتمة بالوقاية والتحسيس بين السائقين، وآهات العائلات التي فقدت أعزاء عليها أو ابتليت بالشقاء، واختلف المصابون بين معطوب مقعد على كرسي متحرك فقد طعم الحياة بسبب حالة العجز المزمنة، وعاجز عن القيام بأي دور في الحياة، ناهيك عن عشرات المليارات من الخسائر المادية المسجلة سنويا، وحالة الاستنزاف التي تعرفها الحظيرة الوطنية للمركبات المهترئة التي دخلت مرحلة العجز أو التي لا تحتوي على أي قدر من معايير الأمن والسلامة المتوفرة حاليا، ومع ذلك تسير عبر الطرقات، خصوصا بالنسبة للنقل الجماعي للمسافرين.
خسائر بشرية ومادية كبيرة كل سنة هذه الوضعية المتفاقمة في المجتمع، لم تكن لتبقى هكذا دون تحرك من قبل الفاعلين، وقبلها فعاليات المجتمع المدني والجمعيات المهتمة بالسلامة المرورية، وهي كثيرة، وطنية ومحلية، قادت عشرات الحملات الإعلامية والتحسيسية لفائدة السائقين، بالخصوص الذين يتحمّلون مسؤولية 96 بالمائة من الحوادث، لكونها مرتبطة مباشرة بالعامل البشري، وفق إحصائيات مختلف الهيئات المتابعة للموضوع، تليها وضعية المركبات ثم شبكة الطرقات التي تحتفظ بعدة نقاط سوداء تحولت إلى مصدر يومي لحوادث المرور، من أهمها منحدر الجباحية بالبويرة ومنطقة «بن والي» بالطريق السيار شرق - غرب على مستوى بلدية الأربعطاش ببومرداس، ممّا استدعى التفكير في وضع نقطة للاستعجالات الطبية بهذه المنطقة التي تسبّبت سنة 2022 في 34 حادثا و5 وفيات، وغيرها من النقاط الأخرى التي تميز محاور الطرقات البلدية والولائية لغياب الصيانة. وأمام استمرار ظاهرة حوادث المرور وارتفاعها من سنة إلى أخرى، وفشل مختلف التدابير المتخذة للحد منها، كان من الواجب أن تتحرك مختلف الهيئات الرسمية لتفعيل المنظومة الردعية كإعادة النظر في قانون المرور، وتصنيف مثل هذه الحوادث في خانة «الجرم»، ومعاقبة الأشخاص المتسبّبين فيها بطريقة مباشرة، وكان من أبرز هذه الإجراءات المتخذة قرار رئيس الجمهورية خلال اجتماع مجلس الوزراء شهر سبتمبر الماضي الذي أكّد فيه «أن حوادث المرور تتطلّب حلاّ ردعيا مع واجب تسليط أقصى العقوبات في حالة ثبوت عدم احترام قانون المرور من قبل السائقين».
حوادث المرور..تداعيات اقتصادية واجتماعية شدّدت القرارات المتخذة على «ضرورة مراقبة شركات النقل بالحافلات مراقبة صارمة، بسبب ارتفاع عدد الحوادث بوسائل النقل الجماعي، واشتراط تناوب السائقين على المسافات الطويلة مع التهديد بسحب السجل التجاري على الشركات المخالفة، والرقابة الصارمة مع تسليط أقصى العقوبات ضد المتورطين في منح رخص سياقة لغير المؤهلين». يبقى في الأخير، أن نشير إلى عدّة مقترحات قدّمها مختصّون وهيئات اجتماعية على صلة بموضوع حوادث المرور، دعت كلها إلى ضرورة التجنيد وتنسيق الجهود بين مختلف الفاعلين، ولا يقتصر الأمر على التوعية والتحسيس والحملات الإعلامية التي تبقى مهمة للتذكير لكنها تفتقد لآليات الردع والعلاج الجذري لهذه الآفة، إنما يتطلب تدابير وقائية أخرى أكثر فعالية، منها التطبيق الصارم لقانون المرور، ودراسة إمكانية إدراج الثقافة المرورية في المقررات الدراسية من أجل نشر مزيد من الوعي بين الأطفال الذين يقودون مستقبلا.