النّخب الجامعية لها دورها الفاعل في رسم استراتيجية العمل يحظى قطاع الري في ولايات الجنوب بأهمية بالغة بالنظر للعديد من المقومات التي تتوفر عليها هذه المناطق بفعل الكميات المعتبرة من المياه الجوفية من جهة، كما يطرح العديد من الانشغالات والتحديات من جانب آخر، والتي تتعلق في مجملها بضرورة توفر إمكانات أكبر لتحقيق الفعالية المطلوبة في عقلنة استغلال الثروة المائية الموجودة والحفاظ عليها. بهذا الصدد، فإنّ استحداث وزارة مكلفة بقطاع الري، سيمنح العمل فاعلية أكبر، باعتبار الماء قطاعا استراتيجيا، وأحد عناصر الأمن القومي، كما أنّ تشكيل وزارة للري يعني توفر الرقابة والمحاسبة المطلوبة في هذا المجال، بالإضافة إلى رسم استراتيجية تهدف إلى تحقيق الأمن المائي والتنمية الوطنية، خاصة في مجال الفلاحة الصحراوية التي تعد أحد أهم مرتكزات تحقيق الأمن الغذائي المنشود، كما أكد في حديث ل "الشعب" الدكتور سفيان سقاي، أستاذ مختص في الري بجامعة قاصدي مرباح ورقلة. واعتبر الدكتور سقاي أنّ الري في الجنوب الجزائري يمثل أحد روافد التنمية المحلية خاصة فيما يتعلق بالفلاحة بكل أنواعها، لكن في المقابل، هناك ندرة رغم الأحجام الكبيرة للمياه الجوفية التي لا تصلح في معظمها للسقي نتيجة نوعيتها التي تتطلب تحسينها، مشيرا إلى أن الري في الجنوب يحتاج إلى إمكانات تتجاوز حفر الآبار إلى معالجة مياه الطبقة الحرة واستغلالها، واستغلال المياه المنتجة من محطات التطهير خاصة في سقي المحيطات الفلاحية الجديدة أو التي تستحدث مستقبلا. وفي السياق، ذكر الدكتور سقاي أنّ عمل مصالح الري والمقصود هنا المديريات الولائية للري والموارد المائية بولايات الجنوب، يجب أن يعتمد على الإطارات المحلية التي تعرف المنطقة وخصوصياتها واحتياجاتها الحقيقة، وهذا لتفادي الأخطاء السابقة وانجاز مشاريع ذات استدامة ومنفعة عامة للمواطن والمحيط. وعن المشاكل والتحديات المطروحة في هذا القطاع بولايات الجنوب، قال الدكتور سقاي إنّه يمكن حصرها في محورين، الأول يتعلق بنوعية الماء في حد ذاته، فالمياه المستغلة مالحة نسبيا، وساخنة في بعض الأحيان، وتحتوي على عناصر كيميائية مضرة إذا تجاوزت تركيزات معينة (مثل الحديد والفليور)، كذلك تعتبر هذه المياه الجوفية مادة تستوجب معالجة خاصة قبل الاستهلاك أو الاستعمال في السقي. ويتعلق المحور الثاني بطريقة الاستغلال، إذ أن الحفر العشوائي واللامدروس وغير القانوني بمعنى أوضح، يؤدّي بالضرورة إلى إخلال التوازن بين الطبقات غير المتجدّدة للمياه والطبقة الحرة. كذلك يجعل من ندرة المياه أكثر تأثيرا على أجيال المستقبل. أما عن الحلول المقترحة لهذه المشاكل المتعلقة بالري (المياه على العموم)، أكّد محدثنا أن معظمها موجودة في مذكرات التخرج ورسائل الدكتوراه والأوراق البحثية للباحثين والأساتذة الجامعيين، حيث أنّ الاعتماد على الأساتذة الجامعيين والباحثين، أصبح حسبه أكثر من ضروري، وهذا ما يعمل عليه رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، من خلال إعطاء دور أكبر للجامعة، وما تعمل عليه السلطات المحلية بورقلة من خلال توجيهات الوالي الذي يحرص دائما على تواجد النخب الجامعية في مختلف ورشات العمل الخاصة بإيجاد الحلول للمشاكل التي يعيشها المواطن في المنطقة. وهنا، أضاف الدكتور سقاي: "الحل بسيط في تقديرنا وهو الاعتماد على الإطار المحلي ومكاتب الدراسات المحلية ونخب الجامعات في مناطق الجنوب". من جانبه، يرى الدكتور سمير كاتب أستاذ بقسم الهندسة المدنية والري بجامعة ورقلة، أن قطاع الري في الجنوب يحتاج إلى إعادة التوجيه، فيما يخص مجال التسيير والتنسيق بين العديد من الوزارات، على سبيل المثال وزارة الري ووزارة الفلاحة ووزارة البيئة، مع ضرورة التركيز على تثمين المشاريع المنجزة من محطات المعالجة ومحطات للتطهير وإمكانية إعادة الاستغلال وذلك من خلال تنسيق العمل أيضا بين تجهيزات القطاع ممثلة في الجزائرية للمياه والديوان الوطني للتطهير ووكالة الحوض الهيدروغرافي الصحراء. وبالحديث عن وكالة الحوض الهيدروغرافي الصحراء التي تعد من بين التجهيزات المهمة للقطاع. تجدر الإشارة إلى أنّ من بين مهامها الكثيرة في المجال، جرد نقاط الماء، أي كل نقطة استغلال للموارد المائية سواء للاستعمال الفلاحي، الصناعي الخدماتي أو الاستهلاك اليومي للمواطن، والإشراف على قاعدة بيانات تضم كل المعلومات المتعلقة باستغلال المياه، وكذا وضع مخططات توجيهية لتسيير الموارد المائية لولايات الجنوب، الهدف منها طرح سيناريوهات للتسيير وفقا لتطور عدد السكان وزيادة الطلب على الماء، من خلال إحلال توازن بين العرض والطلب، أي كمية المياه الممكن استغلالها والطلب أي الطلب على الماء للفلاحة والصناعة والخدمات والماء الشروب. وتوفّر وكالة الحوض الهيدروغرافي خدمة دراسة كل طلبات حفر الآبار من خلال الشبابيك الموحدة، بالإضافة إلى فوترة المياه للمؤسسات المستغلة للماء من خلال الآبار، أي مباشرة من باطن الأرض والمستعملة للصناعة والخدمات، كما تعمل أيضا على تنظيم حملات تحسيسية، الهدف منها غرس ثقافة الحفاظ على الماء لدى المواطن، من خلال استعمال كل ما هو ممكن من مساحات إعلامية أو اتصالية للمواطن العادي من خلال الدروس التحسيسية في المدارس، معاهد التكوين المهني، أيام إعلامية في المساجد والمدارس القرآنية وغيرها ويشمل مجال اختصاصها كل ولايات الجنوب وتعدادها 19 وهي ولايات بسكرة، بشار، تمنراست، تندوف، أدرار، ورقلة، إليزي، الوادي، غرداية، تقرت، أولاد جلال، المغير، بني عباس، المنيعة، جانت، تيميمون، برج باجي المختار، عين صالح وعين ڨزام.