أكدت الباحثة الدكتورة سهيلة بن عمر في تصريحها ل«الشعب"، أن مستقبل أدب الرحلة في الجزائر رهين بتفاعل الكاتب مع التكنولوجيا والعلوم، من خلال توظيف تكنولوجيا الطباعة والتلوين وإدراج الصور والوثائق، ما يُسهم في عصرنة هذا المجال وصموده أمام التحديات. ذكرت الدكتورة سهيلة بن عمر، أن أدب الرحلة ارتبط بالحضارات الكبرى منذ القدم، وقد عرفته بعض الأمم كالفراعنة والإغريق والرومان، وشاع عند العرب كفن أدبي مدّون بداية من القرن الثالث للهجرة، نتج عنه عدة نصوص "مروج الذهب" للمسعودي و«تحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار" لابن بطوطة، ومع بدايات القرن التاسع عشر تفاعل الرحالة العرب مع الحضارة الغربية، ورصدوا ذلك في رحلاتهم كرفاعة الطهطاوي "تخليص الإبريز في تلخيص باريز" ورحلات الشدياق "الواسطة في معرفة أحوال مالطة" و«كشف المخبأ عن فنون أوربا". كما نوّهت الباحثة إلى أن الرحالة الجزائريون خاضوا في أدب الرحلة شعرا ونثرا والتي أخذت في أغلبها طابعا دينيا (رحلة الحج)، مشيرة إلى أنه من أقدم تلك الرحلات رحلة ابن حمادوش "لسان المقال في النبأ عن النسب والحسب والحال" ورحلة الورثلاني "نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار"، ورحلة الأمير عبد القادر إلى الحجاز والشام، ومع بدايات القرن العشرين ظهرت رحلات رجال الحركة الإصلاحية التي اختلفت في أسلوبها ومضمونها عن ما سلف، منها رحلة الشيخ ابن باديس "تونس العزيز" 1937، ورحلة الشيخ الابراهيمي إلى باكستان 1952، ورحلة أحمد رضا حوحو إلى الاتحاد السوفياتي "وراء الستار الحديدي" 1950، ومن خلال كتاب "مدينة الضباب ومدن أخرى سياحة أدبية"، 2003 لعبد الله الركيبي أسهم في ترسيخ البعد السياحي في الكتابة الرحلية، إلى جانب الرحلات العلمية التي خاضها أبو القاسم سعد الله إلى مختلف البلدان جمعها في كتابه "تجارب في الأدب والرحلة" 1983. وقالت الدكتورة سهيلة بن عمر أنه "لا يخفى على أحد أن الجزائر عبارة عن قارة سياحية تمتد على أطول شريط ساحلي في العالم، كما أن تنوع تضاريسها وجماليتها وثقافتها ونسيجها المجتمعي شكّل مصدر إلهام للأدباء والشعراء، فما بالك إذا كانت مصدرا للاكتشاف عند السائح الذي يزور هذه الفسيفساء العذراء باطلاعه على نصوص المبدعين والمبدعات الذين سجّلوا بأقلامهم معايشتهم لذلك الواقع، وهم يرتحلون فيه فغدا كتابا مفتوحا يُطلُّ من خلاله الآخرون على الجزائر أرضا وشعبا وثقافة، كما نرصد من ذلك العديد من الكتابات ذات البعد السياحي مثل في "ضيافة ميزاب" 1968 لمالك بن نبي، "رحلاتي العشر وعجبائها" لعبد المالك مرتاض، ثلاثية محمد ديب "الدار الكبيرة، الحريق، النول"، رواية "ريح الجنوب" لعبد الحميد بن هدوقة، ثلاثية أحلام مستغانمي "ذاكرة الجسد، فوضى الحواس، عابر سرير" و«روسيكادا" لزهور ونيسي 1999، "حائط رحمونة" لعبدالله كروم، "مملكة الزيوان" للصديق حاج أحمد، إضافة إلى "اعترافات اسكرام" لعز الدين ميهوبي، و«حياتي في دائرة الضوء" لبشير خلف. وأشارت سهيلة بن عمر في السياق ذاته، أن هذه النصوص في أغلبها نصوص روائية تحمل في ثناياها وصفا للأمكنة والترويج لها دون أن تكون عبارة عن محكي للرحلة التي قام بها الأديب، مستثنية حاليا كتابات الكاتب والرحالة عبد القادر مسكي من خلال رحلتي "رحلة الواحة الحمراء" 2020 و«رحلة تندوف في زمن الكورونا"2021 ، من خلال ممارسته فعل الرحيل ومكابدته عناء السفر لتصوير تفاصيل هذه الرحلة للقارئ والتأثير عليه، إلى جانب أسماء أخرى مثل: فوزي مصمودي، عبد الرزاق بوكبة. وأوضحت المتحدثة أن الكتابة الرحلية في الجزائر تكاد تكون نادرة لوجود عوائق عديدة منها عزوف القارئ على قراءة هذا النوع الأدبي وميله للرواية، إضافة إلى ذلك لجوء أغلب المبدعين إلى نشر رحلاتهم ضمن أعداد المجلات والجرائد أو نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي تقول المتحدثة تجنبا لأعباء النشر والطبع المادية، وعدم وجود احتضان رسمي من طرف الهيئات لتشجيع هذا النوع من الكتابة كتمويل تكاليف هذه الرحلات (السفر، الإقامة، الإعاشة)، إلى جانب عدم اهتمام الهيئة الجامعية بمواكبة أدب الرحلة دراسة ونقدا، وهذا بدوره زاد في أزمة واقع أدب الرحلة في الجزائر، الذي يقتضي البحث عن الحلول الناجعة لانتشال هذا الجنس الأدبي من الإهمال والاندثار. كما اقترحت الدكتورة بعض الحلول التي تستطيع أن تُسهم في إنعاش هذا النوع الأدبي، كتكريس دوره الاستثماري في الترويج للسياحة الداخلية في الجزائر باعتباره دليلا أدبيا سياحيا بامتياز، يختلف عن ترويج الرواية للمكان، ووعي الكاتب الرحلي بالقيمة الكسموبوليتية للأمكنة التي يقوم برصدها ونقل مجالها الثقافي والاجتماعي للقارئ، ودفعه نحو زيارة هذه الأمكنة باعتبارها مزارات سياحية نابضة وهامة، إلى جانب ضرورة اهتمام النخبة الأكاديمية بأعمال أدب الرحلات الجزائرية كإقامة ملتقيات وأيام دراسية تتناول هذه الأعمال، وترسيم جوائز دولية ووطنية رسمية لاختيار أحسن نص رحلي، وتشجيع فكرة الرحالة عبد القادر مسكي في إنشاء ما أسماه بالديوان الرحلي الذي يؤرخ لمجموعة من الرحلات. وأنهت الحديث بقولها: "يبقى مستقبل أدب الرحلة في الجزائر رهينا بتفاعل الكاتب مع التكنولوجيا والعلوم، من خلال توظيف تكنولوجيا الطباعة والتلوين وإدراج الصور والوثائق ما يُسهم في عصرنة هذا المجال وصموده أمام التحديات.