وزير الاتصال يشارك في تأبينية الصحفي الراحل علي ذراع    بتكليف من رئيس الجمهورية, السيد رزيق يشارك غدا الأحد بأديس أبابا في القمة الأممية لأنظمة الغذاء    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على قطاع غزة إلى 59733 شهيدا و 144477 مصابا    الألعاب الإفريقية المدرسية (الجزائر-2025): برنامج ثقافي وترفيهي وسياحي ثري للوفود الرياضية المشاركة    هزة أرضية بشدة 3ر3 درجات بولاية المدية    الجزائر-إيطاليا : التوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجال البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية    سوناطراك توقّع 4 مذكّرات تفاهم    خطوة أولى في مسار تجسيد منظومة وطنية متكاملة    الرئيس يولي عناية خاصّة لقطاع العدالة    منصوري تشارك في اجتماع لمجلس السلم والأمن الإفريقي    الجزائر تدعو لتعزيز الدبلوماسية الوقائية    الإنسانية تنزف في غزّة منذ 600 يوم    المعاملة بالمثل لمواجهة انتهاكات روتايو    افتتاح واعد مُنتظر هذا السبت بسطيف    إخماد مجموعة من حرائق الغابات    حماية الطفل واحترام المعلمين واجب لا يقبل التهاون    اختتام اكتتاب القرض السندي لشركة "توسيالي الجزائر" بنجاح    3 حالات للحصول على البطاقة الذهبية الكلاسيكية    تسارع وتيرة سن تشريعات تكرّس منظومة الفساد في المغرب    الرئيس تبون يقود الجزائر بثبات نحو التطور المنشود    زيارة الرئيس تبون إلى روما.. لبنة جديدة لدعم العلاقات النّموذجية    تعليمات بتسليم المشاريع قبل الدخول المدرسي المقبل    إجراءات استباقية لضمان دخول مدرسي ناجح بوهران    ليلة المتاحف الصيفية في الجزائر العاصمة    التسممات الغذائية في الصيف: مخاطر متزايدة وضرورة للوقاية    نظام البطاقية الوطنية لترقيم المركبات: خطوة نحو منظومة رقمية متكاملة لتسيير المركبات    أمطار رعدية مرتقبة بعدة ولايات بداية من ظهيرة الجمعة    الطارف..سوناطراك تُكمل بنجاح رفع وتيرة الإنتاج بمحطة تحلية مياه البحر بكودية الدراوش    المغرب: الدعوة الى حل لجنة الصداقة البرلمانية مع الكيان الصهيوني في ظل تصاعد الغضب الشعبي ضد التطبيع    الألعاب الإفريقية المدرسية بالجزائر... منصة لصقل مواهب الشباب    انطلاق فعاليات الدورة ال28 للمهرجان الوطني للمسرح المدرسي بمستغانم    تنسيق إداري موسع لترقية الاستغلال    برنامج سياحي وثقافي.. كرة القدم وتنس الطاولة أول المنافسات بقسنطينة    1700 رياضي يشاركون في الطبعة الأولى بالجزائر    حجز 2 كلغ "كيف" وتوقيف مروجين    السيطرة على حريق حجريية بكركرة    هذا جديد مصنع فيات    الأطفال يحولون أنشطتهم الرقمية إلى مصدر للربح    لقاءات وطنية للإعلام والتوجيه لفائدة التلاميذ    "انبثاق" بقصر "الداي"    الكتاب سيحتفظ بمكانته رغم التحديات الرقمية    خضرا: سأعبّر عن استيائي ضدّ الإبادة    كاراتي دو- بطولة إفريقيا- 2025 / فئة الأشبال: الجزائري أيمن بن خدة يتوج باللقب القاري    الجزائر العاصمة تحيي الذكرى ال185 لميلاد الملحن الروسي الكبير تشايكوفسكي باحتفالية موسيقية    وهران: 49 جريحا إثر انقلاب حافلة لنقل المسافرين بقديل    بطولة إفريقيا للاعبين المحليين: مدرب المنتخب الجزائري يعاين عن قرب جاهزية لاعبين في مباراة تطبيقية    المتعاملون الاقتصاديون المتواجدة سلعهم حاليا في الموانئ مدعوون لتقديم جملة من الوثائق لتسوية وضعيتهم    بوقرة يكشف عن قائمته    شبكة ولائية متخصصة في معالجة القدم السكري    منظمة الصحة العالمية تحذر من انتشار فيروس شيكونغونيا عالميا    وهران: افتتاح معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة    هذه حقوق المسلم على أخيه..    النمّام الصادق خائن والنمّام الكاذب أشد شرًا    إجراءات إلكترونية جديدة لمتابعة ملفات الاستيراد    استكمال الإطار التنظيمي لتطبيق جهاز الدولة    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    أفشوا السلام بينكم    هذا اثر الصدقة في حياة الفرد والمجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البناء السردي في "رمل الماية" لواسيني الأعرج

رواية رمل الماية.. رواية جدّ طويلة، وهي تحتاج أن تقرأ أكثر من مرة، فالقراءة الثانية تجعل النص بسيطا وتزيل عنه التعقيدات. الأكيد أنّ النص أقرب إلى الرواية الجديدة أو رواية الفوضى المنظمة. وقد جعلها الروائي تنفجر بالرمز والإسقاط، إذ نستشعر طوال الوقت أنّها تتحدّث عن الجزائر دون أن يشار صراحة إلى اسمه ولو لمرة واحدة. لقد لامس الكاتب في الفترة التي كتب فيها هذه الرواية خطورة المرحلة التي تعيشها الجزائر. فصدور العمل كان في السنوات الأولى للعشرية السوداء (سنة 1993).
يجذبنا وجود اللّون الرمادي على باقي الغلاف الذي يعتبر من الألوان الوسطية والمعتدلة والحيادية التي توحي بالغموض والألم والحزن والخوف من المجهول والميل إلى التكتّم، ممّا يدفع كذلك القارئ إلى طرح عدّة تساؤلات، فكلّ الألوان التي وجدت على واجهة الغلاف كانت ألوان داكنة قويّة ولها دلالات ملفتة للانتباه.
ويبقى النصّ مجالا لتعميق هذه الدلالات والتفاعل معها وطرح أسئلة أخرى تساعدنا على الدخول للعوالم السردية للنصّ واستجلاء خصوصياته. فيعرف " جينت" السرد القصصي كتقديم الحدث أو تتابع المجموعة من الأحداث الواقعية أو الخيالية، وتتنوّع العلاقات بين هذه الأحداث فهي متسلسلة أو متعارضة أو مكرّرة، ويتحقّق هذا التقديم عن طريق الكلمات وخاصة اللّغة المكتوبة، ويعتبر هذا التعريف من التعريفات المتداولة التي تحمل نوعا من الإيجابية والبساطة والبداهة.
السرد القصصي في " رمل الماية " يطرح أحداث لا نعلم واقعيّتها من خيالها ولكن طابعها الأساسي هو التكرار. يبتعد هذا النصّ عن الشكل الكلاسيكي الذي تعوّده القارئ، فلا احترام لتقنيات السرد الروائي المتعارف عليه عالميا، بل والملفت للنظر أنّ روايته شبيهة جدّا برواية نجمة لكاتب ياسين، فالتلاحم بين الخيالي والتاريخي للتعبير عن الواقع يبرز للعيان بمجرد تصفّحها، فتاريخ الهزائم العربية تاريخ طويل بل يعيد نفسه بتفاصيل مغايرة، فالقصص والحكايات تتوالد وتتواصل دون نهاية. يتنقّل السارد بين حكاية وأخرى من تصوير المأساة سقوط الأندلس وضياعها نهائيا، إلى معاناة الحلاج وابن رشد وأبي ذر الغفاري. وهنا يحضرنا ما افترضه دلثاي، إذ من خلال التاريخ يتأتى لنا أن نفهم أنفسنا.
إذن، طرحت البنية السردية لرواية " رمل الماية بعض قضايا الواقع العربي والجزائري من منظور ورؤية تاريخية، كما عبّرت عن التساؤلات الفكرية لمبدعها واسيني الأعرج، تساؤلات عميقة لامست البعد الفلسفي للمجتمع بكامله، كما فضحت الصراعات الأيديولوجية العابرة للتاريخ والزمان والفضاء، فبالفعل ساهمت الرواية في عرض أزمة الإنسان العربي والجزائري وسط فترات سياسية من الفساد المتتابع.
لقد حمل السارد في رواية رمل الماية" وجهة نظر أو رؤية أيديولوجية مكشوفة، وقد سيّر الهندسة العامة لنصه وجماليّته البلاغية التي غلب فيها اللّغة العربية الفصحى على اللهجة الجزائرية وكذا اللّغات الأجنبية الأخرى كالإسبانية والفرنسية. وانطلاقا من ذلك، حاول السارد أن يوهمنا هنا كقراء، أنّ ما يقدّمه في نصّه الروائي قد حدث بالفعل ليقنعنا ويمتعنا في الآن نفسه، رغم أنّ درجة الإمتاع كانت أقلّ من درجة الإقناع. فالسارد تنوّع في نصّه بين شخصية البطل البشير وبين شخصيات ثانوية أخرى تبرز حينما يغيب هذا الأخير.
نعم السارد شخصية أساسية تتنوّع ملامحها حسب العمل الإبداعي، وهو ينوب عن الكاتب في سرد الحدث القصصي من البداية حتى النهاية مع بعض الاستثناءات، ألا يقال في النقد الروائي أنّ الأساسي يسجّل بين الحرف الأول والحرف الختامي، إنّ تنوّع السارد كأنا ثانية للكاتب في رواية "رمل الماية " بين شخصية من شخصيات النص وبين الراوي غير الظاهر هو السمة البارزة والطاغية هنا. فالسارد البطل يلتحم مع الشخصيات الورقية بين الحين والآخر، فمثلا وهو يتحدّث عن أبي ذر الغفاري يتدحرج بين ضمير الغائب وضمير المتكلّم، تاركا القارئ وسط غموض الفكرة الجديدة، فمن المقصود؟ صرخت (في الحقيقة هو الذي صرخ بأعلى صوته). لم أسمع (لم يسمع ، هو ).
وتسمى هذا التقنية في النقد بالسارد متعدّد الأصوات، وقد وقف مخائيل باختين" في كتابه شعرية دوستويفيسكي"، وقفة نقدية عند هذا الكاتب الذي كان رائدا في الرواية المتعدّدة الأصوات polyphonie"، ففي أعماله يظهر البطل الذي يبني صوته بطريقة تشبه بناء صوت المؤلّف ذات نمط اعتيادي والرواية المتعدّدة الأصوات تشبه الأصوات في الموسيقى، حيث تمتزج العناصر والشخصيات في تناغم غنائي كأنّها وحدة غنائية، وفيها تمنح البطولة للفكرة التي تدور حولها الرواية، وتعتبر الأفكار هي الأبطال التي تحدّد بنية العمل الروائي. ومن هنا يصف السارد - الذي يتحوّل إلى البشير ابن رشد ومحنته في الأندلس قائلا : آه يا فيلسوف الفردوس المفقود. قرطبة سرقوها، فسرقت حلمك الذي رفضه زبانية الموت. قلت الدين دين والفلسفة فلسفة، قلتها بأعلى صوتك قبل أن يرموك خارج حدود عشقك ويتركوك وحيدا (إنّهم يتهمونك بالزندقة والإلحاد) فنحن يقينا - نعلم أنّ الروائي واسيني الاعرج هو صاحب ذلك العالم الخيالي، فهو الذي ينتقي من الأحداث والشخصيات والكلمات ما يتلاءم وعالمه الفكري، بل هو يظهر ذلك إظهارا مباشرا في النصّ الروائي، ففي الجزء الأخير تذكر الرواية بعنوانها الكامل كعمل محاط بتهديدات مجهولة ويخلّد اسم " وسيني الأعرج على صفحاتها. ويسعى السارد في نصّه أن يعيد معايشة الماضي بفضل اللّغة، وهذه الفكرة طرحها غادمير، الذي اعتقد أنّه من العبث أن نعيد الماضي لنعيشه من جديد من غير أن تسلّط عليه ثقافتنا الراهنة.
يكتشف قارئ نصّ " رمل الماية " ملازمة السارد لثنائية أساسية هي الماضي/الحاضر والقديم/الحديث بصورة فاعلة وحازمة في عالمه السردي وقد تمكّنت هذه الثنائية من أن تعكس تناقضات الواقع المعيشي ) واقع الحكم الفاسد واللحظات المتغيرة المشكّلة للرواية. إذن تبقى العلاقة الغالبة في " رمل الماية" تتأسّس على المواجهة والمقابلة.
وتبقى هذه الثنائية بعيدة عن الفهم لكونها تتشابك وتتفاعل فيما بينها نتيجة الصراع التاريخي الذي أفرزها وأفرز معها البحث المتواصل عن الذات وعن الهوية والمصير.
الواضح أنّ هذه الرواية بعيدة كلّ البعد عن القالب الكلاسيكي كما أشرنا سابقا، فهي لا تخضع لمنظومة عقلية وترتيبية، ونجد عديد النقّاد حذّروا من هذه الخاصية، فها هو " آلان روب قريبه Alain robbe Grillet" يقول عنها : " أن تحسن سرد القصة، يعني أن تستجمع ما نكتب في خطة محكمة تعوّد عليها الناس، أيّ ما يختزله هؤلاء في مخيّلتهم من أفكار لها مرجعة تطابق التطابق في الواقع... فكلّ تردّد بسيط أو عنصر غريب في القصة يعد تهديدا حقيقيا لوصول المعنى. وإذا حدث تناقض في العرض أو لم يستخدم بإحكام فسوف يؤدّي هذا إلى توقيف التدفّق الروائي الذي يحمل القارئ من العالمين الحقيقي والخيالي والتفكّك في هذه الرواية ناجم عن طبيعة المرحلة التاريخية، بداية العشرية السوداء كما قلنا سابقا، فالكتابة هنا طغى عليها التكسير والجزئية، ومرجع ذلك أنّ الأحداث التاريخية كانت قريبة من الكاتب، فالسارد يجهل ما سوف تؤول إليه الأحداث مستقبلا ولكنه يتنبأ بسقوط جملكية نوميدا ومقتل الحاكم وتحرّر الأهالي وعزف النشيد الأندلسي على إيقاع "رمل الماية " في الليلة السابعة.
ممّا لاشكّ فيه أنّ رواية " رمل الماية " كشفت النواحي المظلمة للتاريخ العربي، فهي كعمل إبداعي تأسّست على قاعدتين أساسيتين، أو لوحتين إحداهما أمامية وأخرى خلفية، فاللوحة الأمامية تتحقّق عن طريق جعل بعض المضامين النصية في مستوى أول (premier plan) وجعل مضامين أخرى في الظلّ أيّ في مستوى ثان أو خلفي(arrière plan). تعرض اللوحة الأولى رحلة البطل البشير الموريسكي من الأندلس إلى الجملكية، فعودته إلى الحياة بعد نوم دام ثلاثة قرون، كانت من أجل تغيير مسار التاريخ بكتابته من جديد وانتزاع الزيف منه وكشف الوراقين الذين حوّلوا الهزائم إلى انتصارات ومن أجل إزالة قانون الفوضى من كل نواحي الحياة، إنّه عاد وبعث من القبر ليعيد الرواية إلى مسارها الحقيقي فالوراقون ابتذلوا أشواقه وحنينه إلى البلاد البعيدة، وبيّضوا بنصاعة القلم الكثير من الوجوه المريضة ودفنوا أنوار الذاكرة تحت الأتربة السوداء وبنوا للسرّاق قصورا من العاج الغالي والألفاظ الكاذبة.) (دخل إلى الجملكية ليعيد ترتيب الأشياء التي فقدت نظامها الحقيقي).
حاول البشير أن يبني حكايته بتجميع الخيوط وبتذكر ماضيه في غرناطة، كقوّال هذه المدينة وحامل السلاح الكلمة الفاضحة لمؤامرة حكامها، ولكن كما قيل لنا في الصفحة الثالثة عشرة، كانت ذاكرته تهرب منه مثل حبات الرمل الجافة) وهنا إشارة إلى الجزء الأول من عنوان الرواية. يجد البشير نفسه في فضاء واسع يسميه الجملكية وقد وصفه السارد بالنظام الخرافي الذي يجمع بين الجمهورية والملكية وفي صفحة أخرى، نعت الجملكية ب(نظام مستجد يجمع بين عراقة النظام الملكي وديمقراطية النظام الجمهوري).
وتقترح اللوحة الثانية وضعية أهالي الجملكية، فصورة هؤلاء الأهالي ضبابية بعيدة عن الوضوح كغلاف الكتاب، لكنّهم يشبهون كثيرا الجزائريين في تفاصيل حياتهم التي أوردها الكاتب في نصّه، فهم يقفون عاجزين أمام فساد الحاكم وظلمه ولا يملكون الشجاعة لرفع كلمة الحقّ، بل ينتظرون الوافد الجديد "البشير " وعبد الرحمن المحدوب " ليدافعا عنهم، ثم هم يعالجون بأعشاب يحضرها
«عبد الرحمان المجدوب"، أعشاب لكلّ الأمراض ولكنها لا تنفع ولا تضر. كما تضم اللوحة الثانية مشاهد مقتطعة من التاريخ العربي، فها هي مصيبة أبي ذر الغفاري معروضة للقارئ، فما عاشه أبو ذر الغفاري هو جزء من الليلة السابعة وسببها كان وقوفه أمام ضغوطات التجار الذين أفسدوا الدين والدنيا مع مساندة معاوية ومباركته، فقد دفنت عائلته في الفيافي جوعا وعطشا؛ لأنّه تجرّأ على المطالبة بحقوق الفقراء ورفض التنازل عن مبادئه كما فعل الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، بخطاب مطابق تقريبا، إذ أنّ بناء الصياغة يشبه ما جاء على لسان الرسول حينما خيّره الكفار للتراجع عن حمل الدين الجديد، بل غير محدّد هل المقصود منها أبو ذر الغفاري أم البشير). "لو جمعتم البحار كلّها، وسيّرتم النجوم، ووضعتم ثقل الأرض على هامتي وسرقتم النور من عيوني لن أتخلى عن ذاكرتي وحنيني إلى الوجوه التي لا ينتهي ألقها وعنفوانها".. هو قانون الظلم يتكرّر، فكلّ شجاع قائل للحقيقة يلقى مصير البشير وأبي ذر وابن رشد.
والملفت للنظر أنّ اللوحتين تتقاربان من بعضهما البعض، بل تتداخلان وتتلاحمان، فاللوحة الثانية تزيد الموضوع الروائي قوّة وتأثيرا، فهي صورة مكبّرة لمعاناة الفرد العربي عبر الزمن وعلى شمولية المأساة وكليتها.
اعتمد الروائي على شخصيتي " دنيازاد" و«شهريار" اللذين ذكرا في ألف ليلة وليلة، ولكن الاختلاف أنّ دنيازاد ثابت عن أختها " شهرزاد " في سرد الحكايات للملك " شهريار" ورغم ذلك فهما من أبطال منتصف الطريق. إذن غابت شهرزاد وتولت دنيازاد مهمة الحكي والسلطة. ويصور شهريار في الرواية بأدوات توصيفية جديدة سلبية في مجملها فهو قاتل ومريض نفسي و1 خلال الحكاية. ... ، كانت كلّ قصة من قصصها، تنهيها بذبح امرأة وما شابه" ولكن ما يستوقفنا هو لا معقولية السرد لأنّنا نجهل من يحكي ولمن ؟ فهل دنيازاد تحكي عن البشير أم البشير هو سارد حكاياته وحكايات الغير؟ الواضح أنّ "رمل الماية " هي رواية متعدّدة الأصوات، يتناوب فيها صوت السارد بين شخصية وأخرى. فالنصّ يفتقد إلى الإنسيابية والتتابع في الأحداث، هذا الأسلوب الذي تعوّدناه مع الروايات الكلاسيكية الرائدة، فالموجود أمامنا مقاطع إخبارية وتأمّلية تدعو إلى التفكير والتأمّل والربط ثم الإسقاط فرمل الماية تشعر القارئ بالنوع الروائي الفكري، فصاحبها لا يبحث إلى إمتاع القارئ بقدر ما يسعى إلى تحريك وعيه وفتح أعينه عاجز عن حماية شرفه ووطنه، فكيف الحاكم أن يحافظ على وطنه وشرف وطنه وهو يقف عاجزا أمام خيانة زوجته بل ويعلم ذلك علم اليقين أنّها باعت شرفها بثمن بخس، فما لم يحدث في الحقيقة ناب عنه الخيال من خلال القصّة - " كان صعبا ومريضا مازوشيا، لا يجد الشهوة واللذّة إلا داخل الدم ولهذا صمّم على ذبح نساء المملكة، وجاءت شهرزاد لتوفّر له لذّة الذبح من على حقائق يعلمها الجميع حقائق مرتبطة بالجانب الأيديولوجي.
ولهذا السبب، استحضر الروائي الموروث الديني كأهل الكهف وسيدنا الخضر، فحملت هذه الشخصيات الدينية حمولة رمزية من الصبر والحكمة، فبالنسبة لأهل الكهف فقد استعار الكاتب بعض التفاصيل التي تنسب لهؤلاء الفتية، ويتشارك معهم فيها البشير.
الحلقة الثانية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.