أبرز المؤرخ والأستاذ الجامعي لحسن زغيدي البعد الاستراتيجي لمجازر الثامن ماي 1945، التي غيرت حسبه مفهوم الحركة الوطنية الذي كان سائدا خلال الثلاثينيات وظهر تيار أخر يطالب بعمل عسكري وهو جناح المنظمة الخاصة. كما أثرت في منطقة المغرب العربي وأوجدت نخبة جزائرية جديدة متشبعة بالروح الوطنية ومندفعة نحو الأمام. أكد لحسن زغيدي خلال مداخلته أمس بقاعة المحاضرات للمدرسة العليا للعلوم السياسية، أن الثامن ماي 1945 موضوع هام لان المظاهرات كانت سلمية منظمة، ومعبئة، ومبرمجة، وأفضت إلى نتائج لم تكن متوقعة لكلا الطرفين، واتخذت أبعادا جد هامة في مسار الحركة الوطنية والاستعمارية المضادة. وقال أيضا بأن 8 ماي كانت محطة مفصلية في تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية بكل مدلولاتها، مضيفا: «نحن الآن نتعامل مع فترة كانت بداية ونهاية في آن واحد لصناعة تاريخنا الذي كان محط إعجاب من طرف العالم». ويرى المؤرخ بأنه لا يمكن بناء عمل كبير ساهم في تغيير مجرى التاريخ بمعطيات داخلية محضة كون الجزائر لم تكن معزولة عن العالم، ولذلك فقد تأثرت وأثرت في مجريات الأحداث العالمية آنذاك، مشيرا إلى أنه خلال الحرب العالمية الثانية ظهر معطى جديد وجيل جديد من الفرنسيين ذوي الثقافة والهوية المختلفة عن سابقيهم من الأوروبيين، ولأول مرة يطرح الجانب الوطني الثوري الذي بنى عليه حزب نجم شمال إفريقيا خصوصيتها. أوضح لحسن زغيدي أن سقوط باريس، ومشاهدة الجزائريين لجبن الجنرالات الفرنسية الذين لم يدافعوا عن مدينتهم خوفا من النازية، ونزول الحلفاء بالجزائر في 8 نوفمبر 1942، وكذا ظهور مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، كلها مؤشرات ساهمت في ظهور الوعي الوطني لدى الجزائريين. وفي هذا السياق، أبرز الأستاذ الجامعي دور طلبة الثانويات والجامعات في احتضان قيادة حزب الشعب الجزائري بعد إلقاء القبض على مناضليه، ومواجهة شراسة الاستعمار في تلك الفترة الصعبة. كما استعرض المحاضر، التطورات التي سبقت أحداث 8 ماي 1945، التي واجهتها فرنسا بتسخير 19 سفينة عبر موانئ سكيكدة والقل وبجاية، و150 طائرة ذات 16 نوع بمعدل 300 طلعة في اليوم، والتي كانت نتيجتها ثلاثة آلاف شهيد يوميا. وفي الأخير، أكد زغيدي أن مجازر الثامن ماي بينت أنه اعتداء على السلم وجريمة دولة ضد شعب أعزل لا سلاح له إلا العلم، كما أظهرت مدى تلاحم الشعب الجزائري واستعداده للموت في سبيل قضيته. وبالمقابل، بينت للمتتبعين يقول الأستاذ أن فكرة التعايش بين مجتمعين الأول أوروبي دخيل والثاني جزائري أصيل، ونهاية صورة الجزائر فرنسية التي أطلقها شارل ديغول.