تقزمت الأعوام وأصبحت تمر متسارعة كالبرق، فلا نحس بأيامها وشهورها وكأنها تفر من واقعنا المأساوي حتى لا تعيش الأزمات والتوترات المكدسة هنا وهناك، ولا تشهد مظالم القوى العظمى تجاه الضعفاء ولا تتألم لتشرد ملايين النازحين واللاجئين بسبب الحروب والمجاعات وإجحاف الطبيعة التي قسا قلبها هي الأخرى وأصبحت تضرب بأعاصيرها وفيضاناتها وجفافها أي ركن من أركان الأرض مخلفة وراءها كوارث إنسانية رهيبة.. سنة من عمر الزمن انقضت وأخرى حلت لتجد في استقبالها إرثا ثقيلا من الهموم العربية التي تفجرت أزماتها وصراعاتها، خاصة في بلدان "الخريف العربي"، التي فقدت بوصلة الأمن والأمان وتحولت إلى بؤر للتوتر والصدامات الدموية وحتى للإرهاب.. فبعد ثلاث سنوات عن الهزة الكبرى التي زلزلت أركان قيادات وأطاحت بها، مازالت شعوب ليبيا ومصر واليمن وتونس عاجزة عن إقرار نظام بديل، وعوض ذلك دخلت في متاهة من التوتر والعنف والجدل السياسي العقيم الذي عمق الانسداد وأحدث الشقاق وفرق أبناء الوطن الواحد وأدخل بعضهم في اقتتال دموي مقيت. وبلا منازع، ظلت المعضلة السورية ولازالت تشكل الوجع العربي الكبير، بعد أن تحولت إلى ساحة احتراب داخلي وميدان خصب للجماعات الإرهابية. ورغم الآمال المعلقة على "جنيف2"، فإن العودة ببلاد الشام إلى بر الأمان قد لا يكون غدا ولا بالبساطة التي يعتقدها المفرطون في التفاؤل. وانطلاقا من المثل القائل، "كلما عطست سوريا يصاب لبنان بالزكام"، تلقى هذا الأخير هزات ارتدادية ناتجة عن الصراع السوري، تجسّدت في اشتباكات دموية بين من يناصرون الأسد ومن يعارضونه، كما شهد بلد الأرز عديد الانفجارات والاغتيالات ما جعله يدخل العام الجديد محمّلا بتحديات أمنية كبيرة. وغير بعيد، ظل العراق ولازال يتجرع كأس المرارة بعد أن تحولت أيامه ولياليه إلى سلسلة لامنتهية من العنف، وأصبحت المنية رغيفا يوميا للعراقيين، في ظل أزمة سياسية وصراع محموم على السلطة وتفكك ممنهج لوحدة الشعب على أسس طائفية ومذهبية.. أما قضية فلسطين فقد تدحرجت إلى آخر المشهد، حتى أن أحدا لم يعد يذكرها أو يلتفت لما يتجرعه شعبها من ويلات تحت سلطة احتلال جائر وشرعية مغيبة.. قبل أسبوع طوت سنة أيامها بمرارتها، وخلفت وراءها حملا ثقيلا من الهموم العربية، لكن الآمال، ككل مرة، معلقة على العام الجديد، عساه يحمل الانفراج ويطفئ النيران التي تلتهم أمن ووحدة الكثير من الشعوب.. فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.