يقال بأن اسرائيل لا تنتخب رئيس وزراء جدد إلا إذا وجدت خلفا أسوأ من السلف، وهي بالتأكيد وجدته في شخص بنيامين نتنياهو 59 سنة، الذي سبق وأن تولى رئاسة الوزراء في الفترة من 1996 الى 1999 وكان أصغر رئيس للحكومة في تاريخ اسرائيل، كما تولى وزارة المالية في حكومة شارون من 2003 الى 2005 واختلف مع هذا الأخير حول خطته للانسحاب الأحادي من غزة، وبعد أن ترك شارون حزب الليكود ليكون حزب كاديما، تم اختيار نتنياهو لزعامة الليكود عام .2005 اشتهر نتنياهو بمعارضته لاتفاقات أوسلو عام ,1993 كما يرفض مناقشة وضع القدس مع السلطة الفلسطينية، وتعهد باستمرار ما يصفه بالنمو الطبيعي للمستوطنات وبمحاربة حماس ويرى أن الحل بشأن المسألة الفلسطينية، ينطلق من تطوير ملموس للوضع الاقتصادي الفلسطيني. وعندما يتم تحقيق هذه الخطوة يمكن الانتقال للاتفاقيات السياسية، وحجة نتنياهو هو أن الدول ذات الأنظمة الاقتصادية المتجانسة لا تتنازع عادة، بينما الدول ذات الأنظمة السياسية المختلفة معرضة دائما للتصادم، وعليه يرى أنه من واجب اسرائيل إعانة المجتمع الفلسطيني على النهوض اقتصاديا بحيث يقترب من مستوى المجتمع الاسرائيلي، وعندئذ فقط كما يقول تسهل عملية تأسيس دولتين جارتين لا تباعد بينهما الحروب والفوارق الاجتماعية والاقتصادية، لكن المراقبين السياسيين اعتبروا هذه الطروحات مجرد فصاحة انتخابية، فنتنياهو ومن ورائه معسكر المتطرفين العنصريين لا يعترفون بالسلام القائم على مقايضة الأرض ولا بإقامة دولة فلسطينية ويتمسكون ب''لاءاتهم'' حول اللاجئين والحدود والمستوطنات، وما حديثهم عن انعاش الاقتصاد الفلسطيني إلا خديعة لإلهاء الفلسطينيين عن المطالبة بحقوقهم وجعلهم يكفرون بالمقاومة ورجالاتها على اعتبار أنها كما يتوهمون لم تجلب لهم إلا المآسي. السيء أن نتنياهو عاد الى رئاسة الوزراء في اسرائيل، لكن الأسوأ أن حكومته تعززت بمن يعتبر اليوم من أشرس العنصريين المتطرفين المناوئين للشعب الفلسطيني وحقوقه. إنه ''أفيغدور ليبرمان'' زعيم حزب ''إسرائيل بيتنا'' المتطرف صاحب الآراء العنصرية المستمدة من حزب ''كاهانا'' المحظور الذي دعا الى ترحيل كل الفلسطينيين من أرضهم فلسطين. لقد صعد نجم هذا العنصري وأصبح قوة مركزية يصعب تجاهلها بعد أن حصل على 15مقعدا واحتل المرتبة الثالثة في الانتخابات الأخيرة، بعد كاديما والليكود، ودخل الحكومة من الباب الواسع محملا بأفكاره المشحونة بالعنصرية والكراهية والحقد على الفلسطينيين والعرب. فهذا البعبع الروسي كما تصفه وسائل الاعلام الروسية باعتباره مهاجرا روسيا قدم من مولدافيا في روسيا سنة 1998 وأنشأ عام 1999 حزب استوحى اسمه من الحزب الوطني الذي أسسه بوريس يلتسن ''روسيا بيتنا''، يدعو الى تهجير مليون وأربعمائة ألف فلسطيني من إسرائيل الى قطاع غزة أو الضفة. ورفع خلال الحملة الانتخابية شعار ''لا مواطنة من دون ولاء'' يطرح من خلاله مشروع قانون ينزع عن كل عربي الحقوق المدنية والهوية الاسرائيلية مالم يقسم يمين الولاء لدولة اليهود. ولم تتوقف عنصريته عند هذا الحد، بل امتدت لتكشف عن روحه الاجرامية، إذ دعا خلال حرب غزة الأخيرة الى إلقاء قنبلة نووية على القطاع لتدميره بالكامل والتخلص من وصف العالم لاسرائيل بدولة احتلال، متجاوزا بذلك أمنية المغتال اسحاق رابين ذات مرة عندما تمنى أن ينام يوما ويستيقظ فيجد غزة قد ابتلعها البحر، وخلصت اسرائيل منها ومن عبئها. الثنائي، نتنياهو ليبيرمان، ومعها أطياف حزبية عنصرية أخرى ''كشاس''، إعتلت سدة الحكومة في اسرائيل، الأمر كان متوقعا، ومستقبل تعامل هذا الفريق مع القضية الفلسطينية معروف مسبقا، فالصقور لن تكون أرحم من الحمائم إن كان هنالك حمائم اسرائيلية طبعا، وأن ينتظر الفلسطينيون جني أي حقوق من هذا الفريق هو ضرب من الخيال بل الجنون، والأفضل في المقابل أن يتحول الفلسطينيون هم أيضا الى صقور بعد أن عجزت حمائمهم بعد 16 عاما من وهم عملية السلام، أن تحقق شيئا، ولم تكن هذه العملية المخادعة غير مِعْوَل لضرب الوحدة الوطنية ونسف القضية الفلسطينية. على الفلسطينيين أن يقابلوا الصقور بالصقور، ويقابلوا اسرائيل بيتنا، بفلسطين بيتنا الذي يجب أن يحوى بأجنحته كل الفلسطينيين بمختلف أطيافهم الحزبية وتوجهاتهم السياسية، ويحتوي القضية بكل مبادئها، وخيارات الحل بما فيه خيار المقاومة. يجب أن يعيد ''فلسطين بيتنا'' وحدة الصف والقرار الفلسطيني وأن يكون متمسكا بالحقوق حد التشدد، فأمام احتلال عنصري وحشي ليس هنالك خيار إلا أن يكون الفلسطينيون متشددون ومقاومون وليس إرهابيون كما يدّعي الغرب.