خلفت المسيرات الشعبية السلمية المتواصلة منذ يوم 22 فيفري المنصرم الكثير من التفاعل في الوسطين الشعبي والإبداعي، بدليل ردود الأفعال التي ميزت عددا من المثقفين والشعراء، حيث أبدع ابن الزيبان الشاعر لخضر رحموني في إنهاء قصيدة شعرية عنونها ب”نشيد الحراك”، وسط تأكيد عدد من النقاد بإمكانية تحويله إلى أغنية خالدة في حال خضوع هذا العمل للتلحين. يعد الشارع لخضر رحموني من الأسماء التي تفاعلت وجدانيا مع الحراك الوطني، بدليل إنهائه لقصيدة (نشيد الحراك)، حيث وثق هذا الحدث التاريخي بعد نشرها في جريدة البصائر الصادرة يوم الفاتح أفريل المنصرم، وقد اختار لنشيده بحر المتقارب المناسب للغناء والإنشاد.. ويبدو حسب بعض النقاد أنه قد فضل اختيار كلمات بسيطة للنشيد حتى يتمكن المتلقي من حفظه وترديده بكل سهولة وطلاقة، ومن خلال المضمون يبدو أن النشيد عبارة عن صرخة شاب ثائر على الأوضاع السياسية والإحساس العميق بالظلم واللاعدل السائدين في المجتمع، مع الدعوة إلى التغيير السلمي بكل وعي ومطالبة رموز الفساد بالابتعاد عن الأنانية، والرحيل عن وطن يفتخر بمرجعيته النوفمبرية.. وفي السياق ذاته فإن “نشيد الحراك” للشاعر الأخضر رحموني مؤثث بمعجم يستمد دلالاته اللغوية من ألفاظ ثورة الشباب مثل كلمات (الزحف، البركان، الزلزال، الشهيد، الطغاة، الوحش، الفساد، الظلم…)، دون الابتعاد عن مسحة التفاؤل بالأمل القريب بتوظيفه لكلمات مناسبة مثل (السلم، نصر البشائر، تزهر الأحلام، ثمار الأماني، الفجر، فيض الحياة، ملحمة المجد، تشرق الشمس…)، ويجمع بعض النقاد والمختصين في الشعر الجزائري أنه في حال تلحين) نشيد الحراك) يمكن أن يصير أغنية ثورية ترددها حناجر الجماهير للتعبير عن هذه اللحظة المفصلية في تاريخ الشعب الجزائري، على غرار كما الأناشيد الحماسية التي خلّدت في الجبال محطات هامة خلال الثورة التحريرية الكبرى مثل الأناشيد المعروفة “جزائرنا” للشاعر محمد الشبوكي، “فداء الجزائر” للشاعر مفدي زكريا، “من جبالنا” للشاعر محمد العيد آل خليفة.. وتتشكل قصيدة “نشيد الحراك” من المقاطع التالية: فهمنا خطابك يا ابن الجزائر ** وسار هتافك ملء الحناجر فأنت الوفي لروح الشهيد ** وأنت العظيم بنصر البشائر عهدناك دوما تلبي النداء ** وترسم تاريخ جيل المفاخر إلى العدل تدعو.. إلى الخير تسعى ** وتهفو إلى السلم رغم المخاطر تفجر بركان شعب المعالي ** وحطم بالزحف أقوى الجبابر كفى… قالها كل حر أبي ** شباب العطاء بصرخة ثائر فهيا ارحلوا يا رموز الفساد ** فأنتم مع الغرب كبوة عاثر وشعب الجزائر يرفض ظلما ** ومن عاث في الحكم وحشا مكابر معا سوف نحمي حراك الشباب ** فنوفمبر في الورى خير ناصر غدا تشرق الشمس رغم الضباب ** وتزهر أحلامنا في البيادر ويقطف أحفاد ابن المهيدي ** ثمار الأماني بصحو الضمائر ونبلغ أسمى المقاصد مجدا ** بعزم الحياة ونبل الأواصر وبعيدا عن “نشيد الحراك” للخضر رحموني، فقد أجمع عدد من النقاد والباحثين بأن التحوّلات التي تعرفها البلاد سوف تؤسس لإضافة جديدة في الشعر الجزائري، وفي هذا الجانب أكد الباحث وليد بوعديلة على ضوء متابعته للمشهد أن الشعر الجزائري كتب أحداث الثورة التحريرية وأرخ لها، وكذلك يفعل مع ثورته السلمية التي جاء بها الحراك الشعبي، وكما قدمت الجزائر قصائد خالدة لمفدي زكريا ومحمد العيد آل خليفة وعمر البرناوي ستقدم حسب قوله الكثير من النصوص الجميلة الخالدة في حراكها الشعبي. مضيفا في إحدى كتاباته أنه سيكون على أساتذة الأدب الجزائري في جامعاتنا إضافة درس جديد للبرنامج وهو درس الشعر الجزائري والحراك الشعبي، لأنه قد ظهرت حسب قوله الكثير من القصائد التي تواكب الحدث الشعبي وتنقل خصوصياته السياسية والاجتماعية والثقافية، كما تعبر عن دلالات متعددة حول موقف الشعب من السلطة المستبدة /الفاسدة. وقد أعطى عينات لعدد من القصائد الجديدة، مثل قصيدة “سلوا عن بلادي” لنصر الدين تواتيت، وقصيدة “نشيد الحراك” للشاعر الأخضر رحموني، وقصيدة “للكسر فلول التشظي” للشاعرة فضيلة زياية (الخنساء)، داعيا في الوقت نفسه كل شاعر أبدع نصا حول الحراك الشعبي لنشره، كي يستطيع الباحثون دراسته، والبحث في جماليات ودلالات حضور الحراك الشعبي في الشعر، مضيفا أن بعض القصائد يمكن أن تتحول لأناشيد وأغان خالدة تجسد هذه الثورة السلمية المجيدة، معترفا بصعوبة التسجيل الفني للحدث لحظة وقوعه، من خلال عودته إلى ظاهرة الأدب الجزائري الاستعجالي الذي واكب المأساة التي عاشها الوطن في العشرية السوداء، مجددا دعوته جميع المهتمين بالشأن الثقافي إلى ضرورة جمع الشعر الجزائري عن الحراك الشعبي السلمي، مثلما تم جمع الشعر حول الثورة التحريرية المجيدة، مؤكدا أن على الجامعة الجزائرية أن تفتح ملفاتها العلمية لدراسة كل الجوانب السوسيولوجية والثقافية حول الحراك السلمي المجيد.