خوان يترأس جلسة عمل مع نظيره من البرلاسان    خطط لتطوير وكالة الأنباء    دعم رئاسي لمشاريع الأسر المنتجة    دعوة للاستثمار الفوري    شايب وواضح يشاركان في لقاء حول المقاولاتية    غريب يدعو إلى رفع نسبة الإدماج    إبراهيم غالي يُثمّن مجهود الحركة التضامنية    هل يصل سعر البترول إلى 150 دولاراً؟    إيران الكيان الصهيوني.. المواجهة الكبرى    نادي سطاوالي بطلاً    ما تْغامْروش..    مشروع مرجع العنونة ركيزة في مسار التنمية    شرطة المسيلة توقف 18 شخصا    طوابع بريدية جديدة    لماذا تتضاعف أسباب الهم والغم هذه الأيام؟    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 55362 شهيدا    الرئيس تبون يترأس اجتماعا لمجلس الوزراء    منع مواقد الشواء في الغابات لقلة الوعي البيئي    دفع التعاون الجزائري - العماني في صناعة الأدوية    جاهزية تامة لإطلاق شركة النّقل الجوي الداخلي    استكمال المشاريع الهيكلية وتحسين القدرة الشرائية    صواريخ إيران تزرع الرعب.. وتل أبيب تتوجّع    استمرار الضربات المتبادلة بين إيران والكيان الصهيوني    دعم وحدات الجيش بكفاءات قتالية عالية    حملة وطنية لتلقيح الأطفال دون السادسة    تعادل مثير بين الأهلي وميامي    مشكلة حراس "الخضر" مستمرة وتضع بيتكوفيتش في ورطة    جهود مكثفة لحماية المناطق الرطبة    يوم دراسي حول المسؤولية الطبية    تعليمات لتسريع تسليم المشاريع السكنية الجديدة    إسلام منصوري يفتك القميص الأصفر    أدعو إلى التجديد والإبداع في الفن مثلما فعل العنقا    الجزائر عاصمة الثقافة الحسانية لسنة 2025    ذاكرة تُكرّم وأصوات تُخلد    دورة تكوينية في المقاولاتية للطلبة ذوي الهمم    إجراءات تنظيمية وتدابير أمنية محكمة    الوقاية من الأمراض المتنقلة أمر بالغ الأهمية    بكالوريا 2025: تنظيم محكم وظروف مريحة ميزت مجريات اليوم الأول    تسريع الإجراءات اللازمة لإطلاق شركة النقل الجوي الداخلي للمسافرين    صحة: سايحي يتحادث مع نظيره التونسي    ورقلة : مشروع المرجع الوطني للعنونة ركيزة في مسار التنمية    الاتحادية الجزائرية لكرة القدم تحدد شروط الصعود والنزول للموسم 2025-2026    دفعة جديدة من الهجمات الصاروخية الإيرانية على الكيان الصهيوني    دراجات /طواف الكاميرون-2025 : الجزائري إسلام منصوري يفوز بالقميص الأصفر للنسخة 21    الرئيس الصحراوي يثمن مجهود الحركة التضامنية مع حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير    كيف يقضي المريض الصلوات الكثيرة الفائتة؟    بشارات ربانية عظيمة    تخيل.. عام واحد بلا كهرباء ولا آلات!    الإنتاج الوطني المرتقب من القمح الصلب سيضمن الاكتفاء الذاتي لسنة 2026    "واللَّه يعصمك من الناس"    كرة القدم/الدورة الدولية الودية لأقل من 17 سنة: المنتخب التونسي يتعادل مع نظيره الموريتاني ب(0-0)    باتنة: عودة أول فوج من الحجاج عبر مطار الشهيد مصطفى بن بولعيد الدولي    تتويج الفائزين بجائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب "علي معاشي"    بعد تسجيل خروقات في استغلال المصنفات المحمية، الوصاية:    العرباوي يشرف على إحياء يوم الفنان    نشر القائمة المؤقتة للوكالات المرخّص لها تنظيم العمرة    مونديال الأندية ينطلق اليوم    صور من مسارعة الصحابة لطاعة المصطفى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إراداتُ الشّعوب لا تُقهر..
بقلمناصر حمدادوش
نشر في الشروق اليومي يوم 22 - 08 - 2019

تبقى دراسة التحوّلات الكبرى التي يمرّ بها العالم العربي، بعد شرارات الثورات الشعبية سنة 2011م، وصدمة الثروات الريعية سنة 2014م، ورصد مسارات الانتقال الديمقراطي، واستشراف مآلات هذه التوجّهات من أعظم واجبات الوقت. وبالرّغم من الصّورة السّوداوية القاتمة عن الرّبيع العربي إلا أنّ الظروف التي فجّرت كوَامِنَه قد بعثت موجتَه الثانية في كلٍّ من السّودان والجزائر، وهو ما يؤكّد أنّ رياح التغيير – عبر الإرادة الجمْعية للشّعوب – لا يمكن مصادمتها أو الالتفاف عنها، أو الانقلاب عليها، وأنّ عمر الربيع العربي طويل، وليس – كما يعتقد أعداء الحرّية والدّيمقراطية – مجردَ طفرةٍ آنيةٍ وعابرة، كفصلٍ من فصول السّنة، فهو حركةٌ تاريخيةٌ كبرى، تؤسِّس لمرحلةٍ جديدةٍ من تاريخ هذه الأمّة.
وأنّ الإدمان على الآحادية والإقصاء، والمظالم السّياسية والاقتصادية، والإصرار على تجاوز إرادات الشعوب، واستمرار الفساد والتزوير، واستنساخ الفشل في التنمية ما هو إلا إعادةٌ لإنتاجِ أسباب الغضب الجماهيري، لتكون وَقودًا لثوراتٍ متتالية، قد تكون أشدّ وأعنف من سابقاتها، للحتمية المنطقية بين المقدّمات والنتائج.. ومن الطبيعي أن تواجه أيَّ موجةٍ من التغيير مقاومةٌ له، ومهما تعرّضت إلى انتكاساتٍ أو تلوّنت سنواتُها بخيبات بسبب تصادم الإرادات وتداخل المصالح وتشابك العلاقات المؤثّرة في الفرصة التغييرية فإنّ حركة التغيير تبقى مستمرةً ومتواصلة، وهي لا تُقاس بعمر الأفراد، بل يكون الحكم عليها باستقراء حركتها في الزّمن، الذي يستوعب عمر الشّعوب والدّول والحضارات.
إذ لا نعرف في التاريخ ثورةً سريعةً وناجزةً حقّقت كلَّ أهدافها بقليلٍ من التضحية وكثيرٍ من السّذاجة، كما أنّ التاريخ لم يكلّمَنا يومًا أنّ الحقوق تُعطى ولا تؤخذ، بل إنّ خبرات التجارب الإنسانية تنطق بأنّ الثورات المضادّة هي أسوأ – حتمًا – من الثورة في حدِّ ذاتها، وأنها أقبح من الواقع البئيس الذي عاشته الشّعوب قبلها، وأنّ حقيقةً تاريخيةً لم تسجّل أنّ ثورةً مضادّةً نالت من ثورةٍ شعبيةٍ إلا نادرًا، وهو ما يفرض الإصرار على التمسّك بالثورة الشعبية، وبالمطالب الأساسية والسّياسية لها، وعدم الانخداع بغيرها، لأنّ الثورة المضادّة ليست هي مَن تكتب الفصل الأخير للتغيير.
ولذلك سيكون من السّابق لأوانه الاستعجال بمقولات فشل الحرَاك الشعبي، وأنه مهما كانت التطوّرات: سريعةً أم متباطئة، ومهما كانت متناغمةً مع أشواق الشعوب أو مجروحةً بأشواك الأنظمة فإنّ المؤكد أنّ ما بعد هذه الهبّة الشعبية لن يكون متصالحًا مع ما قبلها، لأنّ اللّمسة السّحرية لأشواق الحرّية، والذكرى الجميلة لمتعة الفعل الثوري المفعم بالفاعلية لن يسمح بتجاوز لحظة استفاقة الضمير، بغلبة الألم لآفاق الأمل، وأنّ حالة الاضطراب ومحاولات الرّدة السياسية هي إرهاصاتٌ لمراحل جديدة، وبداياتٌ لمسار تغييرات جذرية، وليست أماراتٌ لنهاياتها، لأنّ سُنّة التغيير المطّردة لا يمكنها أن تعلن الحرب على التاريخ، لأنه سلسلةٌ من الفعل الإنساني المستمر والمتواصل، وأنّ حالاتِ الإخفاق هي دروسٌ للاستفادة والعبرة وليست بكاءً ونعْيًّا على أطلال الواقع المرير، وأنّ الموضوعية العلمية لن تقبل بالحكم على الأحداث وكأنها لحظاتٌ زمنيةٌ جامدة.
فقد ارتسمت الحالة الواقعية التي طبعت تجارب الربيع العربي بنوعٍ من النمطية، إذ عاشت في السّنة الأولى نشوة سقوط رموز الأنظمة البائسة، ثم تلتها في السنة الثانية سكرة الانتخابات الموعودة، لتفرز مشهدًا مختلفًا بخارطةٍ سياسيةٍ جديدة، تصدّر فيها ما يسمّونه بالإسلام السّياسي كانتصاراتٍ ربيعيةٍ مؤقتة، ووُضع التيار العلماني والليبرالي في حجمه الشعبي الطبيعي، ليتموضع في المعارضة الإيديولوجيةٍ العدمية ولو بالتحالف مع الدّولة العميقة والثورة المضادّة، أو شريكًا سياسيًّا صغيرًا. وفي السّنة الثالثة وما بعدها تلبّست الثورات الشعبية بتحدّيات الحكم، واستحقاقاتِ تلبية المطالب الشعبية بسقفها الثوري المرتفع، وما صاحبها من موجةِ الرّدة السياسية المعرقِلة للمسار الديمقراطي، وما يفرضه قانون الطبيعة من الفعل وردّ الفعل، المنتِج للثورة المضادّة بوجهها القبيح، لتتبجّح بالانقلابات العسكرية، تحت ذريعة الأمن والاستقرار والمصلحة الوطنية العليا، مما عرّض الثورات الشعبية السّلمية إلى تهديداتٍ وُجودية، تلاشى معها مصير الديمقراطية من بين أيديها. ومهما استعجلت الثورة المضادّة – كانقلابٍ استباقيٍّ – تحقيق أهدافها قبل أن تسفر العملية السياسية عن سلطةٍ شرعيةٍ نابعة من الإرادة الشعبية الحقيقية، فهي كذلك تعاني من إكراهاتٍ لا تقِلّ خطورةً عن إكراهات الثورة الشعبية ذاتها، قد تصل أنْ تأكل أبناءَها قبل تصفية خصومها، كما حدث لمصير تلك الصورة المشهدية لأنصار الانقلاب العسكري في مصر.. وأنّه من الصّعب التسليم بنهاية الثورات الشعبية، لأنها ثوراتٌ بإراداتِ الشعوب، وليست بإراداتِ أنظمةٍ أو أحزابٍ سياسية، وأنّ التاريخ احتفظ بقاعدةٍ أزليةٍ وهي: أنّ إرادة الشّعوب لا تقهر..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.