وسيم القربي أستاذ جامعي بالمدرسة العليا للسمعي البصري والسينما بتونس، متحصل على الدكتوراه في تصميم الصورة ومخرج سينمائي شارك في لجان تحكيم عديد المهرجانات الدولية مثل مانهايم هايدلبرج ومهرجان فرايبورغ بسويسرا ومهرجان الفيلم العربي بوهران، كما ساهم في كتب جماعية منها "الذات والآخر في السينما المغاربية" و"الإيديولوجي والجمالي في السينما المغاربية" و"وظائف الصورة في المجال السينمائي المغاربي". يكشف في حوار ل"الشروق" رأيه عن السينما الجزائرية وآخر ترتيباته للفيلم السينمائي حول المرحوم حسني، دون أن يخفي أوجاع تونس وآلام ثورة الياسمين. صرحت سابقا بأنك تريد إنجاز فيلم عن المرحوم الشاب حسني؟ إلى أين وصل المشروع؟ نعم، صرّحت بذلك لأني متعلّق جدا بأغاني حسني وبوهرانوبالجزائر عامة، طبعا أنا على اتصال دائم مع الهواري أخ الشاب حسني الذي أعتبره من أقرب أصدقائي في الجزائر.. تحادثت معه مرارا، لكن المشروع بصدد التخمّر الذهني ولا يمكنني أن أجازف إلا عندما أشعر أنّ الصورة التي سأقدمها ستكون في مستوى حجم الفنان الراحل وفي مستوى ما آمله. من ناحية أخرى، لا أريد تكرار ما تمّ تصويره... سأنجز هذا الفيلم يوما ما، والمبدع هو من يخزن الأفكار ويمرّرها في الوقت المناسب.
قمت مؤخرا بتصوير فيلم بموريطانيا.. لماذا بالتحديد؟ صوّرت فيلما قصيرا بعنوان "أزهار تيويليت" سنة 2012 وقد كانت انطلاقة هذا الفيلم من وهران خلال مهرجان الفيلم العربي حيث التقيت عبد الرحمان أحمد سالم وسالم دندو من موريتانيا والسعودي عوض الهمزاني الذي صوّر الفيلم. من جهة أخرى صوّرت السنة الماضية فيلما آخر في موريتانيا وسيخرج قريبا في المهرجانات الدولية تحت عنوان "كيخوت" نسبة إلى دون كيشوت وهو يتناول ديكتاتورية الربيع العربي. أعتبر أنّ موريتانيا كانت تلك المغامرة الناجحة، وبالإضافة إلى الدعم المعنوي الذي تلقيته هناك من طرف الأصدقاء، فإنّ موريتانيا هي عبارة عن جغرافيا ساحرة جعلتني أعشق التصوير هناك ومرتاحا في بلد لا أشعر فيه بالغربة تماما مثل الجزائر والمغرب. الإشكال الوحيد هو غياب الدعم من هنا وهناك، لكن أرى أنني ساهمت بطريقة أو بأخرى بغرس بذرة سينمائية في موريتانيا، وأعتقد أن الفن السينمائي سيكون له شأن كبير هناك خاصة برعاية من عبد الرحمان وسالم ومع نشأة جيل جديد من الشباب السينمائي.
هل ترى بأنّ الإنتاج السينمائي الموريطاني ضعيف وبالتالي هو ما يدفعك للعمل وتصوير أفلام بهذا البلد؟ صحيح أنّ الإنتاج السينمائي في موريتانيا قليل، وأنا بأفلامي أمثّل موريتانياوتونس...لكن ضعف الإنتاج الموريتاني لا يخدمني بشيء، بل بالعكس فإنّ غياب المعدّات والتقنيين هناك يجعل مني أعتمد على تقنيين من خارج البلد. ما دفعني فعلا للتصوير هناك هو درايتي بالجغرافيا وإحساسي بالجمال، موريتانيا في مرحلة أولى هي مغامرة، وفي تصوير فيلمي الثاني هي عائلتي، وقد أصوّر هناك فيلمي الطويل الأول قريبا... الأسباب الفعلية للتصوير هناك هي جمالية المكان وبساطة الناس والتقدير والاحترام الذي يكنّه أصدقائي لي هناك.
كيف تنظر إلى واقع السينما في الجزائر؟ السينما الجزائرية هي مرجع في ما يسمّى بالسينما الثورية، وعديد المخرجين الجزائريين القدامى عمالقة وهم بمثابة المرجع. ما لاحظته هو بداية الحراك السينمائي ولا سيما من خلال تأسيس مهرجانات جديدة والنجاح في جعل مهرجان الفيلم العربي بوهران محطة مهمّة، كما تمّ تأسيس المهرجان المغربي بالجزائر العاصمة. لذلك أعتقد أنّ الجزائر يمكن أن تستقطب وأن تجعل من أرضها محطات سينمائية مهمّة لو توفرت الإرادة اللازمة، ومن ناحية أخرى أعتقد أنه لا بدّ من إنشاء مدارس سينمائية حتى تصقل المواهب الشابة.
هل هناك أفق تعاون مع مخرجين جزائريين؟ أنا على اتصال دائم مع الأصدقاء في الجزائر، ولا أخفي عليكم أنني وقّعت اتفاقا مع مخرج جزائري لتصوير فيلمي هناك في نواحي وهران، ونحن حاليا بصدد الاشتغال وبصدد البحث عن الدعم المالي اللازم. فيما يخصني أحاول في أفلامي أن يشارك فيها تقنيون مغاربيون من هنا وهناك. ليس لإضفاء صبغة مغاربية بل لأنني مؤمن بمغاربيتي.
هل تفكر في إنجاز فيلم قصير عن الوضع أو الأحداث التي عرفتها تونس سواء الحالية أو التي شهدتها ثورة الياسمين؟ فكّرت في الأحداث لكنني لم أفكر في إنجاز فيلم عنها...لماذا؟ لأنّ الأفلام التي تمّ إنجازها تحوّلت إلى تجارة أبهرت صورها الغرب. عديد الأفلام الروائية والوثائقية أنجزت بصفة انتهازية حتى تشارك في المهرجانات الأجنبية والحقوقية وغيرها. هذه الأفلام تم تصويرها في بعض الأحيان بسرعة قياسية وتارة بمجرّد الشارع يصبح لديك فيلم. مع الأسف أنا جامعي أحب السينما قبل كلّ شيء ولست تاجر ثقافة، أنجز أفلامي حاملا صفة المستقل الصادق. ما يهمني هو الفكر والإبداع، لذلك ستتابعون في فيلمي الجديد "كيخوت" تناولا للربيع العربي بأسلوب فكري يجعل المعنى يتحدث عن الأحداث دون التصريح بذلك، بل بالعودة إلى حكاية زمن غابر تحمل في باطنها أحداث الحاضر.