هل مؤسساتنا الدستورية أصابها زكام عطل مسارها الطبيعي..؟! ولماذا أغلب مؤسساتنا الدستورية لا تتنفس ديمقراطيا بصفة عادية طبيعية... ولكن تنفسها اصطناعي... وأحياناً تفتقد اللياقة أو الحيوية؟؟... * فهل هو لسبب بطولوجي؛ نفساني؟! أم لأسباب تلوث البيئة مما يعرقل انفتاحها الطبيعي ونموها المطرد... وبالأخص هذه الظاهرة مزمنة منذ الاستقلال إلى يومنا... هذا وقد تجاوزنا سن الرشد والمراهقة... فقد دخلنا العقد الرابع الذي عادة ما يوصف بكمال النمو والنضج والحكمة... قياساً بسن النبوة... أم ذلك »قياس مع فارق«؟! فنحن نتكلم عن شعوب وأمم وليس عن أفراد... وبالتالي القياس الزمني على الأفراد قد لا ينطبق على الدول؟! وما دفعني للتساؤل والاستفسار هو فضولي لمقارنة الجزائر ببعض الدول بنفس السن من الاستقلال، ولكن هذه الدول في المقابل عرفت الإقلاع الاقتصادي: دول الخليج مثلاً من خلال تنويع مصادر النمو الاقتصادي وعدم الاعتماد الكلي في إعداد الميزانية على البترول أو الإقلاع السياسي: بعض النمور الآسيوية وحتى الإفريقية التي أعطت دروساً في التداول السلمي للسلطة أو الإقلاع الحضاري: ماليزية مثلاً من خلال مزجها بين الأصالة والمعاصرة؛ وعدم تعقدها من الدين أو محاربته ... هذه الأسئلة وغيرها يجب أن تكون لنا الشجاعة لطرحها ونحن مقبلون على عيد الاستقلال والشباب من خلال تقييم موضوعي بعيداً عن الانفعالية أو الغلو أو التحيز... فالتحيز الوحيد المقبول في هذا المقام للجزائر أولا وأخيراً... فحسب رؤيتي المتواضعة وقد أكون مخطئا أو مجافيا للحقيقة للإقلاع السياسي والاقتصادي أو الثقافي... أو للتنفس العادي والطبيعي لمختلف المؤسسات الدستورية المكلفة بمختلف القطاعات المذكورة عليها أن تتجاوز مجموعة من »العقد« قد أذكر بعضها دون غيرها، نظراً للأهمية؛ وقد أطيل في بعضها دون غيرها، نظراً لأولويتها... * أول عقدة »بحسب الأهمية وهي تجاوز عقدة الشرعية التاريخية« وتحويلها إلى شرعية »ديمقراطية شعبية« أين السيادة تكون للشعب كاملة غير منقوصة؛ سيادة حقيقية وليست اصطناعية على شاكلة »ما أُريكم إلا ما أرى...«، ولكن على شاكلة أروني ما ترون من حقائق ملموسة على أرض الواقع بدون تخوين أو تخويف أو تهجين أو تضخيم، فهذه العقدة »التاريخية« لا أقول يجب إدخالها في المتحف، ولكن أقول لا يجب أن توظف ضد المشروعية الشعبية أو الاندفاع الايديولوجي للأفراد، فالأفراد أحرار في اختيار طبيعة نظامهم السياسي على أسس سلمية بما يضمن التداول السلمي على السلطة... وهذه سنة الحياة فدوام الحال من المحال. * والعقدة »التاريخية« هو الحاضر الغائب في مختلف الخطابات والسلوكيات المؤسساتية لمختلف مؤسساتنا الدستورية، فيجب أن نعتز بتاريخنا أكيد ومتفق عليه ولا أدنى شك فيه ولكن؟؟؟ بالضرورة أن لا يستعمل كأداه للتفرقة أو الإقصاء والتهميش... فهذا التوظيف السياسوي قد ينتج مفعولا عكسيا وردّة تاريخية على المدى الطويل للأجيال المستقبلية. * »العقدة الثانية« وهي عقدة انتقاص الشرعية والمناعة الشعبية للعديد من المؤسسات الدستورية، بدءاً من الأحزاب السياسية ووصولاً لبعض المؤسسات المفترض فيها أن تمثل أفراد الشعب على أساس توزيع جغرافي عادل ووعاء لمختلف التطلعات الجماهيرية تجسيداً فعلياً وعملياً لمبدإ تكافؤ الفرص في اعتلاء الوظائف العامة... للأسف الشديد، منذ الاستقلال إلى يومنا لم نستطع بناء حياة ديمقراطية سليمة... مؤسساتها تتنفس بصورة طبيعية دون اللجوء للعديد من المؤثرات الخارجية أو الذاتية، مما يجعل تنفسها اصطناعيا، وسرّ وجودها ظرفي مبني على الخطاب غير المنسجم وقد يمكن إرجاع سبب استمرار هذه العقدة إلى أسباب نفسية، وقلة الإرادة السياسية... وعدم وجود الشجاعة السياسة والأخلاقية... ولأسباب هيكلية كهشاشة القوانين (قانون الانتخابات، قانون تقسيم الدوائر) مما يجعل المؤسسة عرضه »للزكام« وذلك قد يبطئ كحد أدني إن لم يعط أي إفرازات لحياة ديمقراطية حقيقية؛ كما قد يكون لعوامل بيئية وثقافية دور هام، من ضمنها تهميش الكفاءات وارتفاع نسبة الأمية السياسية والجهل المطبق بطبقاتنا السياسية وانغماسها في متاع السلطة وابتعادها بالتالي عن الانشغالات الحقيقة لسر وجودها وسبب انتخابها، وذلك انحراف عن التفويض الموكل لها شعبياً وسياسياً... * أما العقدة الثالثة وهي عقدة »فقدان الهوية الدستورية« وهذا الداء المتفشي لأزيد من أربعين سنة مؤشر عن وجود اختلال بنيوي وخلل في »البوصلة الدستورية« حول طبيعة النظام الدستوري السياسي القائم. هل هو نظام برلماني على شاكلة بعض الأنظمة البرلمانية القائمة؟ أو هو نظام رئاسي كما هو الحال في الولاياتالمتحدة...؟ أم هو خليط وكوكتيل من كلا النظامين؟! * وعليه، فإنه في العديد من الأحيان يصنف نظامنا الدستوري مجازاً أنه نظام برلماسي فاقد لنقاط الانطلاق... ومعالم الوصول فهو شبيه بالصاروخ الذي لا يستطيع الرجوع إلى قواعد انطلاقه أو الوصول إلى الهدف المسطر له... فهو في الفلك تائه، غير مبالي، فحدث اختلال في برمجته فهو تيه دستوري، وعليه على سبيل المثال رئيس الحكومة في الجزائر بحكم الدستور هل هو مسئول أمام رئيس الجمهورية لكونه يطبق برنامجه، أم هو مسئول أمام البرلمان بحكم مسئوليته الوزارية والحصيلة السنوية المقدمة بالبرلمان لإقرارها...!! * فهذه العقد الثلاثية وغيرها تجعلني أعتقد بضرورة الإسراع للعمل »بدون هذه العقد« وإيجاد بعض الإجابات الصحيحة لها... فمنذ الاستقلال إلى يومنا قد أعطيت تفسيرات لها بقدر ما كانت إيجابيات واضحة وصريحة. * وهذه السنن الكونية ليست ابتكارا جديدا للعجلة أو اكتشافا لنظرية جديدة... بقدر ما هي سنن طبقت في العديد من الدول.. ولكن الفرق بيننا وبينها أن خياراتها الديمقراطية والمؤسساتية كانت واضحة منذ البداية مما خلق نوعا من الديناميكية الحركية للدفع نحو الأمام. * إلى جانب هذه »العقد« الأفقية، قد توجد عقد أخرى عمودية بين المؤسسات الدستورية ممزوجة بمعيار شخصي وليس موضوعيا، سواء في الملفات المعالجة بين مختلف القطاعات الوزارية، فالكل يدعي الصحيح له ويوزع الأخطاء على القطاعات الأخرى، والعقلية غير التضامنية أو الانفرادية قد تؤزم ميكانيزمات العمل العمودي وتعرقل تنظمه وتسهل سيولته وسيرورة نموه... كما أن هذا الصراع امتد للأسف الشديد حتى للمرجعيات الدينية والتشريعية السفلى منها أو العليا... فحتى القراءة التاريخية للأحداث قراءة مغلوطة؛ ففيها القراءة الرسمية والقراءة الشعبية... وقراءة الإثارة والقراءة الموضوعية... معذرة مسيّسة... * هذه بعض الأفكار قد تحتاج لمعالجة جدية وموضوعية لكي نخرج من عنق الزجاجة