رئيس الجمهورية يُكرم المتفوقين في شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط 2025    الرئيس تبون: الجزائر ماضية نحو تحقيق أمن غذائي مستدام    مجلس الأمة يشارك بسويسرا في المؤتمر العالمي السادس لرؤساء البرلمانات    العدوان الصهيوني على غزة: ارتفاع حصيلة وفيات المجاعة إلى 147 فلسطينيا من بينهم 88 طفلا    شان-2024 (المؤجلة إلى 2025) – تحضيرات : المنتخب المحلي يواجه موريتانيا وديا    كأس العالم للكرة الطائرة 2025: انهزام المنتخب الجزائري امام نظيره الصيني 3-0    حوادث مرور وحرائق وغرقى… حصيلة ثقيلة للحماية المدنية خلال 24 ساعة    العدوان الصهيوني على غزة: واحد من كل ثلاث فلسطينيين لم يأكل منذ أيام    ضبط أزيد من قنطار من الكيف المعالج بالبليدة وبشار مصدره المغرب    كاراتي دو/بطولة إفريقيا-2025: الجزائر تنهي المنافسة برصيد 12 ميدالية، منها ذهبيتان    مكافحة التقليد والقرصنة: توقيع اتفاقية بين المديرية العامة للأمن الوطني والديوان الوطني لحقوق المؤلف    الألعاب الإفريقية المدرسية-2025: تألق منتخبات مصر، تونس، السودان ومدغشقر في كرة الطاولة فردي (ذكور وإناث)    تواصل موجة الحر عبر عدة ولايات من جنوب البلاد    اقتصاد المعرفة: السيد واضح يبرز بشنغهاي جهود الجزائر في مجال الرقمنة وتطوير الذكاء الاصطناعي    اختتام المهرجان المحلي للموسيقى والأغنية الوهرانية : تكريم الفائزين الثلاث الأوائل    جثمان الفقيد يوارى بمقبرة القطار.. بللو: سيد علي فتار ترك ارثا إبداعيا غنيا في مجال السينما والتلفزيون    تمتد إلى غاية 30 جويلية.. تظاهرة بانوراما مسرح بومرداس .. منصة للموهوبين والمبدعين    السيد حيداوي يستقبل مديرة قسم المرأة والجندر والشباب بمفوضية الاتحاد الإفريقي    وفود إفريقية تعبر عن ارتياحها لظروف الإقامة والتنظيم الجيد    هذا موعد صبّ المنحة المدرسية الخاصّة    يوميات القهر العادي    غوارديولا.. من صناعة النجوم إلى المدربين    إقامة شراكة اقتصادية جزائرية سعودية متينة    تدابير جديدة لتسوية نهائية لملف العقار الفلاحي    رئيس الجمهورية يعزي نظيره الروسي    إشادة بالحوار الاستراتيجي القائم بين الجزائر والولايات المتحدة    الوكالة تشرع في الرد على طلبات المكتتبين    الاتحاد البرلماني العربي : قرار ضم الضفة والأغوار الفلسطينية انتهاك صارخ للقانون الدولي    رغم الاقتراح الأمريكي لوقف إطلاق النار.. استمرار القتال بين كمبوديا وتايلاند    وهران.. استقبال الفوج الثاني من أبناء الجالية الوطنية المقيمة بالخارج    خاصة بالموسم الدراسي المقبل..الشروع في صب المنحة المدرسية    نيجيريا : الجيش يصد هجوماً شنته «بوكو حرام» و«داعش»    إستشهاد 12 فلسطينيا في قصف على خانيونس ودير البلح    العملية "تضع أسسا للدفع بالمناولة في مجال إنتاج قطع الغيار    تحقيق صافي أرباح بقيمة مليار دج    الابتلاء.. رفعةٌ للدرجات وتبوُّؤ لمنازل الجنات    ثواب الاستغفار ومقدار مضاعفته    من أسماء الله الحسنى.. "الناصر، النصير"    عندما تجتمع السياحة بألوان الطبيعة    لا يوجد خاسر..الجميع فائزون ولنصنع معا تاريخا جديدا    بداري يهنئ الطالبة البطلة دحلب نريمان    المخزن يستخدم الهجرة للضّغط السياسي    تزويد 247 مدرسة ابتدائية بالألواح الرقمية    عنابة تفتتح العرس بروح الوحدة والانتماء    حملة لمكافحة الاستغلال غير القانوني لمواقف السيارات    هدفنا تكوين فريق تنافسي ومشروعنا واحد    إنجاز مشاريع تنموية هامة ببلديات بومرداس    "المادة" في إقامة لوكارنو السينمائية    ورشة الأصالة والنوعية تختتم الفعاليات    جثمان المخرج سيد علي فطار يوارى الثرى بالجزائر العاصمة    دعوة مفتوحة للمساهمة في مؤلّف جماعي حول يوسف مراحي    شبكة ولائية متخصصة في معالجة القدم السكري    منظمة الصحة العالمية تحذر من انتشار فيروس شيكونغونيا عالميا    وهران: افتتاح معرض الحرمين الدولي للحج والعمرة والسياحة    النمّام الصادق خائن والنمّام الكاذب أشد شرًا    إجراءات إلكترونية جديدة لمتابعة ملفات الاستيراد    استكمال الإطار التنظيمي لتطبيق جهاز الدولة    رموز الاستجابة السريعة ب58 ولاية لجمع الزكاة عبر "بريدي موب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عَبَرات عربي .. في مولد النبي
نشر في الشروق اليومي يوم 18 - 02 - 2011

في ذكرى مولدك الشريف، الذي عمت أنواره، أرجاء الأكوان، فذرفت دموع، وأشعلت شموع. وفي رحاب كنفك الطاهر، الذي عطرت نفحاته كل الأصقاع والربوع، فتوحدت بفضله الجماهير والجموع.
*
*
يا سيدي. يا رسول الله!
*
ها هي ذي عبرات، وزفرات، أرسلها في تبتل وخشوع، تحت وطأة ما تعانيه أمتنا في مشارق الأرض ومغاربها، من هول الظلم، وشدة الجوع.
*
فيا سيدي يا رسول الله!
*
إن أمتك التي أعزها الله بالإسلام، فكانت خير أمة أخرجت للناس، صارت تذل وتداس من الحكّام ومن الحرّاس، فكبتت في الأحرار الأنفاس، وملئت بالشرفاء الأحباس، وساد فينا الأرذال والأنجاس، فاختلطت علينا "الأخماس بالأسداس".
*
قم يا سيدي تر كيف يساس الناس بالبطش والعسف، طبقا للدستور. وكيف تساق الجماهير، كالحمير، بالعصيّ والسلاح من عبد مأمور. لقد سرقت أموالنا باسم الاستثمار، ونهبت ثرواتنا باسم الادخار، وديست هويتنا بسبب التبعية للاستعمار، فكان الاحتقان، وكان الانفجار.
*
ومن آيات الله، أن الإسلام، الذي ناصبه بعض الحكام العداء، كان هو وميض النار الذي أشعل الشرارة، وأعطى الإشارة، وشن الغارة، فأسقط نظام الأمير والإمارة، باستحقاق وعن جدارة.
*
"ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين". فقط سقط الحكام وبقي الإسلام، وانهزم الأمير، وانتصرت الجماهير وجاء الحق، وزهق الباطل.. وإن في ذلك لعبرة.
*
فما هي العبر والدروس التي يمكن أن نستخلصها من ملحمة الحاكم والجمهور، فنضيء بها -في المستقبل- دروبنا، ونحرر -في ضوئها- ذاتنا وشعوبنا؟
*
إن مما يجب، علينا، وعيه، ونحن نجدد الذكرى مع مولد البعثة المحمدية، أن نغوص في تأملات داخل الذات العربية الإسلامية بآمالها، وآلامها، فنشخص داءها، ونصف دواءها. وإن في المخاض الذي تعيشه، أمتنا المحمدية، والزلازل التي حركت ولا تزال سواكنها، محطات، وعلامات، ترتسم أمام العقل العربي المسلم، فتحاصره بأسئلة شتى، وتسلمه إلى مجموعة من الدلالات لعل أهمها:
*
1- إن الشباب في الأمة، هو صانع غدها، والقوة البانية لمستقبلها، والضامنة لنصرتها، غير أن هذا الشباب سلاح ذو حدين.
*
فهو القدوة في السلوك، إن نحن تعهدناه بالتربية والتعليم، ونشأناه على المنهج القويم، والخط المستقيم، فيكون أداة إصلاح وتغيير، وضامن تشييد وتحرير، وذلك ما ضربه مثلا، الشباب التونسي والشباب المصري، عندما قدما للعالم صورة مثلى، عن كيفية إدارة الأزمات في أمن، وأمان، وإيمان.
*
ولكن الشباب قد يأتي، على عكس الفطرة السليمة، إن لم يجد الرعاية النفسية، والمادية والخلقية، وإن هو حُرم الحب والحنان، والعناية بغذاء الأبدان، وثقافة العقل والجنان، فيشب حاملا لمعول الهدم والتخريب، ناقما على البعيد والقريب، آتيا من الطباع كل ما هو شاذ وغريب.
*
التقينا بهذا النموذج السيّئ من الشباب عندنا في الملاعب، حيث يعتدي على الملعب واللاعب، ونلتقي به في المسيرات السلمية، حين يكون شرّ بليّة على الراعي والرعية، حصاده خراب، ونعيقه غراب، ومنطقه شتائم وسِباب، فأحدث في نفسه وفي وطنه العجب والعجاب.
*
2- ومن الدروس المستفادة، أن قد انتهى عهد الإقطاعية والاحتكار، في السياسة وفي الاقتصاد، وفي الإعمار، وأفل عصر الاستبداد، والتسلط، والتحكم في رقاب العباد، وخيرات البلاد.
*
إن الدروس النموذجية في السلوك، التي قدمتها تونس ومصر، والتي أفضت إلى التغيير، لحريّ بها أن توقظ الهمم، وتحيي الذمم، وتجدد فلسفة الحكم في رعاية الأمم... إن نسائم التغيير التي تهب على شواطئ بلداننا، لن تلتزم -في هبوبها- بحدود، وهي قادرة على تحطيم كل القيود، إن لم نحصن بلداننا بالعدل، فنقيم على أساسها السدود التي تحمي الحكام من مصائب اليوم الموعود، وشاهد ومشهود.
*
3- إن روعة المشهد الوطني، الذي رسمه لنا ميدان التحرير في مصر، بمختلف فئاته، وطبقاته، كان مشهدا، ساده التسامح، والتصافح، فتعانق فيه الهلال والصليب، والبعيد والقريب، والمريض والطبيب، وما ذلك إلا لأن الفهم الصحيح للدين، أي دين، قد سما بصاحبه، عن كل تطرف، وغلو، وإقصاء، وساد بدل ذلك، التضامن، والتكامل، والإخاء.
*
وما أروعه المشهد التونسي، هو الآخر، الذي جمع، على صعيد واحد، المتدين والعلماني، والإخواني، والسلفي والعقلاني، فتوحدوا جميعا على حب الله، وحب الوطن، فذابت الخلافات، وانمحت النزاعات، وحل بدل ذلك النبيل من العلاقات، والمقدس من الشعارات، وذلك ما تعلمناه من معلم الإنسانية الأول محمد صلى الله عليه وسلم.
*
4- إن الصورة التي التقطها العالم عن شعبينا في تونس ومصر، قد غيرت النظرة القديمة، وأحدثت صدمة أليمة، ذلك أن الشعب العربي عموما، والشباب منه على الخصوص، قد أصبح تواقا إلى الديمقراطية الصحيحة، بعد أن كان جيل التحرير، تواقا إلى الحرية.
*
والأروع من ذلك، الربط بين لقاء الملايين في الساحة، ولم ينتج عن ذلك، أي تكسير أو تخريب أو جراحة. لقد فرض شبابنا، تقدير الجميع في العالم، حتى الذين يكرهونه، فاحترموا إرادته، وقد سووا عبادته، وساندوا سيادته.
*
فليت الحكام العرب، يفقهون الدرس، فيتعهدوا بالرعاية والاحترام، النبت والغرس، ويعوضوا الغلظة والشدة باللين والأنس. يجب أن نغير كل شيء في واقعنا، من الاعتراف بحقوق المواطن، إلى إثبات وجود المعارض الآخر، أيا كان لونه، ومهما كان معتقده. فإن لم يفعلوا، فسيدوسهم قطار التغيير، وتقتلعهم عواصف التحرير، فيكون مآلهم سوء المصير.
*
فيا سيدي! يا رسول الله!
*
هذه دموع أمة مقروحة، تذرفها على ضريح مولدك الطاهر. وهذه زفرات جموع مجروحة تصعدها، في ذكرى مولدك الظافر، وهي -ترجو- أن تكون أعمالا ناطقة، نتقرب بها إلى الله، كي يفرج كروبنا، ويفتح قلوبنا، ويملأ -بالحلال- جيوبنا، وينصر -بالحق- شعوبنا.
*

*
(*) أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر 2 بوزريعة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.