المصادقة على النصين القانونيين المتضمنين إحداث أوسمة عسكرية : تكريم للعطاء والولاء والتفاني في خدمة الوطن    الجزائر والنرويج تبحثان تعزيز الشراكة في قطاع المحروقات والاستثمار في الطاقة النظيفة    انطلاق فعاليات "بانوراما الفيلم الصحراوي" بالجزائر العاصمة تحت شعار "سينما من أجل الحرية"    نجاح الحملة الوطنية لغرس الأشجار وتعزيز مشاريع التشجير في الجزائر    انطلاق الطبعة التاسعة للمهرجان الثقافي المحلي للموسيقى والأغنية التارقية بولاية إيليزي    الجزائر توقع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجرائم السيبرانية وتؤكد التزامها بالتعاون الدولي    مقاصد سورة البقرة..سنام القرآن وذروته    فضل حفظ أسماء الله الحسنى    ما أهمية الدعاء؟    الجزائر بادرت بإصلاحات في السنوات الأخيرة    الوالي يعرض حصيلة الإنجازات التنموية ويكرم صحافيي المنطقة    هيستيريا صهيونية في موسم قطف الزيتون الفلسطيني    تأهيل الشوارع وتعبيد الطرق واستعادة الحياة    ضرورة تعزيز الحوار حول الاستخدام الجيّد للفضاء الرقمي    الجزائر تظل وفية لدورها في خدمة الإسلام الوسطي المعتدل"    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني    تنويه بالعلاقات التاريخية القوية التي تجمع الجزائر بالسودان    والي تيزي وزو يأمر بإحصاء وتطهير العمليات المسجلة في مختلف القطاعات    بزنسة معلنة للانقضاض على جيوب المسافرين    حملة تشجير واسعة بالبليدة    إصابة شخصان خلال انحراف وانقلاب سيارة    الجزائر مُحصّنة بوحدة شعبها وصلابة مؤسّساتها    سوناطراك انجزت 142 بئر مقابل 121 بئر بنهاية أوت 2024    ابن الجزائر دردابو .. أفضل مبتكر عربي    مشاريع لتطوير النظام المعلوماتي لقطاع الفلاحة    معيار الصلاة المقبولة    استقطاب الشباب والمرأة والكفاءات في الخارج لخدمة الأمة    استذكار لنضال وكفاح الراحل "سي حسان"    الجزائر ملتزمة بدعم السودانيين بكل الطرق المتاحة    لحظة فخر لإفريقيا    متابعة مدخلات الإنتاج الفلاحي    قمة إفريقيا للابتكار والاستثمار في العقار في 18 نوفمبر    مهرجان الجونة السينمائي : الفيلم التونسي"وين ياخذنا الريح" يفوز بجائزة أفضل فيلم عربي روائي    الموسيقى : "أوندا "تشارك في أشغال الجمعية العامة    تنصيب لجنتين لإثراء قانون ممارسة الحق النقابي    مشروع استراتيجي ومفخرة لسكان الجنوب    إصلاح مجلس الأمن الدولي ورفع الظلم عن إفريقيا    الصحراء الغربية قضية تصفية استعمار لا غبار عليها    إعادة اعتبار لقامة فنية غابت عن الذاكرة لعقود    تكريمات وعروض وفرص للتكوين السينمائي    ماسينيسا تيبلالي ضمن لجنة التحكيم    توزيع سكنات"الصوصيال"    مدرب "باريس أف سي" ينتقد إيلان قبال    رامز زروقي يتحدى "أجاكس"    حجز 2068 مشروب كحولي    الرئيس تبّون يُهنّئ كيليا نمور    ناديان جزائريان في قائمة الأفضل    تحسين الصحة الجوارية من أولويات القطاع    تصفيات الطبعة ال21 لجائزة الجزائر لحفظ القرآن الكريم    الكاف يكشف: "الخضر" مرشحون لجائزة أفضل منتخب في إفريقيا    بطولة العالم للجمباز الفني:الجزائرية كيليا نمور تنافس على ثلاث ميداليات في مونديال جاكرتا    كأس إفريقيا للسيدات 2026 / الدور التصفوي والأخير ذهاب : سيدات الخضر يطمحن لتحقيق نتيجة إيجابية أمام الكاميرون    البوهالي: الجزائر منارة علم    لا داعي للهلع.. والوعي الصحي هو الحل    اهتمام روسي بالشراكة مع الجزائر في الصناعة الصيدلانية    انطلاق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الإنفلونزا    التلقيح المبكر يمنح مناعة أقوى ضدّ الأنفلونزا    حبل النجاة من الخسران ووصايا الحق والصبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النهضة تختار سياسة العصا لاحتواء المد السلفي

أخيرا حسمت حكومة النهضة في تونس أمرها وقررت أن تمنع جماعة أنصار الشريعة السلفية من عقد مؤتمرها في مدينة القيروان، وبصرف النظر عن المخاطر الأمنية التي باتت تحيق باستقرار البلاد فإن صعود التيار السلفي يمثل تهديدا حقيقيا للتجربة الديمقراطية الوليدة .
لم يتردد رئيس الحكومة التونسية علي العريض في القول إن "تنظيم أنصار الشريعة على صلة بالإرهاب وغير قانوني"، وعلى الأرض ظهرت صرامة الحكومة واضحة من خلال غلق المنافذ المؤدية إلى مدينة القيروان أين كان ينوي التنظيم عقد مؤتمره، وقد وقعت بعض المشادات وتم استعمال الغاز المسيل للدموع لتفريق عناصر التنظيم الذي لم يذعن لقرار الحكومة وقرر نقل مكان المؤتمر إلى أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة تونس.
قبل هذا كان زعيم حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي قد اتخذ موقفا حازما من السلفيين، وأشار إلى أنه لا مكان لدعاة العنف والإرهاب، وتمثل هذه المواقف تحولا في سياسة حكومة النهضة التي كانت قد استفادت من دعم السلفيين في الانتخابات التي أتت بها إلى الحكم بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي، وقد تبين خلال الفترة التي تلت الانتخابات أن التعايش مع السلفيين ليس بالسهولة التي تصورتها حركة النهضة في البداية، فقد ظهر السلفيون مصرون على فرض أفكارهم بكل الوسائل بما فيها العنف من خلال محاولات غلق محلات بيع الخمور والملاهي بالقوة، إلى الدعوة الصريحة إلى الجهاد، مرورا بالتهجم على وسائل إعلام ومنع تظاهرات ثقافية والاشتباك مع قوات الأمن، ووصل الأمر إلى حد إعلان تنظيم أنصار الشريعة عدم اعترافه بالقانون، ورفض تقديم طلب اعتماد قانوني مثل أي تنظيم سياسي آخر، وهو ما يعني أن حركة النهضة أصبحت مخيرة بين فرض احترام القانون وهيبة الدولة أو غض الطرف عن ممارسات السلفيين التي تدفع البلاد نحو الفوضى وتثير انقسامات عميقة في المجتمع التونسي.
الموقف الصارم للحكومة من السلفيين يمثل نهاية لأسلوب التعامل المرن الذي فرضته المرحلة انتقالية، والتصدي بحزم في هذه الفترة للتيار السلفي الذي يميل إلى استعمال العنف، سيكون بمثابة تعزيز لقوة القانون وسلطة الدولة التي يجب أن تكون الفيصل لتجنب تكرار ما حدث في دول أخرى، وإذا كانت حركة النهضة قد التزمت أكثر من مرة باحترام الحريات الفردية وبالاحتكام إلى القانون، فإنها بدأت الآن تجسد هذه الالتزامات على الأرض، وبهذا تكون قد تجاوزت حساباتها الانتخابية التي أملت عليها في السابق غض الطرف عن ممارسات السلفيين باعتبار أن هذا التيار قد يشكل حلفيا سياسيا محتملا في المراحل اللاحقة.
الخلافات الإيديولوجية بين النهضة والسلفيين بدت كبيرة، فعلى مدى سنوات من الممارسة السياسية قامت حركة النهضة التونسية بمراجعات فكرية عميقة، وخلال العقدين الأخيرين توجهت إلى تقديم خطاب سياسي يعتبر الأكثر اعتدالا مقارنة بكل الحركات الإسلامية الأخرى، غير أن الممارسة السياسية كانت المحك الحقيقي لهذه التحولات الفكرية، وقد جاء سقوط نظام بن علي قبل نحو عامين ليضع النهضة في مواجهة الواقع السياسي والاقتصادي المعقد الذي أفرزه سقوط النظام، وكانت الأولوية هي طمأنة الداخل والخارج على أن الحركة لا تريد بناء دولة دينية وأنها لن تنفرد بالحكم حتى وإن فازت بأغلبية مريحة في الانتخابات، وجاء التحالف مع أحزاب علمانية بعد الانتخابات كإشارات إيجابية من جانب النهضة، غير أن تعقيدات ممارسة السلطة تجاوزت توقعات الحركة الإسلامية المعتدلة.
في مقابل هذا يطرح السلفيون قراءة متصلبة لأحكام الشريعة تنطلق من إسقاطات تاريخية يصعب الأخذ في الظروف الحالية لبلد مثل تونس، وهم يرون أن تقاسم النهضة للسلطة مع العلمانيين والتأكيد على الحريات الفردية، والتمسك بالقوانين السابقة فيما يخص الأحوال الشخصية هو دليل انحراف عن مبادئ الشريعة الإسلامية تجب مقاومته بكل الوسائل.
بعد سنة من تولي النهضة الحكم في تونس اعترف زعيم الحركة راشد الغنوشي أن ممارسة السلطة تمثل عامل تهرئة للحركات الإسلامية، ومثلت هذه الخلاصة إشارة إلى تعقيدات الواقع الذي تتنازعه مطالب اجتماعية وإيديولوجيات متناقضة، فنظام التعليم الذي فرضه الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة أنتج نخبا تونسية مشبعة بأفكار حداثية وليبرالية، غير أن تونس لم تبق بعيدة عن صعود التيارات السلفية في البلاد العربية، والمواجهة هناك تبدو شديدة باعتبار أن قطاعات واسعة من المجتمع التونسي تبدي تمسكها بالمكاسب التي تحققت على صعيد الحريات الفردية خلال السنوات الماضية، كما أن ارتفاع نسبة المتعلمين في المجتمع فتح الباب أمام انفتاح فكري لا ينسجم مع التشدد الذي يطبع الفكر السلفي، فضلا عن أن اعتماد الاقتصاد التونسي على السياحة يفرض درجة من الانفتاح لا تتقبلها التيارات السلفية بسهولة.
السعي إلى الحصول على الدعم الخارجي لإنعاش الاقتصاد التونسي يكون قد شجع النهضة على الوقوف في وجه المد السلفي، وإلى حد الآن لم يفعل الأوربيون، وهم شركاء تقليديون لتونس، الشيء الكثير من أجل دعم الديمقراطية الوليدة، وتمثل المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها البلاد بسبب تراجع الاستثمارات، والاضطراب الأمني الذي لا يساعد على جلب رؤوس الأموال الأجنبية، فضلا عن كونه يضر بالسياحة التي تمثل أحد أهم مصادر تونس من العملة الصعبة، وهذه الوضعية الاقتصادية الحرجة تزيد في حجم المطالب الاجتماعية وتدفع باتجاه مزيد من الاحتقان الذي يخدم التيارات المتشددة ويزيد من شعبيتها، ولعل إصرار النهضة على تقديم مزيد من الضمانات للغرب بخصوص خياراتها السياسية والاجتماعية يعكس هذا الحرص على كسب ثقة الخارج من أجل تلقي المساعدة الضرورية لتحقيق الوثبة الاقتصادية التي ستكون عاملا حاسما في تحديد سلوك الناخبين التونسيين في الاستحقاقات القادمة.
بقي العامل الأمني، فقد أثبتت أحداث جبل الشعانبي بولاية القصرين على الحدود مع الجزائر أن تونس أصبحت الآن في مواجهة صعود السلفية الجهادية، وقد اختارت الحكومة أن تقوم بعمل عسكري من أجل تفكيك خلايا إرهابية مرتبطة بتنظيم قاعدة المغرب الإسلامي، غير أن ربط رئيس الحكومة تنظيم أنصار الشريعة بالإرهاب والقاعدة يعني أن هناك إصرارا على تفكيك الواجهة السياسية للتيار السلفي واحتوائه باعتباره مصدرا لكثير من المتاعب الأمنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.