الصحراويون يتمسكون بالمقاومة لاستعادة أرضهم    خطوة الجنائية الدولية ضربة ساحقة للاحتلال الصهيوني    تحذيرات بمجلس الأمن من الإبادة ودعوات لوقف العدوان    زيارة المتاحف تعزّز الذّاكرة الوطنية    رئيس الوزراء الفلسطيني يدين تصاعد هجمات الاحتلال الصهيوني ومستوطنيه في غزة والضفة الغربية    محرز فتح الباب وبونجاح وبن ناصر في الطريق: الدوري السعودي يستقطب نجوم "الخضر"    اختتام لقاء رئيس الجمهورية مع رؤساء الأحزاب السياسية الممثلة في المجالس المنتخبة    الرئيس يُعوّل على الكفاءات الشبّانية    الجزائر بوابة فلسطين    من تنظيم مجلس قضاء جيجل بالتنسيق مع مديرية التربية : يوم دراسي حول مكافحة الجرائم المرتكبة خلال الامتحانات الرسمية    استقبال أبطال قسنطينة المتوجين خلال بطولة البحر الأبيض المتوسط    دربال يتحادث ببالي مع نظيره العراقي    الدورة ال 77 من مهرجان كان : الإعلان عن الفائزين بجوائز النقاد للأفلام العربية    تقطير الزهور.. حرفة تقليدية تواكب احتياجات الأسر والمصنّعين    استخدام الأوزون في القضاء على الفيروسات وإنتاج الزيتون    الجزائر-جمهورية الكونغو: التوقيع على مذكرة تفاهم في مجال المحروقات    معهد برج الكيفان: الأيام المسرحية الثالثة لطلبة أقسام الفنون بثوب عربي بدءاً من الثالث جوان    ملتقى وطني ينعقد أكتوبر المقبل.. الاستثمار الثقافي في الجزائر بديل إستراتيجي لصناعة اقتصاد مستدام    طواف الجزائر- 2024: الجزائري نسيم سعيدي يتوج بالقميص الأصفر    ألعاب القوى لذوي الهمم: ميدالية برونزية لكل من عبد اللطيف بقة و نجاة بوشرف    حول قطاع الثقافة والفنون: دورة تكوينية لفائدة رؤساء المجالس الشعبية البلدية بقسنطينة    ميلة : توقيف 28 شخص وحجز ممنوعات فيفرجيوة، التلاغمة وبوحاتم    دوفيلبان: اعتذار فرنسا للجزائر ضروري    تطوّر ملحوظ في قطاع السّكك الحديدية    إجراءات وقائية إثر الاضطرابات الجوية    أفقد في القائد إبراهيم رئيسي أخاً وشريكاً    تسليط الضوء على دور الجزائر في إفريقيا    إيران تحت الصدمة    أبو تريكة.. نجم تاريخي ساطع في سماء الكرة    استلام منشآت تنموية وتنظيم نشاطات للحفاظ على الذاكرة بشرق البلاد    رعاية اليتامى وكفالتهم.. الكنز الكبير    حجّاج الجزائر يبدؤون الرحلة المقدّسة    فلسطين/اليوم العالمي للتنوع البيولوجي: حرب صهيونية على البيئة الطبيعية في غزة    حوادث الطرقات: وفاة 38 شخصا وإصابة 1623 آخرين خلال أسبوع    وصول أول فوج من الحجاج الجزائريين إلى البقاع المقدسة    مدينة سيدي عبد الله تحت رحمة التجارة الفوضوية    ضمان وفرة المنتجات في عيد الأضحى وموسم الاصطياف    الرقمنة في صميم التغيير وليست رفاهية    18 شهرا للشروع في تسويق منتجات "فينكس بيوتيك"    شراكة بين "كناص" و"سان دوناتو" الايطالي للتكفل بالحالات المستعصية    صقور الجزائر.. إبهار واحترافية    التشخيص المبكر أنجع وقاية من الأمراض النادرة    الاستثمار في التكوين لتطوير أداء ممارسي الصحة    دعوة إلى حماية التراث الفلسطيني    باتنة بحاجة إلى متحف وطني للآثار    اقتراح التسجيل في قائمة الجرد الإضافيّ    براهيمي يتنافس على جائزة أفضل لاعب في قطر    إشادة بجهود الجزائر من أجل نصرة القضية الفلسطينية    "الحمرواة" في معركة تعزيز آمال البقاء    صراع بين بن زية وإدارة كاراباخ    تأكيد على أهمية العلاج الوقائي من الحساسية الموسمية    ترقية التعاون بين "سوناطراك" و"زاروبيج نفط" الروسية    بلورة حلول سياسية للأزمات التي تهدّد استقرار المنطقة    الوقوف على جاهزية الجوية الجزائرية لنقل الحجاج    نفحات سورة البقرة    الحكمة من مشروعية الحج    آثار الشفاعة في الآخرة    نظرة شمولية لمعنى الرزق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعدّد الأقنعة في مجتمعاتنا: ضرورة اجتماعية أم ترف؟
محمد بن عبد العزيز الدغيشم

عرف العالم الأقنعة منذ القدم كوسيلة للتخفي أو التنكر أو لإخفاء بعض التشوهات الظاهرة على ملامح الوجه، أو كوسيلة للستر والخفار كما هي الحال بالنسبة للحجاب أو النقاب الذي تستر به المرأة وجهها عن الغرباء في المجتمعات المحافظة، وموضوعنا في هذه المقالة ليس عن هذا النوع من الأقنعة المادية المحسوسة التي توضع على الوجه من أجل أحد الأسباب آنفة الذكر، وإنما هو يتناول نوع آخر من الأقنعة التي يتقنع بها الناس ولكنها لا ترى بالعين المجردة ولا تحجب عنا معالم وقسمات الوجه، فالأقنعة التي نتحدث عنها في هذه المقالة هي تلك الأقنعة غير المرئية والتي يتقنع بها بعض الأشخاص لإخفاء حقيقة شخصياتهم واتجاهاتهم وميولهم أو معتقداتهم وغير ذلك من الأمور التي لا يرغبون أن يطلع عليها الآخرون، كما قد يلجأ البعض إلى وضع أقنعة معنوية براقة لجذب انتباه الآخرين والتزين أمامهم والظهور بما يخالف الشخصية الحقيقية لهم.
في بعض المجتمعات يلجأ بعض الأفراد إلى التقنع بعدد من الأقنعة، قد تصل من حيث العدد إلى سبعة أقنعة، وذلك حسب الموضوع المرغوب إخفاءه وطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه الفرد، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام هو:
ما العوامل الرئيسة التي تدفع المرء إلى وضع هذه الأقنعة المعنوية وما الذي يحدد عدد الأقنعة التي يتقنع بها؟
وللإجابة عن هذا السؤال يمكننا القول بأن طبيعة المجتمعات ومستوى الصرامة والشدة فيها وحدة درجة الوصاية التي تفرضها على أفرادها ومستوى الحرية الذي تتيحه لهم مما يمكنهم من الاختلاف وتبني آراء وتوجهات وأفكار مغايرة لتلك التي تتبناها مجتمعاتهم تعتبر من أهم العوامل التي تحدد عدد الأقنعة التي يخفي خلفها أعضاء المجتمعات حقيقة شخصياتهم وتوجهاتهم وميولهم.
فكلما كان المجتمع متشدداً وصارماً من حيث ما يفرضه على أفراده من ضوابط وأنظمة وتقاليد وموروثات مصدرها العرف والتقليد، زادت حاجة الأفراد للتقنع بأقنعة عديدة ومختلفة السماكة من أجل التكيف مع ضوابط المجتمع ووصايته، ونحن هنا لا نتكلم عن تلك الضوابط الشرعية التي أوصى بها الدين الحنيف لتنظيم المجتمع وتحقيق الخيرية لأمة الإسلام، وإنما نتحدث عن تلك الأعراف والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان، وإنما هي حصيلة للتقاليد والأعراف المتوارثة والتي لا تستند إلى أصول أو قواعد شرعية أو منطقية، وإنما تستند إلى مبدأ: "إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون"، فالمجتمعات الصارمة التي تقيّد من مجال الحرية المتاح لأفرادها ولا تسمح لأي منهم أن يشذ في رأيه أو فكره أو مظهره أو توجهه أو ميوله، تدفع بأعضائها قسراً لارتداء عدد من الأقنعة المعنوية التي تمكّنهم من العيش في مجتمعهم بسلام وتجعلهم يحظون بقبول ومباركة المجتمع، وفي المقابل توجد هنالك مجتمعات يقل فيها مستوى الوصاية المفروض على الأفراد وتتسم بالمرونة وتتيح مجالاً واسعاً من الحرية، يسمح لأعضائها بأن يتبنوا آراء وأفكارا تختلف عن تلك التي تسود في مجتمعهم، ففي هذا النوع من المجتمعات يسود التسامح والرفق نتيجة لانعدام أو قلة العقوبات المسنونة والموجهة لردع كل من يجرؤ على الخروج على ما تعارف عليه المجتمع، ففي هذا النوع من المجتمعات يجد الأعضاء مستوى مقبولا من الحرية يتيح لهم التعبير عن تميزهم ويمكنهم من إبداء وجهات نظرهم التي قد تكون مخالفة لما أجمع عليه المجتمع، ومن ثم يقلّ الدافع نحو التقنع والتخفي وبالتالي تنعدم أو تقل حاجة الأفراد إلى ارتداء أقنعة متعددة تخفي حقيقة ما يحملونه من آراء وميول وتوجهات.
وخلاصة القول إن المجتمعات من خلال ما تسنه من قوانين وما تمارسه من أساليب وضوابط تحدد مجال الحرية المتاح لأعضائها في الاختلاف والتميز تعتبر من أهم العوامل التي تدفع أعضاء المجتمعات إلى تبني الشفافية والصراحة والصدق في التعامل مع أنفسهم ومع مجتمعاتهم الخاصة والعامة وبذلك تنعدم الحاجة إلى لبس الأقنعة في هذه المجتمعات، والعكس صحيح، فكلما زاد مستوى تزمّت المجتمع والإفراط في فرض الوصاية على أعضائه وعدم السماح لهم بالتميز أو الاختلاف، ساهم ذلك في تفشي ظاهرة الرياء والنفاق في المجتمع وازداد الدافع إلى التقنع، ولكي نتمكن من بناء مجتمع صحي سليم ينتهج أفراده الصدق والصراحة والشفافية في تعاملاتهم الخاصة والعامة، لابد لنا من انتهاج سياسة تسمح بالتمايز والاختلاف ونطبق منهجاً حضارياً يزيد من مجال الحرية المتاح للأفراد، وبذلك نخلق مجتمعاً مبدعاً يستطيع الابتكار والتفكير بشكل مختلف ومتميز ويتمكن أفراده من التغريد خارج السرب متى ما كان ذلك ممكناً ومجدياً وفعالا، فالمجتمعات المتسامحة التي تنتهج أسلوب الرفق في تعاملها مع أفرادها وتسمح بالاختلاف وتمارس معهم منهج الحوار الفعّال وتقبل الرأي الآخر، تتمكن -بإذن الله- من القضاء على مسببات الخلاف والشقاق والعنصرية والتحزب داخل المجتمع وتنمي ثقافة التسامح والولاء الكامل للدين والمحبة للوطن وولاة أمره وتخلق لدى أفراد المجتمع الشعور بالوطنية والحسّ بالانتماء، مما يدفعهم لبذل كل غالٍ ونفيس للذود عن حياضه من كل معتدٍ.
فواجبنا نحو مجتمعنا يحتم علينا تهيئة البيئة الصحية التي تساهم في جمع أفراد المجتمع وتنمية الشعور بالانتماء نحو الدين والمحبة للوطن وذلك من خلال انتهاج منهج وسط يسمح بالتعدد والاختلاف الصحي والتباين في وجهات النظر ويشجع كل فرد على الإبداع والابتكار واستثمار ما وهبه الله إياه من طاقات وقدرات، إذ إن التباين والتميز والاختلاف بين أفراد المجتمع هي حكمة اقتضاها الله سبحانه كدليل على تفرده وقدرته جل وعلا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.