نشر موقع لبناني تقريرا حول ما أسماه "الشيء الذي يأسر القلوب في الجزائر". ونشر موقع "GreenArea" وهو موقع بيئي متخصص، مقالا تحت عنوان "الشاي المنعنع (الأتاي)... يأسر القلوب في الجزائر والمغرب". وجاء التقرير كالتالي: عرف أهل المغرب العربي الشاي الأخضر منذ أواخر القرن السابع عشر تقريبا، وتحولت تسميته من الشاي إلى "أتاي"، ولم يتراجع ولع المغاربيين بهذا المشروب الساحر، ولم يخمد عشقهم له، بل تجدد الوله باحتساء نقيع هذه النبتة الصينية الساحرة. ورغم أن الشاي ليس غاية في حد ذاته، إلا انه يستحيل عند ناس الصحراء أن يعقد مجلس من غير تلك الرشفات المتسارعة الملهوجة من هذا المشروب الساخن الحلو، فهو مِعلمةُ الكرم الأولى، فلا إكرام للضيف ولا إفطار ولا زفاف لعريس وعروس بدونه، ولا سعادة بدون ال "أتاي". لذا حرص الرجل الصحراوي منذ القدم على ألا يخلو بيته من هذه المادة البالغة الأهمية لقد قيل وكتب الشيء الكثير عن الشاي الأخضر، وحملته القوافل قديما على ظهور الجمال قاطعة به الصحاري والفيافي، اذ كان يعتبر وبحق الذهب الأخضر، وقد انعقدت حوله المعاهدات والتحالفات القبلية وحلقات العلم والذكر والاعراس والمناسبات، وتغنى به الشعراء والمغنون، حيث كان الشاي في ما مضى عملة نادرة لا يشتريه الا الأغنياء وشيوخ القبائل والاعيان، أما عامة الناس فكانوا لا يتذوقونه الا نادرا في المناسبات والأعياد، ولم تكن تقدم أواني الشاي الا للضيف المهم. تاريخ الشاي الأخضر يرجع تاريخ اكتشاف ورق الشاي الى سنة 2737 قبل الميلاد، في عهد أسرة الامبراطور الصيني "شيونغ"، وقد استعمل كمشروب للإستطباب به في اغلب بلدان آسيا، بما فيها الصين، واليابان وتايلاند وفيتنام والهند. كما استعمل في كل ما يتعلق بعملية السيطرة على النزيف والتئام الجروح وتنظيم درجة الحرارة وتعزيز عملية الهضم، كما ان للشاي الأخضر التاثير الإيجابي على الأجهزة الحيوية الخمسة، فهو منبه ويبرد العطش، ويمنع التعب ويخفض الكولستيرول ويسهل العمل الذهني والعضلي، كما يعمل على حرق الدهون، وهو مضاد للأكسدة ويقلل من الامراض التي يسببها تسمم الطعام. وحسب الرواية المتداولة، فإن سفينة انكليزية رست في ميناء الصويرة (مدينة مغربية)، عائدة من الصين عن طريق الأطلسي، وكانت محملة بسلع من بينها الشاي، حيث تجمهر حولها تجار مغاربة يتفحصون حمولتها فاكتشفوا الشاي اول مرة، وتذوقوا طعمه الذي أسرهم فاشتروا حمولة السفينة, ومن هنا بدأت حكاية عشق هذا المشروب،حيث بيع بأثمان باهظة لم تكن في متناول الجميع، وبعدها انتشر تدريجيا عبر القوافل التجارية، حتى وصل الى موريتانيا والسينغال وجنوب صحراء الجزائر والمغرب مرورا بالسودان. طقوس خاصة هذا المشروب الساحر الذي أحبه الناس في جميع البقاع كبيرهم وصغيرهم غنيهم وفقيرهم يتفنون ويتباهون في صنعه، له عندهم طقوس خاصة وأوقات معينة يتم إعداده فيها لا محيد عنها، فلا تتم صنعته الا ب "جيماته" الثلاثة، كما يقال، وهي: 1-الجمر: وهو جمر الحطب الجيد، خصوصاً حطب شجر الطلح او الجداري أو الأرغان. 2-الجماعة: وتعني الكلام والحديث بين مجموعة من الأشخاص. 3-الجر: وهو الوقت الطويل والكافي حتى يحصل الاستئناس بين هذه الجماعة، والا تكون كؤوسه متتالية، وأن يأخد الوقت حيزا طويلا بين الكأس والأخرى، لتحصل بذلك حلاوة الشاي ومتعته. وفي الثقافة المغاربية، فإنهم ينادون ضيوفهم لتناول الشاي المنعنع أكثر من الأكل، ذلك أنه أول ما يقدم للضيوف، حيث يشرب ساخنا دلالة على حرارة الاستقبال ودفء المودة. وبما أن الضيافة مرتبطة ب "الأتاي"، فإن السكان البدو يحرصون على اقتناء مادة الشاي الأخضر المستوردة من الصين بأي ثمن، حتى لو تطلب الأمر شراء نصف رطل من الشاي الأخضر بثمن ناقة أو أثمان عدة رؤوس من الغنم. طرق إعداد الشاي المنعنع استطاع الشاي الصحراوي بالنعناع أن يسحب البساط من غريمه التقليدي فنجان القهوة في بلدان شمال إفريقيا فهو أكثر قداسة من القهوة عند المشارق. وقد فرض هذا المشروب النباتي الساخن الذي يقدم في وقتين مقدسين أولهما "أتاي الصباح" ويحتسى قبل طلوع الشمس، والثاني "أتاي الذهبي" الذي تحتسيه الجماعة بعد العصر ابتكار أدوات خاصة لا يمكن الاستغناء عنها أثناء إعداده. وهذه الأواني هي التي تعطيه نكهته ورونقه. حيث يؤتى بال "أتاي" في آنية خاصة تسمى، (الصينية) نسبة الى الصين بلد الشاي الأصلي، وتصنع من الفضة او النحاس او معادن أخرى، وهي مستديرة الشكل، إضافة الى الكؤوس الملوَّنة التي يسكب داخلها الشاي وصولا إلى "البراد" أو الإبريقين الفضيّيْن مرورا ب "المقراج" أو غلاية الماء وعلبتي الشاي والسكر، ولا ننسى المطرقة النحاسية التي يكسر بها (قالب السكر). ويسكب في الكأس من مسافة معينة، بحيث تتكوَّن رغوة تشكل تقريبا ربع الكأس. في الزمن القديم كان تحضير الشاي يسند لرجل يسمى "القيام" أي الذي يقيم ويعد الشاي بكاساته الثلاتة الأول والوسطاني (الأوسط) والتالي (الأخير). الأول فيه الشاي الأخضر مركزا، و(الوسطاني) يكون أقل تركيزا، أما التالي وهو الأخير فالشاي فيه خفيف. يقوم معد الشاي بوضع كمية من الوركة و هي"حبيبات الشاي" في البراد "الإبريق"، بعد ذلك يسكب القليل من الماء المغلي، ثم يضعه على النار حتى يغلي قليلا، ويسكب في كأس يسمى كاس "تشليلا"، وتسمى هذه العملية ب "تشلال آتاي"، أي بمعنى غسل حبات الشاي. بعدها يضيف كمية أكثر من الماء ويتركه يغلي، ثم يضيف السكر والنعناع بعد إزالة جذوره في أحد الكؤوس ليتم تقليب الشاي بينها لتأتي "الرغوة"، فيسكب الشاي في الكؤوس، وتسمى هده العملية بالكأس الأول، وتعاد نفس العملية في البراد الثاني والثالث. وبذلك تكون قد تمت عملية إعداد الشاي. ويصب الشاي من فوق حتى تكون ثمة رغوة في الكأس، فالكاسات التي لا رغوة فيها لا يشربها أحد، بل تصيب الجماعة بالتقزز، ومن شروط التمتع بال "أتاي" ألا تبتل الصينية التي يحضر عليها. ويتم اختيار "القيام" من بين أفراد الجماعة، وفق مواصفات معينة، من بينها الخبرة في تحضير ال "أتاي" وحفظه لمرويات الأدب والشعر، واستظهاره للأقاصيص الشعبية والحكم ودماثة الخلق، وحسن الصورة "الوسامة"، وأن يكون من أصل طيب، ويعتبر إسناد مهمة إعداد الشاي إلى أحد أفراد الجماعة من باب التشريف وليس التكليف. أما اليوم فقد أصبح تحضير ال "أتاي" مهمة نسائية تسند للفتيات اللائي يزداد الإعجاب بهن تبعا لمهارتهن في صب كاساته، حيث يمتزج النعناع بنكهته العجيبة مع الشاي فتعلو رغوة، فيحسن المذاق ويصل المحتسي لذروة نشوته. أوراق النعناع لا يكتمل مشروب الشاي الأخضر إلا بإضافة أوراق النعناع، ولهذا يحرص أهل المغرب العربي على زراعة النعناع الذي يتوفر في فصل الصيف أخضر، في حين يتم تيبيسه للاستفادة منه في فصل الشتاء لإعداد الشاي. ويستورد المغرب حاجياته بالكامل من الصين وبشكل خاص من ولاية شيانغ الصينية، التي تعتبر من أكبر المناطق التي تنتج هذه المادة، والتي يعتبر المغرب أول زبون لها إذ يستورد 30 بالمئة من إنتاجها السنوي من الشاي الأخضر.