كانت الرحلة إلى الأردن بمثابة اللغز الذي حملناه إلى بلد عربي معروف باستقراره الأمني رغم كل ما يحده من غليان ونار. كانت فكرتنا المسبقة عن هذا البلد ضيقة جدا مقارنة بما لمسناه خلال زيارتنا، بلد بهذا التطور وبهذا الحجم من الأمان ما كان علينا أن نتأخر في زيارته. خلال جولتنا في المحلات والأسواق وسط البلد بعمان صادفنا شابا في محل لبيع الألبسة التقليدية الأردنية والفلسطينية وكان فلسطيني الأصل، وحالما علم أننا جزائريون من خلال اللهجة رحب بنا قائلا "المحل وكل ما فيه ملك الجزائر وأهلها". وخلال تجوالنا بالمحل اقتربت مني شابة في الثلاثينات من العمر قالت "أنا أردنية جزائرية" أشتغل بأحد المراكز الطبية هنا في عمان، لافتة انتباهنا إلى مشكلة العقم في الجزائر وتوافد المئات من الجزائريين إلى الأردن لحل هذه المشكلة ومن هنا بدأت رحلة بحثنا في الموضوع بالعاصمة عمان. تحقيق مبعوثة "البلاد" إلى الأردن /فاطمة حمدي أطباء جزائريون متواطئون مع مراكز في الأردن للاستثمار في حاجة المرضى خلال بحثنا في موضوع علاج العقم في الجزائر، وتوجه الجزائريين إلى الأردن لعلاج أسبابه قالت السيدة خديجة.ن، واحدة من الجزائريات اللاتي عالجن مشكلة الإنجاب في الأردن، إنها تفاجأت بأن سبب عدم إنجابها أبسط من أن تهاجر بسببه أو تدفع كل تلك التكاليف لعلاجه، مشيرة إلى أنها اكتشفت ذلك صدفة بعدما التقت طبيبا أردنيا وصفته ب«صاحب الضمير الحي" خلال تواجدها بالعاصمة عمان، بعدما اطلع على ملفها الطبي وأجرى لها الفحوصات ليؤكد أن مشكلتها بسيطة جدا كان بالإمكان علاجها في الجزائر، لتكتشف بعدها أن الطبيب الجزائري متعود على إرسال مرضاه إلى أحد المختصين في الأردن بموجب اتفاقية بين الطبيبين. أشارت خديجة إلى أن أمثالها كثر وأنها تحاول فعل كل ما يمكنها فعله للفت انتباه الناس إلى هذه التجاوزات. جزائريون يقصدون مراكز طبية في الأردن لتحديد جنس المولود أكد الدكتور نجيب أبو أسعد أخصائي في العقم وأطفال الأنابيب، الحمل والأمومة والتنظير أن عدد الجزائريين الذين يتوافدون إلى المراكز الطبية لعلاج العقم في الأردن كبير جدا مقارنة بجنسيات أخرى، مشيرا إلى أن إحدى أكبر المعضلات التي يتوجه بسببها هؤلاء إلى الأردن هي تحديد جنس المولود، حيث أشار المتحدث إلى أنه رغم أننا في زمن التطور والتكنولوجيا ورغم أن الأزواج الذين يقصدون مركزه مثقفون إلا أنهم يطمحون إلى إنجاب الذكر، أما تحديد جنس المولود أنثى قبل الحمل فهو نسبة قليلة جدا، وقال الدكتور أبو أسعد إن ضغوط المحيط على هؤلاء هي أكبر الأسباب التي ترغمهم على اللجوء إلى مثل هذه العمليات التي تكون في غالب الأحيان مكلفة جدا، كما يحرص أغلبية زوار هذه المراكز حسب الدكتور نجيب على السرية التامة في التعامل معهم ومع ملفهم. وتتم عملية تحديد جنس المولود في أغلب الحالات بعملية فصل للحيوانات المنوية قبل عمليه الحقن المجهري، ليتم بعدها استكمال نضوج باقي البويضات في المركز، مما يجعل الحالات تختلف من شخص إلى آخر. ويروي لنا الدكتور في هذا السياق قصة إحدى الجزائريات التي زارت المركز رفقة زوجها بهدف تحديد جنس الجنين، مشيرا إلى أنها وصلت إلى حالة نفسية صعبة جدا بعد الضغوط التي تعرضت لها من قبل حماتها التي تطالب ابنها بالزواج من ثانية بحجة أن زوجته لا تنجب إلا الإناث، مؤكدا في هذا السياق أن جنس المولود يحدده الرجل وليس المرأة. هذه هي تكاليف مختلف عمليات العقم وعلاجه في الأردن تعد الأردن من بين أهم الدول العربية وحتى في العالم المعروفة بالتطور في المجال الطبي، ومن هذا المنطلق تعتبر المقصد الأهم في هذا المجال وحتى بالنسبة للجزائريين الذين باتوا يتوافدون عليها ويفضلون أطباءها مقارنة بالنسبة للأطباء في الدول الأوروبية، وتعتبر مختلف عمليات علاج العقم في الأردن من أنجح العمليات حسب الدكتور نجيب أبو أسعد الذي أكد أن نسب نجاح هذا النوع من العمليات عال جدا مقارنة بدول أخرى لما تملكه المراكز من معدات متطورة ومن إمكانيات بشرية مؤهلة في المجال. وتعد تكلفة مختلف العمليات باهظة في الوقت الذي يراها البعض معقولة مقارنة بدول أخرى. تكلف عملية تحديد جنس الجنين حوالي 1700 دينار أردني أي ما يعادل تقريبا 30 مليون سنتيم، فيما تكلف عمليات أطفال الأنابيب ما بين 2000 و3000 دينار أردني أي حوالي 38 و50 مليون سنتيم جزائري. فيما تتباين تكاليف العمليات الأخرى حسب درجة المشكل لدى المريض وصعوبة التعامل مع حالته من سهولتها. الأردن.. البلد العربي الرائد في مجال علاج العقم استطاعت المملكة الهاشمية الأردنية خلال السنوات الأخيرة أن تكون في طليعة الدول في العالم لعلاج أصعب المشاكل التي يعاني منها الأزواج بخصوص الإنجاب، فقد نجح فريق طبي أردني منذ سنوات قليلة حسب ما صرح لنا به الدكتور نجيب أبو أسعد، في تطوير طريقة حديثة لعلاج العقم عند الرجال لأول مرة في العالم باستخدام الخلايا الجذعية الذاتية المسحوبة من نخاع المريض وزراعتها في خصيتيه لتقوم بتصنيع الحيوانات المنوية بطريقة طبيعية، مما يعطي أملا بحل مشكلة العقم. وتعتبر هذه النتائج مبهرة خاصة أنها استخدمت ونجحت لأول مرة في العالم العربي. وقد تم تأسيس لجنة أخلاقية مسجلة رسميا بمؤسسة الغذاء والدواء الأردنية لدراسة مشروع استخدام الخلايا الجذعية في معالجة العقم وتفاصيله وسلامته للمرضى والموافقة على مواصلته، شريطة التزام الباحثين بالمعايير الأخلاقية والطبية والدينية. وتضم اللجنة ثمانية أعضاء من أطباء وصيادلة ورجال قانون وعلماء ورجال دين إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني، الأمر الذي يجعل الأردن البلد الأكثر أمانا للمرضى في العالم العربي. أخصائيون أردنيون: الأخطاء الطبية في الجزائر سبب حالات العقم التي تلجأ إلينا أكدت الدكتورة شيماء جميل، أخصائية في الأمراض النسائية، أن معظم الحالات التي تتوافد عليها من الجزائر سببها أخطاء طبية معبرة عن أسفها لذلك، ومشيرة إلى أن أغلب الأخطاء الطبية تكمن في استئصال الرحم دون أسباب كافية لذلك أو حتى تشوه الرحم بسبب خطأ طبي ما. تقول "زارتنا مؤخرا واحدة من الشابات الجزائريات لم تتجاوز ال28 من العمر، ولم تتمكن من الحمل، وبعد الكشف تبين لنا أنها تعاني من تشوه في الرحم بفعل خطأ طبي نتيجة إجرائها عملية سابقا مما أدى إلى ما هي عليه اليوم". وشددت في هذا السياق على ضرورة إصدار قوانين صارمة لردع هؤلاء "الحيوانات البشرية" الذين يقضون على مستقبل من يضع حياته أمانة بين أيديهم. هكذا ينجب جزائريون أبناء زنا دون علمهم حذّرت الدكتورة شيماء جميل ومحدثتنا السيدة خديجة من تهور البعض وخضوعهم لأي علاج لحالات عقمهم، دون تحكيم العقل وتوخي الحذر، مشيرتين إلى أن بعض الأطباء من أصحاب الضمير الميت يستغلون الوضع النفسي للمريض لاستخدام أي طريقة مهما كانت مخلفاتها عليه بغية الكسب السريع. تشير شيماء جميل إلى أنه "رغم القوانين الصارمة والمراقبة إلا أن مثل هذه التجاوزات تحدث، خاصة ما تعلق منها باستخدام الحيوانات المنوية لشخص آخر غير الزوج دون علمه، فيحدث الحمل وينسى الآباء التأكد من هوية الجنين إن كان فعلا من صلب الأب أولا". تقول شيماء جميل إنه رغم أن الحالات صعبة الكشف إلا إذا شك الأب يوما ما في أن الطفل ليس ابنه باعتبار أن الأم تحمل بشكل طبيعي، فلن تظهر الحقيقة إلا بتحليل الDNA وهذا نادرا ما يحصل. وفي سياق متصل أكدت السيدة خديجة التي حملت على عاتقها حسب ما صرحت لنا به هم الأخطاء الطبية في الجزائر وهروب المرضى الجزائريين إلى دول أخرى للعلاج، أكدت أنها تعرفت على جزائرية في الأردن حكت لها قصتها وخداعها على يد أحد الأطباء المختصين هناك، فأشارت إلى أنها وصلت إلى الطلاق من زوجها بعدما اكتشف أن ابنه ذي السنتين ليس من صلبه بعد إجراء تحاليل إثبات النسب صدفة، ليصلوا في الأخير إلى أنه تم تلقيح بويضاتها بحيوانات منوية لشخص آخر غير زوجها، لاستحالة نجاح العملية، حيث أجرت عملية التلقيح الاصطناعي على يد طبيب بالأردن يجري هذه العمليات بأسعار تنافسية. وفي هذا السياق قال الشيخ أحمد الإبراهيمي إن الحمل بواسطة التلقيح الصناعي أو ما يسمى بطفل الأنبوب له صور متعددة، منها الجائز ومنها المحرم، ومن ذلك أن تؤخذ نطفة من زوج، وبويضة من مبيض زوجته لتوضعا في أنبوب اختبار طبي بشروط فيزيائية معينة حتى تلقح نطفة الزوج بويضة زوجته في وعاء الاختبار، ثم بعد أن تأخذ اللقيحة بالانقسام والتكاثر تنقل في الوقت المناسب من أنبوب الاختبار إلى رحم الزوجة نفسها صاحبة البويضة، لتعلق في جداره، وتنمو وتتخلق ككل جنين". وحذّر أحد الشيخ من أنه هناك تلاعبات تحدث في الموضوع كإمكانية الشك الكبيرة في نسبة الولد، والتي سيجعل أمرها تابعاً لقول الطبيب الذي سيقرر أنه أجرى التلقيح بين بذرتي الزوجين، وهذا يفسح المجال للشك بأن الطبيب قد يخلط بين وعاء وآخر، أو أنه قد ساير رغبة المرأة الراغبة في الأمومة لأمر ما، فيهيئ لها الجنين المطلوب في المختبر من بويضة سواها، أو من نطفة ليست للزوج "وهذا الأمر محرم وغير جائز تماما وغير مسموح به، فيعد الطفل ابن زنا وندخل في اختلاط الأنساب، رغم أن ليس للزوجين في الأمر أي علم".