وزير الداخلية خلال تنصيبه للولاة: الحركة الجزئية تهدف إلى إضفاء ديناميكية جديدة    وثائقي من إنتاج مديرية الإعلام والاتصال لأركان الجيش: الجزائر الجديدة.. إنجازات ضخمة ومشاريع كبرى    مع انطلاق حملة مكافحة الحرائق: منع التخييم والتجول بالغابات بداية من الأربعاء بقسنطينة    خنشلة: توقيف 12 شخصا في قضايا مختلفة    عطاف يُستقبل بالرياض من قبل رئيس دولة فلسطين    صراع أوروبي على عمورة    حوادث المرور: وفاة 4 أشخاص بتيبازة وتيزي وزو    لأول مرة في تاريخ القضاء الجزائري: رئيس الجمهورية يمنح قضاة المتقاعدين لقب "القاضي الشرفي"    إياب نصف نهائي كأس الكونفدرالية: الاتحاد متمسك بموقفه وينتظر إنصافه بقوة القانون    بطولة الرابطة الثانية    كشف عنها وزير المالية وسجلتها المؤسسات المالية الدولية: مؤشرات خضراء للاقتصاد الوطني    رفض الكيل بمكيالين وتبرير الجرائم: قوجيل يشجب تقاعس المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية    وزير المجاهدين و ذوي الحقوق من جيجل: معركة السطارة من بين المعارك التي خلدها التاريخ    الإقبال على مشاهدته فاق التوقعات    لا صفقة لتبادل الأسرى دون الشروط الثلاثة الأساسية    10 % من ذخائر الاحتلال على غزّة لم تنفجر    التسجيل الإلكتروني في الأولى ابتدائي في 2 ماي المقبل    استئناف أشغال إنجاز 250 مسكن "عدل" بالرغاية    مباشرة إجراءات إنجاز مشروع لإنتاج الحليب المجفف    الجولة 24 من الرابطة المحترفة الأولى "موبيليس": تعادل منطقي في داربي الشرق بين أبناء الهضاب وأبناء الزيبان بين والساورة تمطر شباك اتحاد سوف بسداسية كاملة    البنوك تخفّض نسبة الفائدة على القروض قريبا    الفريق أول السعيد شنقريحة : "القيادة العليا للجيش تولي اهتماما كبيرا للاعتناء بمعنويات المستخدمين"    الرئيس تبون يمنح لقب "القاضي الشرفي" لبعض القضاة المتقاعدين    بسكرة: ضبط ممنوعات وتوقيف 4 أشخاص    مظاهرات الجامعات يمكن البناء عليها لتغيير الموقف الأمريكي مستقبلا    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    رياض محرز ينتقد التحكيم ويعترف بتراجع مستواه    بيولي يصدم بن ناصر بهذا التصريح ويحدد مستقبله    لحوم الإبل غنية بالألياف والمعادن والفيتامينات    حساسية تجاه الصوت وشعور مستمر بالقلق    هدم 11 كشكا منجزا بطريقة عشوائية    دورة تكوينية جهوية في منصة التعليم عن بعد    إنجاز جداريات تزيينية بوهران    15 ماي آخر أجل لاستقبال الأفلام المرشحة    أكتب لأعيش    الاتحاد لن يتنازل عن سيادة الجزائر    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    استفادة كل ولاية من 5 هياكل صحية على الأقل منذ 2021    العدوان الصهيوني على غزة: سبعة شهداء جراء قصف الاحتلال لشمال شرق رفح    وزير النقل : 10 مليار دينار لتعزيز السلامة والأمن وتحسين الخدمات بالمطارات    جيدو /البطولة الافريقية فردي- اكابر : الجزائر تضيف ثلاث ميداليات الي رصيدها    محسن يتكفل بتموين مستشفى علي منجلي بخزان للأوكسيجين بقسنطينة    ندوة وطنية في الأيام المقبلة لضبط العمليات المرتبطة بامتحاني التعليم المتوسط والبكالوريا    غزة: احتجاجات في جامعات أوروبية تنديدا بالعدوان الصهيوني    الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات: مضمار الرياضات الحضرية يستقطب الشباب في باب الزوار    استثمار: البنوك ستخفض قريبا معدلات الفائدة    شهد إقبالا واسعا من مختلف الفئات العمرية: فلسطين ضيفة شرف المهرجان الوطني للفلك الجماهيري بقسنطينة    رئيس لجنة "ذاكرة العالم" في منظمة اليونسكو أحمد بن زليخة: رقمنة التراث ضرورية لمواجهة هيمنة الغرب التكنولوجية    نحو إعادة مسح الأراضي عبر الوطن    تجاوز عددها 140 مقبرة : جيش الاحتلال دفن مئات الشهداء في مقابر جماعية بغزة    ندوة ثقافية إيطالية بعنوان : "130 سنة من السينما الإيطالية بعيون النقاد"    مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة: الفيلم الفلسطيني القصير "سوكرانيا 59" يثير مشاعر الجمهور    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكعبة...الهدم والبناء .. عبر وفوائد

لما بلغ محمد صلي الله عليه وسلم خمسا وثلاثين سنة اجتمعت قريش لتجديد بناء الكعبة لما أصابها من حريق وسيل جارف صدع جدرانها وكانت لا تزال كما بناها إبراهيم عليه السلام رضما فوق القامة فأرادوا هدمها ليرفعوها ويسقفوها ولكنهم هابوا هدمها وخافوا منه فقال الوليد بن المغيرة أنا أبدؤكم في هدمها فأخذ المعول ثم قام عليها وهو يقول: اللهم لم نزغ ولا نريد إلا الخير وهدم من ناحية الركن فتربص الناس تلك الليلة وقالوا ننظر فإن أصيب لم نهدم منها شيئا ورددناها كما كانت وإن لم يصبه شيء فقد رضي الله ما صنعنا فأصبح الوليد غاديا يهدم وهدم الناس معه حتى انتهوا إلى حجارة خضرة كالأسنمة آخذ بعضها ببعض وكانوا قد جزؤوا العمل وخصوا كل قبيلة بناحية واشترك سادة قريش وشيوخها في نقل الحجارة ورفعها وقد شارك النبي صلي الله عليه وسلم عمه العباس في بناء الكعبة وكانا ينقلان الحجارة فقال العباس للنبي صلي الله عليه وسلم: إجعل إزارك على رقبتك يقيك من الحجارة فخر إلى الأرض أي وقع وطمحت عيناه إلى السماء ثم أفاق فقال: 'إزاري إزاري ' فشد عليه إزاره فلما بلغوا موضع الحجر الأسود اختصموا فيه كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الأخرى وكادوا يقتتلون فيما بينهم لولا أن أبا أمية بن المغيرة قال: يا معشر قريش اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب المسجد فلما توافقوا على ذلك دخل محمد صلي الله عليه وسلم فلما رأوه قالوا: هذا الأمين قد رضيناه فلما أخبروه الخبر قال: هلموا ثوبا فأتوه به فوضع الركن فيه بيده ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوا جميعا فرفعوه حتى إذا بلغوا موضعه وضعه بيده ثم بنى عليه وأصبح ارتفاع الكعبة ثمانية عشر ذراعا رفع بابها عن الأرض بحيث يصعد إليه بدرج لئلا يدخل إليها كل احد فيدخلوا من شاءوا وليمنعوا الماء من الشرب إلى جوفها وأسند سقفها إلى ستة أعمدة من الخشب إلا أن قريشا قصرت بهم النفقة الطيبة عن إتمام البناء على قواعد إسماعيل فأخرجوا منها الحجر وبنوا عليه جدارا قصيرا دلالة على أنه منها لأنهم شرطوا على أنفسهم أن لا يدخل في بنائها إلا نفقة طيبة ولا يدخلها مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة لأحد '

الفوائد والعبر والإشارات:
[1] بنيت الكعبة خلال الدهر أربع مرات على اليقين , الأولى كانت على يد إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام والثانية كانت هذه التي بنتها قريش قبل البعثة أما الثالثة فكانت عندما احترق البيت أيام يزيد بن معاوية بفعل الحصار الذي ضربه الحصين السكوني على ابن الزبير حتى يستسلم فأعاد ابن الزبير بناءها وأما المرة الرابعة فكانت في زمن عبد الملك بن مروان عندما قتل ابن الزبير حيث أعاده على ما كان عليه زمن بناء النبي صلي الله عليه وسلم لأن ابن الزبير لما بناه باشر في رفع بنائه وزاد فيه الأذرع الستة التي أخرجت منه وزاد في طوله إلى السماء عشرة أذرع وجعل له بابين أحدهما يدخل منه والآخر يخرج منه وإنما جرأه على إدخال هذه الزيادة حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال :' يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابا شرقيا وآخر غربيا فبلغت به أساس إبراهيم'
يجد المسلم في حادثة تجديد بناء الكعبة كمال الحفظ الإلهي والتوفيق الرباني في سيرة رسول الله صلي الله عليه وسلم كما يلاحظ كيف أن الله تعالى أكرم رسوله بهذه القدرة الهائلة على حل المشكلات بأقرب طريق وأسهله وذلك ما تراه في حياته كلها وهو من معالم رسالته فرسالته إيصال الحقائق بأقرب طريق وحل المشكلات بأسهل أسلوب وأكمل
من حفظ الله تعالى لنبيه صلي الله عليه وسلم في شبيبته عن أقذار الجاهلية وأدرانها ومعائبها ما وقع له عندما كان ينقل الحجر أثناء بناء الكعبة ورفع إزاره على رقبته فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم أفاق فقال: إزاري إزاري فشد عليه إزاره فما رؤي بعد ذلك عريانا صلي الله عليه وسلم'
حادثة تجديد بناء الكعبة كشفت عن مكانة الرسول صلي الله عليه وسلم الأدبية في الوسط القرشي'وقد حصل لرسول الله صلي الله عليه وسلم في هذه الحادثة شرفان شرف فصل الخصومة ووقف القتال المتوقع بين قبائل قريش وشرف تنافس عليه القوم وادخره الله لنبيه صلي الله عليه وسلم ألا وهو وضع الحجر الأسود بيديه الشريفتين وأخذه من البساط بعد رفعه ووضعه مكانه من البيت'
مكانة الكعبة ومهابتها في قلوب القرشيين تتضح من تخوفهم الشديد من هدم الكعبة ولو كان الغرض إعادة بنائها ومن المعلوم أن مهابة الكعبة أمر لا بد أن يحرص عليه المسلمون في قلوبهم وقلوب أبنائهم ويتضح ذلك في مشهدين أولهما مشهد هارون الرشيد وهو يحاور الإمام مالك فيخبره أنه يريد هدم الكعبة وإعادة بنائها كما كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يتمنى فيرد الإمام مالك بالرفض حتى لا تكون الكعبة لعبة للملوك كلما أتى ملك هدم وبنى والمشهد الثاني هو في الدعاء المأثور الذي يدعو به كل من دخل المسجد الحرام ورأى الكعبة أمام ناظريه وهو :' اللهم زد هذا البيت تعظيما ومهابة وتشريفا وإجلالا ' وهكذا من الواجب على الآباء والمعلمين والمربين تعظيم الكعبة في نفوس الأبناء وزيادة قدسيتها بالتشويق لرؤيتها ورفع شأن زيارتها.
المشهد يتكرر ثانية فرسول الله صلي الله عليه وسلم ليس صفرا في مجتمعه بل هو من أصحاب المشاركة الثابتة والمستمرة في كل شأن من شؤون هذا المجتمع ومن خلال هذه المشاركة الفعالة في كل أحداث المجتمع يرتفع قدر الداعية ويعلو وقع كلامه على النفوس فإذا تكلم سمع له وإذا نصح أخذ بنصحه وهو الحكم فيما يختلفون فيه من أمور دينهم ودنياهم فما قيمة داعية لا يغادر جدران مسجده ولا يشارك في شؤون مجتمعه.
لا يعيش البشر بغير نظام حاكم لهم يفصل منازعاتهم فهم عرضة ولا بد للخلاف والاختلاف ما داموا قد تجمعوا في جماعات مدنية تتعايش مع بعضها البعض ولذا فلا بد من قانون وقواعد للتحاكم إليها.
علة قبول القبائل القرشية بحكم النبي صلي الله عليه وسلم ليست أنه أول من دخل من باب الحرم ولكن كونه الأمين الذي يأتمنونه على أموالهم وأعراضهم والأمانة هي أول مقومات العدل وعلامة وجوده ولذا كانت العبارة ' هذا الأمين قد رضينا حكمه ' وهي إشارة للدعاة أن يحرصوا على سمعتهم في الأوساط الدعوية المختلفة وألا تمسها شائبة وهم مع ذلك مشاركون في أدوار مجتمعهم المختلفة وهذا مما يضمن لهم دورا في مواضع اتخاذ القرار ومشاركة فعالة من جانبهم وانتظار لمعرفة موقفهم من المستجدات في هذا المجتمع فالقاعدة ' لا تأخذ إلا بقدر ما دفعت ' فكم دفعت من الجهد والمشاركة في مجتمعك لتنال آذانا صاغية وقلوبا واعية.
عند وضع الحل لم يقم النبي بطرحه وأخذ رأيهم فيه بل باشر فعلا بالتنفيذ العملي وهو يشرح ما سيفعل وهذا فقه للسلوك الأمثل في فض الفتن والمنازعات بإلزام الناس بالصواب كما في حادثة الخلافة في السقيفة حيث قال عمر: امدد يدك يا أبا بكر نبايعك وهو بذلك لا يجبرهم على حل لا يعجبهم بل يضع الحل الأمثل وينبههم إلى أن الواجب هو مباشرة العمل لا كثرة الكلام.
قبائل تتنافس على من سيضع الحجر الأسود في مكانه ثم تقبل بانفراد رجل بوضعه بيده الشريفة في هذا المكان ملمح لابد من التأمل في دلالاته وهي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يكن معروفا بأنه طالب مكانة ولا حريصا على شهرة ولا متحدث بمفاخره ومكانته أي لم يكن ليطلب بهذا الفعل شرفا وتميزا لنفسه بقدر ما استشعرت القبائل أنه مخلص في تقديم خدماته وكذا كل من توجه بعطائه لأمته لوجه الله تعالى يكون إخلاصه وتجرده سببا لسعي الناس للحصول على خدماته والاستفادة من آرائه.
إنهم وإن كانوا يقومون بعمل متفرد رباني إلا أن أهل الجاهلية في كل زمان ومكان لا يملكون إلا العمل بمفاهيمهم وتصوراتهم فها هم يرفعون باب البيت حتى لا يدخله إلا من شاؤوا هم وعلى النقيض كانت أمنية النبي صلي الله عليه وسلم بإعادة بناء البيت على قواعد إبراهيم ونزول مستوى الباب ليكون في وسع الجميع الدخول والخروج منه.
قريش كلها تقصر بها النفقة الطيبة عن بناء البيت إنها لعلامة فارقة في بيان حجم المال الحرام والتعاملات التي تشوبها الحرمة في المجتمع الجاهلي من أموال ناشئة عن ظلم للناس والبيوع الربوية والأموال الواردة من تجارة البغاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.