لابد وأن الجميع لاحظ بأن مواكب الأعراس في ازدياد دائم هذه الأيام، فلا يمر يوم إلا وعبرت شوارعها عشرات المواكب التي تصنع فرحة العائلات خاصة الشوارع الرئيسية التي يحلو فيها التجوال بموكب بهيج، ولكن ما استدعى هذه الكثرة في هذه الفترة وتسارع وتيرتها هو حلول شهر رمضان الكريم عن قريب، وبالتالي فإن شهر أوت لن يكون كافيا لإقامة الأعراس. شارع حسيبة بن بوعلي على غرار الشوارع الرئيسية الأخرى لا تكاد تمر ساعة حتى يسمع منه أصوات السيارات منبئة بمرور موكب عروس، ما يجعل الساكنين يهرعون إلى النوافذ من أجل رؤيته، فتمني كل واحدة نفسها بأنها ستكون يوما ما هناك وفي مكان العروس وسيكون هذا الموكب من نصيبها. غير أن طرحنا لهذا الموضوع هو من أجل معالجته من زاوية أن الأعراس تقام بكثافة في هذه الفترة لأن شهر رمضان على وصول وعن قريب جدا لذلك تسارع العائلات للتحضير لأفراح أولادها حتى ترتاح من عبئهم الذي يلازمها طيلة فترة الخطبة. مواكب واستعراضات وتحضيرات أصوات الأغاني تنبعث بكل قوتها، وأهازيج الشباب الذين يرقصون على أنغام الزرنة، وأصوات أبواق السيارات في كل وقت، وطيلة تجوال الموكب، بالإضافة إلى أعراس تقام في الصباح وأخرى بالليل، لا يهم الوقت لأن المهم هو التسابق مع الزمن وإتمام العرس قبل حلول شهر رمضان حتى يرتاح الأولياء من أعباء أولادهم وبناتهم، هذه هي حال غالبية الأسر الجزائرية فتقول "زبيدة" بأنها حضرت لعرس ابنها في أواخر جويلية وأرجعت السبب أنها لم تحظى بيوم في صالة للأعراس نظرا للازدحام الذي تشهده هذه الأخيرة، وتضيف زبيدة أنها تسارع من أجل إتمام العرس حتى ترتاح على مستقبل ابنها خاصة بعد أن طالت فترة خطوبته، وشعرت بالخجل من أهل كنتها وكان لابد من إقامة العرس حتى ولوكان ذلك أياما قبل شهر رمضان الكريم. المهم إقامة العرس تعبر "حورية" التي كانت مدعوة إلى زفاف لم يمر عليه أسبوع بأن المهم هو إقامة العرس مهما كلف الأمر قبل شهر رمضان الكريم، وتضيف حورية بأن أم العريس أصرت على إحضار عروس ابنها قبل رمضان مع أنه كان بإمكانها تأجيل الأمر إلى ما بعد الشهر الكريم، إلا أنها رفضت ذلك بحجة أنها بحاجة إلى من يساعدها في الطبخ، ولم تعد تقوى على تمضية شهر رمضان آخر دون وجود كنتها إلى جانبها، وأيضا فهي لم تعد تقوى على الانتظار حتى تتذوق بنفسها الطبخ وتتأكد من أن كنتها طباخة ماهرة، ولا أحد يعد الأطباق بنفس اللذة التي تعدها بها، وتؤكد حورية في ذات الوقت أن أم العريس سيدة عجوز ومريضة لا تقوى على إعداد الأكل يوميا لابنها، ما دفعها إلى المسارعة في إقامة العرس قبل هذا الشهر مهما كلف الأمر حتى ولو اقتضى ذلك إقامة العرس فوق سطح العمارة لأنها وللأسف لم تتمكن من إيجاد قاعة حفلات شاغرة قبل الموعد المحدد، كما أنها تعبت من المصاريف الباهظة التي تبددها في كل مرة لتقديم المهيبة لكنتها التي كانت تطالب بمهيبتها في كل مناسبة. رمضان آخر، خسارة أخرى إنه بالفعل السباق مع الزمن والتمسك حتى بالأيام الأخيرة قبل رمضان فهذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق رغبة العديد من الفتيات اللواتي طالت مدة خطوبتهن وتجاوزت السنتين في الكثير من الأحيان، بل أكثر، فحتى وإن كن مخطوبات إلا أنهن لا زلن في عداد العوانس في نظر المجتمع الجزائري، حتى أن الحديث يكون عليهن أكثر من قبل فيتساؤل الناس لماذا لم يزفن إلى غاية اليوم، لابد وأن هناك شيئا ما حدث، ولهذا تقرر الكثير من الفتيات قطع ألسنة هؤلاء بالتعجيل في الزفاف مهما كانت الظروف، حتى ولو تطلب منهن الأمر إلى إقامة حفلة العرس يومين أو يوما واحدا قبل رمضان، هكذا هو حال ''أسماء'' التي مرت 7 سنوات على خطوبتها وظلت تنتظر كل سنة أن يتحصل خطيبها على السكن التساهمي الذي قدم عليها وبما أن السنوات مرت كالأيام، رضخت أسماء للأمر الواقع وفضلت إقامة عرسها يومين قبل رمضان والسكن مع أهل زوجها على أن يمر رمضان آخر وهي لا زالت ببيت أهلها، فقدوم شهر رمضان بالنسبة إليها معناه ضياع عام آخر من حياتها دون أن تستفيد منه، وإن كانت هذه أغلب الذهنيات التي تطغى على فتيات اليوم.