"الأونروا" تعلن عن نفاد إمداداتها من الطحين في قطاع غزة    تبث على قناة "البلاد تيفي" والقناة الإلكترونية "دزاير توب"    سيما الحق في تقرير المصير..بوغالي يؤكد أهمية ترسيخ الوعي بحقوق الشعوب في أذهان الناشئة    متحدث باسم حماس: لا بديل لغزة إلا المسجد الأقصى والتحرير الكامل لفلسطين    كأس الكونفدرالية: شباب قسنطينة يفوز أمام بركان (1-0) ويغادر المنافسة    اليوم العالمي للسلامة والصحة في العمل: تعزيز الإجراءات الوقائية وترقية الترسانة القانونية    عن مسيرة الفنان محمد زينات : العرض الشرفي للوثائقي زينات.. الجزائر والسعادة    تكريما للفنان عبد الرحمن القبي.. ألمع نجوم الأغنية الشعبية في حفل فني بابن زيدون    بداية العد التنازلي لامتحاني "البيام" و"لباك"    خطوات عملاقة لبناء دولة قوية اقتصاديا واجتماعيا    ترسيخ الوعي بحقوق الشعوب في أذهان الناشئة    شكرا لك كيليا.. تتويجك الجديد فخر للجزائر    مشروع إنتاج الحبوب والبقوليات بتيميمون بخطوات متسارعة    اطمئنوا.. قطعنا أشواطا في تحقيق الأمن المائي    إجراءات استعجالية وإسكان فوري للمتضرّرين من حادثة وهران    حادث انزلاق التربة بوهران: ترحيل 182 عائلة الى سكنات جديدة بمسرغين    الجنوب.. مشاريع استراتيجية ببعد إقليمي    الجزائر فاعل رئيسي في دعم التعاون الإفريقي    التعاون الإعلامي من دون تشويه ومغالطات كفيل بتحقيق التقارب العربي    بحث التعاون بين الجزائر والهند في الصناعة الصيدلانية    ملف مفصل يُرفع إلى الجهات الوصية    شراكة جزائرية صينية    الذكاء الاصطناعي والتراث موضوع أيام تكوينية    أسبوع للابتكار بجناح الجزائر    مزيان يحثّ على النزاهة والمسؤولية    قفزة نوعية في قطاع التربية    بو الزرد: الاقتصاد الوطني يشهد نجاعةً ونشاطاً    مذكرة تفاهم جزائرية تركية    مولودية وهران تتنفس    رئيس تونس يُقدّر الجزائر    تعزيز الأمن المائي من خلال تحلية مياه البحر وإعادة استعمال المياه المستعملة    حادث انزلاق التربة بوهران: مولوجي تسدي تعليمات للمصالح المحلية لقطاعها لمرافقة التكفل بالمتضررين    ندوة تاريخية بالجزائر العاصمة إحياء للذكرى ال67 لمعركة سوق أهراس الكبرى    الجمباز الفني/كأس العالم (مرحلة القاهرة): تتويج الجزائرية كايليا نمور بذهبية اختصاصي جهاز مختلف الارتفاعات    مؤسسات صغيرة ومتوسطة : "المالية الجزائرية للمساهمة" تعتزم بيع مساهماتها في البورصة هذه السنة    الطبعة الرابعة للصالون الدولي "عنابة سياحة" من 8 إلى 10 مايو المقبل    اسبانيا: تنظيم وقفة تضامنية مع المعتقلين السياسيين الصحراويين بالسجون المغربية بجزر الكناري    القمة الإفريقية لتكنولوجيات الإعلام والاتصال : تكريم أفضل المنصات الرقمية في الجزائر لعام 2025    كرة القدم/البطولة الافريقية للمحليين: مجيد بوقرة يستدعي 26 لاعبا للمواجهة المزدوجة أمام غامبيا    جيجل: وصول باخرة محملة بأزيد من 10 آلاف رأس غنم قادمة من رومانيا بميناء جن جن    انطلاق أشغال الاجتماعات الدورية للمنسقين الإذاعيين والتلفزيونيين ومهندسي الاتصال العرب بالجزائر العاصمة    تطرقنا إلى السيناريوهات العملية لإنتاج النظائر المشعة محليا    بدء عملية الحجز الالكتروني بفنادق مكة المكرمة    عطاف ينوّه بالإرث الإنساني الذي تركه البابا فرنسيس    دينو توبمولر يدافع عن شايبي    منتخب المصارعة بخطى التتويج في البطولة الإفريقية    ابنة الأسير عبد الله البرغوتي تكشف تفاصيل مروعة    انطلاق الحجز الإلكتروني لغرف فنادق مكة المكرمة    جاهزية تامة لتنظيم موسم حج 2025    عدسة توّثق جمال تراث جانت بشقيه المادي وغير المادي    صيدال يوقع مذكرة تفاهم مع مجموعة شنقيط فارما    حج 2025 : إطلاق برنامج تكويني لفائدة أعضاء الأفواج التنظيمية للبعثة الجزائرية    الجزائر حاضرة في موعد القاهرة    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    ما هو العذاب الهون؟    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البنات!!!
ربيعيات
نشر في الجمهورية يوم 24 - 09 - 2018

طالبة في إحدى العواصم العربية كنتُ. بيتا صغيرا مفروشا استأجرتُ. يطل على حديقة، تفتح على السماء في صحوها وإمطارها وإثلاجها. مالكة البيت سيدة مسنة، علامات الطيبة والحنان تنطق من ملامحها. كلما وُجدتُ بالبيت تأتي لتؤنسني. تسألني عن الدراسة وأحوال القلب وبلادي التي تسمع عنها الكثير. تحرص الخالة سليمة على أن تطبخ لي بيديها المرتجفتين، وترتب كتبي، وتقشرلي التفاح والإجّاص وتأتيني بالشاي والقهوة والزهورات في كؤوس مزركشة تخرجها من مخابئها العتيقة. بكرم تضع الخالة سليمة قطع الحلوى فوق كتبي وحقائبي ودفاتري. تنزوي غارقة في الأريكة وفي الصمت الطويل. تنظر إليّ دون كلل وأنا منهمكة أمام طاولتي بين كتبي وأوراقي.. ثم تسحبها خطواتها إلى بيتها بهدوء، ثقيلة متأرجحة تحت ثقل العمر والتعب وربما المرض. كل يوم تقص علي أمام قهوة تعدها بعناية أشياء غريبة حدثت لها في شبابها. تصور في جمل منتقاة كيف هجم الأتراك على مدينتهم العريقة، وقتلوا أخاها وعذبوا شباب العائلة، وزرعوا الرعب في حيهم العتيق. تسمّي أحياء ومناطق لم تعد تسمى كذلك. تحكي عن زوجها شديد الولع بالغجريات ولعب «الشيش بيش» كان قاضيا شديد القسوة، نطق بحكم الإعدام على ستة من الناس، شُنقوا كلهم في ساحة المدينة، ثم يضيع نظرها في الفراغ. الخالة سليمة طيبة جدا. تتعلق بي كل يوم أكثر. أنت مثل ابنتي..بل أنت ابنتي. تأخذ يدي تقبلها وتعدّ أصابعي..واحد.اثنان..ثلاثة..يداك صغيرتان!. تمشط شعري، تضع به مشْبكا ذهبيا نادرا تخرجه من خزائنها القديمة
-هدية من عاشق كان يحبني! تتنهد الخالة سليمة. تتأمله مليا في شعري بصمت.
تضع ألبستي في خزانتي نظيفة مكوية معطرة. اكتشفتْ الموسيقى التي أحب، تضع كاسيتات فيروز والفلكلور الجزائري والسمفونيات العالمية، وتنسحب بهدوء وبطء.. كم هي طيبة خالة سليمة. ليتها كانت أمي. ربما هو الله بعث لي بأم.هو يعرف كم عانيت من اليتم والفطام المفروضين. شكرا يا رب! ربما دعوات أبي الصادقة لي بالخير. أبي قريب من الله ودعواته تصل لا محالة.المهم الخالة سليمة أم مثالية..ليتها كانت أمي.. أولادها يحبونها ويزورونها آخر الأسبوع، فيمتلئ بيتها بالأطفال ومظاهر الفرح.
تلمس خالة سليمة رأسي فحاجبي ثم عيني ثم أنفي وتهوي بوجهها المتجعد على جبيني تقبله. تأخذ أصابعي واحدا واحدا وتعد: واحد..اثنان..ثلاثة.يداك صغيرتان.! تمزق تنهيدة صدرها شقين. يحزنني ذلك:
- آه لو بقيت ابنتي على قيد الحياة، لكان لها مثل صوتك، وربما مشيتك، ولكانت لها ابنة مثلك. يغرق نظر خالة سليمة في المجهول. تجهش بالبكاء فجأة. لم يسبق لي أن رأيتها تبكي. كلما اقتربت العطلة وموعد سفري تسوء صحتها. كم يحز في نفسي الشعور بفرح العودة بينما خالة سليمة حزينة. سأعود لرؤية أبي. أحبه. البلاد التي لا يوجد بها تبدو فارغة. غدا سأسافر.
في ذهول تام كنتُ، عندما وقفت خالة سليمة وسط الغرفة مقابلة لي. إنها المرة الأولى التي أراها في مثل هذه الحالة. تقصفني بنظرة غريبة. لم تكن تحمل قهوة أوشايا أوحلوى. فقَدَ وجهها طيبتَه. كنت أحاول أن أستعيد صورته الأولى لأتعرف على خالة سليمة
- سأفضي لك بسرّ..تعبتُ من حمله وحدي أكثر من ستين عاما.لا تخبري به أحدا..وبعد صمت أضافت: - إن أردت فبعد موتي.
كنتُ كمن فقد لسانه واتزانه. خالة سليمة تتكلم بسرعة كمن يتخلص من جسم غريب في حلقه. يخنقه
- اسمعيني جيدا. حينما كنت شابة حديثة الزواج. أصغر الزوجات في العائلة الكبيرة بالبيت الكبير. زوجات إخوة زوجي جميعهن أنجبن الذكور أما أنا فأنجبت بنتا. كنتُ مقصدهن لكل أشكال الإهانة. ظروفنا كانت مختلفة. الحمد لله اليوم تغير العالم قليلا. صمتتْ برهة وكأنها تسترجع عالما ضاجا بالناس والأحداث. كنتُ على عجلة أن أعرف السر وراغبة تجنب معرفته..كنت خائفة.جاء صوتها حادا جريحا.
- كن يتبخترن أمامي. يعايرنني.يتضاحكن من إنجابي للبنت. كنت صغيرة.في زمننا نتزوج صغيرات جدا. كنت أحب ابنتي ولكنني لست أدري كيف قمتُ بذلك الفعل الشنيع. أضافت بصوت مختنق:
- بينما كنت أرضع الطفلة كنتُ بيدي أضربها على رأسها الفتية.ضربات خفيفة تشتد كلما زدن في إيلامي بكلامهن. كنت أريد أن أتخلص من عاهتي.من شماتتهن. يتنادين يا أم امحمد يا أم جابر يا أم أحمد...الضربات السرية الخبيثة تشتد على رأس الرضيعة وتشتد.. وماتت الرضيعة.. أنجبتُ سبعة ذكور بعدها، لكنني مازلت أشعر بجسمها النحيل وأصابعها الصغيرة تعذبني ليل نهار. غرقتْ الخالة سليمة في نشيج.شعرتُ بظلمة لفت الكون حولي.تركتُ الباب مفتوحا وغادرتُ.كنت أتخيلها تأخذ أصابعي وتكسرها واحدا واحدا.تهشم رأسي.تخيلت أمي التي لم أعرفها هل كانت ستهشم رأسي برفق وصمت؟ كانت الطائرة في الجو. وبي حنين عارم لأبي:
- خاتمك جميل هل يمكن رؤيته عن قرب.؟ تجلس سيدة بوجه طيب في المقعد المجاور.أخذت يدي نظرت إلى الخاتم. إنه جميل ..يداك صغيرتان ..واحد اثنان ثلاثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.