أما المجلة الفصلية *الحياة المسرحية* فإنّ لها مكانة خاصة، وإذا لم يكن لها من شيء سوى أنها من أرض سورية فيكفيها قيمة، فكيف وهي تصدر من وزارة ثقافتها وساهم في تأسيسها الراحل الكبير سعد الله ونوس؟، سورية التي تحارب التطرف في ساحات القتال منذ سنوات، هي ذاتها سورية التي تنشر السلام والمحبة من خلال إشاعة الثقافة والفكر والفن سواء ما تنشره وزارة الثقافة من كتب ودوريات أو ما ينشره اتحاد الكتاب العرب حتى لا ننسى ما لجهوده من قيمة. وقد قامت هاتان المؤسستان بجهود في السنوات القليلة الماضية رغم الأزمة ما لم تقم به البلاد العربية الأخرى الثرية والتي لم تمر بأزمة أمنية في عقود. حاليا يرأس تحرير *الحياة المسرحية* جوان جان الكاتب المسرحي والناقد، وتضم في عضويتها أسماء هامة مثل *عبد الفتاح قلعه جي* و*حمدي موصللي* و*محمد بري العواني* وسبق وأن كان في هذه الهيئة الكاتب الكبير وليد إخلاصي، ولا يمكن لعين الناقد المتفحص ولا المهتم بالمسرح أن تخطئ ما لهذه الأسماء من جهود واضحة في المسرح. ويكتبُ بعض الباحثين الجزائريين في هذه المجلة وأذكر أنني نشرتُ فيها مرات عديدة قبل أن أرى نسختها الورقية، حتى التقيتُ بالراحل د. العيد ميراث فإذا به في محاضرة المسرح اليوناني يحضر معه نسخة كان له فيها مقال وهو وعقيلته د.جازية فرقاني، بعدها استطعت أن أحوز على بعض النسخ من المجلة، وتنشر المجلة مقالات ودراسات في المسرح السوري والعربي والعالمي، كما تنشر نصوصا مسرحية عربية أو مترجمة، وقد كانت أعدادها متاحة في موقع *الهيئة العامة السورية للكتاب*، وهو *الموقع الكنز*، ثم أُنشئَ موقع *مديرية المسارح والموسيقا* فأصبحت أعداد المجلة وشقيقتها مجلة *الحياة الموسيقية* -التي أفخر أيضا بالنشر فيها-تظهر فيها تباعا. صحيح أنّ غير هذه المجلة في سورية نفسها ينشر المسرحَ ودراسات عنه ومقالات، إلاّ أنّ الحياة المسرحية قد تكون الوحيدة التي حافظت على خطها الانفتاحي منذ أعدادها الأولى في السبعينات إلى الآن، وإذا كانت بعض المجلات تحكمها *شللية* طاغية، لا تكتب إلاّ هي، ولا تتيح لغيرها من أقلام المبدعين والباحثين أن يدبجوا كتاباتهم في صفحاتها، بل إنّ مجلات ثقافية أخرى تشترط فيمن يكتب لها جنسية بلدها لا قيمة كتابته ولا مشروعية أطروحاته بينما هذه المجلة كانت ولا تزال سورية المنشأ لكنها عربية وعالمية المنحى، تفتح المجال واسعا لكل الحساسيات الإبداعية والنقدية، وربما هذا ليس إلاّ أصلا حافظت عليه المجلة بينما أصبح الحفاظ عليه عند غيرها بدعا من القول. ربما كانت الأزمة الأمنية التي تشارف على نهايتها في سورية سببا في تعطل صدور بعض الدوريات في وقتها المحدد ومنها *الحياة المسرحية* غير أنّ إصرار القائمين عليها على الاستمرار في نهجهم القاضي ببقائها لا يُفهم منه أنه إبقاء للحال على ما هو عليه، ولكنه تأكيد على أنّ سورية التي ناهضت المشروع التكفيري لم تكن تستخدم السلاح وحده كما تفعل بعض الدول في جوارها ولكن بالثقافة، وبالمسرح بشكل خاص، ذلك أنّ المسرح كان دوما ملتقى الأفكار المختلفة والحساسيات المتباينة، بحيث أنّ جماليات الصراع الدرامي الذي يمكن أن نشاهده على الخشبة قد يتمثل بعضا من صراع الإنسان مع الإنسان واقعا وفكرا، والنقد المسرحي، والمرافقة الإعلامية التي ظهرت مع *الحياة المسرحية* في انتباهها للمسرح في سورية والعالم العربي وخارجه تقدم الشهادة الواضحة على أهمية هذا الفن النبيل في ذاته من جهة، وأهميته في القضاء على كل أفكار التطرف في هذا الوقت الراهن بالضبط من جهة أخرى.