بعد أن تمخضت التجاذبات السياسية و السياسوية طيلة خمسة أشهر , عن تشكيل لجنة الوساطة و الحوار المتكونة مناصفة بين السلطة المؤقتة و بين المنتدى المدني, توقع الكثير أن العقدة السياسية التي تشكلت جراء انعدام الثقة بين أطراف الأزمة قد تم تجاوزها , بشخصيات عامة من المفروض أن تحظى بقبول الشارع , خاصة و أن مهامها تقتصر على تقريب وجهات النظر المختلفة حول خريطة طريقة محددة تحظى بدورها بموافقة غالبية الشعب , و تتمثل في تنظيم انتخابات رئاسية بمعايير دولية . غير أن ردود الفعل تجاه هذه الخطوة , أثبتت ما كنا قد حذرنا منه منذ البداية و هو أن الحراك الذي كان شعبيا عند انطلاقته الأولى , سرعان ما استحوذ عليه المتحزبون , الذين يحرصون على تجميع مناضليهم كل جمعة و كل ثلاثاء في ساحات الجزائر العاصمة , لإملاء مطالبهم التي عجزوا عن فرضها على الشعب الجزائري منذ استرجاع السيادة الوطنية و استقلال البلاد . تثير تصريحات المعارضة , حول تشكيلة الجنة المذكورة , العديد من التعليقات , والتعليقات المضادة حتى من طرف مكونات منتدى المجتمع المدني للتغيير , بحيث يبدو ,أنهما, يحتاجان إلى بناء إجماع داخلي بين فرقائهما وتجاوز خلافاتهما, قبل التفكير في إملاء شروطهما على السلطة التي كانت منذ البدء صريحة من حيث النأي بنفسها و بالمؤسسة العسكرية عن المشاركة في الحوار الوطني الذي من المفروض أن يشرف عليه أعضاء هذه اللجنة المتكونة من «شخصيات وطنية مستقلة وغير متحزبة ولا طموح لها في السلطة» - خلافا لشخصيات كان لها ماض و تريد أن يكون لها مستقبل بل وحاضر أيضا لاشتراطهم سلطة مطلقة للأشراف على الحوار ! - , وذلك من أجل تنظيم انتخابات رئاسية في أقرب الآجال واقتراح آليات تنظيمها والإشراف عليها من بدايتها إلى إعلان نتائجها «, وهي المبادرة البسيطة التي يمكنها جمع شمل غالبية الطبقة السياسية حول هدف واحد يعيد أوضاع البلاد إلى مجراها العادي تحت سلطة رئيس منتخب تخول له صلاحياته النظر في جميع مطالب الشعب و الطبقة السياسية و مبادراتها المختلفة التي أنتجتها طيلة نشاطها الحزبي , و ظلت على مدى عقود تساهم بها في المعارك السياسية التي خاضتها منذ تأسيسها. «دموع التماسيح» وحتى إذا استطاعت الأحزاب بمختلف توجهاتها السياسية والإيديولوجية, تجاوز خلافاتها الداخلية والبينية وتوجهت موحدة الصفوف إلى ندوة الحوار الوطني, فإنها ستصطدم بتناقضاتها في الشكل قبل المضمون, من قبيل ما تضعه بعض الشخصيات من شروط لمشاركتها في أي حوار, ومنها علي سبيل المثال, الإفراج عن «المعتقلين السياسيين» ورحيل رموز النظام السابق وعدم مشاركة أحزاب الموالاة في الحوار, كما أن هناك من يرفض الحوار مع السلطة القائمة, ويطالب باستبدالها بسلطة متوافق عليها, بغض النظر عن مدى دستورية وقانونية هذه الشروط , التي يصفها البعض بالتعجيزية , وتهدف إلى تعطيل مسار الخروج من الأزمة إلى أطول مدة ممكنة, خدمة لأجندات يصر أصحابها على إقرار مرحلة انتقالية يتم خلالها وضع دستور ومؤسسات دستورية جديدة تمنحهم حصة من الحكم, لا تمنحها إياهم الآليات الديمقراطية التقليدية. لا شك أن المعارضة بهذه الشروط «التعجيزية» التي تذرف دموع التماسيح «حقوق» المتهمين , وتغض الطرف عن حقوق الضحايا, أرادت أن تكشف , بأنها لم تنضج بما فيه الكفاية, لتنتقل من مرحلة المبادرات غير القابلة للتجسيد, إلى المشاركة في حوار على أرضية صلبة وقابلة للتجسيد في وقت وجيز, خاصة إذا كانت هذه الأرضية من وضع واقتراح سلطة أكدت مرارا أنها لا طموح لها في السلطة . وكما سبق و أن قلنا : «إذا كنتم ممن يؤمنون بالمعجزات , فانتظروا أن تتمخض خلافات الأحزاب الداخلية والبينية , فتلد إجماعا «وطنيا» , لأن الظاهر أن التعصب ليس حكرا على «العصابة « التي تم تحييدها قضائيا , وإنما هناك عصابات أخرى تتأهب لجني ثمار الحراك بأقنعة شتى, منها قناع التباكي على «المعتقلين السياسيين» , بعد العجز عن المرافعة والدفاع عنهم أمام قضاء استعاد استقلاليته ؟«, والغريب أنه حتى عندما ساير رئيس الدولة بعض هذه المطالب»تحت عنوان» إجراءات التهدئة , سمعنا من يعتبر ذلك ضمن الحقوق الدستورية للمواطنين ؟؟؟ و كأنه لم يطلع على مطالب مؤتمر الحوار للمنتدى المدني ليوم 6 جويلية الماضي ؟ فإلى متى تسود «ثقافة الفيسبوك» وعقلية «الڤاع » التي يخيفها شعار «ننتاخبو ڤاع» الذي لا مفر منه عندما «يعياو ڤاع», هذا العام أو العام المقبل , أو الذي بعده , من يدري قد تكتسب السلطة المؤقتة صفة الديمومة ريثما ترفع «قاع الشعارات».