لا تزال آفة البيروقراطية التي تعتبر إحدى مظاهر الفساد الأساسية تنخر أوصال إداراتنا و مؤسساتنا الاقتصادية والمصرفية و تجري فيها مجرى الدم في العروق ، بل أصبحت الشكل الطبيعي للتعامل مع المواطن و المقاول و المريض وأصحاب مختلف المعاملات الإدارية وغيرها ، وإن كان الحراك الشعبي قد أثر على المشهد السياسي ، و كذا جهاز العدالة عبر الحرب المعلنة على الفساد ،فإنه لم يؤثر على أهم مظهر للفساد وهو البيروقراطية. حيث لا تزال مؤسساتنا المصرفية من بنوك ومؤسسات خدمية تسير بمنطق البيروقراطية وكأن شيئا لم يتغير ، ولم تحدث تغييرات في جزائر ما بعد 22 فبراير ،و في هذا الوضع الغريب يظل المواطن هو الضحية الأولى والأخيرة حيث يضطر تحت ضغط حاجته لتلك الوثيقة أو ذلك التوقيع لأن ينتظر كثيرا ، والتردد على الإدارة مرات عديدة ، كما أن نوعية الخدمات المقدمة له في المؤسسات الإستشفائية هي الأخرى بقيت رديئة على حالها لم تتغير باتجاه تحسين و تطوير لتلك الخدمات ،و في نفس السياق تبقى المؤسسات المالية من بنوك ومصارف دون مستوى الخدمة المرجوة و ظلت راكدة على حالها دون أن تقطع خطوة إلى الأمام نحو التحسن والتطور و تقديم خدمات راقية للمتعاملين و المواطنين . إن المطالبة بتحسين الخدمات و الخروج من طوق البيروقراطية يتطلب إعادة النظر في علاقات المشرفين على الإدارة بالمواطنين ، ونسج علاقات جديدة ترتكز على احترام المواطن ،و عدم احتقاره ، و الإساءة إليه بأي شكل من الأشكال ،و تجاوز مفهوم الخدمة العمومية السائد لحد الآن الذي يتعالى فيه الموظف العمومي على المواطنين ، و يمارس البيروقراطية في وضح النهار دون أن يخشى الرقيب والحسيب ،فالمرحلة الحالية تستدعي مراجعة أخلاقيات التعامل في الإدارات و مؤسسات الخدمة العمومية و إحداث القطيعة مع سلوكات سابقة كانت فيها المحاباة نقاط سوداء في ملف الخدمة العمومية المفتوح على كل جبهات الفساد .