يتم إصلاح العدالة وتحقيق الفائدة منها عندما تعتبرها الدولة قطاعا كباقي القطاعات وسلطة تكمّل باقي السلطات وليس سلطة تخضع لها باقي السلطات، أو تُخضِعها سلطة أخرى إلى سلطتها لأنّ القاضي وكل موظفي العدالة في البلاد ليسوا سوى أجراء عند الدولة لهم ما لهم وعليهم ما عليهم كباق القطاعات في البلاد. وتتوصّل الجزائر إلى إصلاح صحيح للعدالة عندما تنزع من ذهن القاضي أو عمّال القضاء بصفة عامة ثقافة " الفوقية " التي تميّز سلوكهم و تبثّ الخوف في المتقاضين وبالتالي الأمر يتعلّق بالاستثمار في القاضي الإنسان قبل تكوينه تكوينا أكاديميا أو قانونيّا وتخسر على القضاة الأموال الطائلة من أجل الرسكلة في الخارج وحشو الرؤوس بكمّ هائل من القوانين و النصوص التنظيمية. فالنزاهة المهنية العطب الثاني لمنظومة العدالة. وبالتالي فإنّ هذه النزاهة بدورها عنصر حسم في الإصلاح. قبل تطوير النصوص القانونية التي تؤسّس على محاسبة القضاة ومتابعة مسارهم المهني و الاجتماعي. الإرادة السياسية محدّدة في عملية الإصلاح، وإن كان الدستور قد أولى للقضاء مساحة خاصة لما لحساسية القطاع في إرساء العدالة الاجتماعية لكن يبقى المشكل يرتبط بقواعد تفسير الدستور ليؤسس لفصل حقيقي بين السلطات وهو الفصل الذي لا نراه إلّا على الورق وتجربة عشرين سنة من الحكم الماضي تؤكد ذلك و قد تستمر الجزائر في هذا الإشكال لأنّه إذا كان حكم قد رحل فطبيعة نظامه لا تزال مستمرة ، و بالتالي حتّى القضاء و من ورائه القضاة موجود بين نارين . وبالتالي إصلاح العدالة في البلاد و على رأسها القضاء مسألة سياسية فالسلطة الحاكمة لا تزال تحتفظ ببعض الأوراق التي توظفها لغايتها عندما يقتضي الأمر ذلك. الإضراب فعل مشروع ما دامت قوانين البلاد تعمل جاهدة على ألّا تحرم الموظف من حقه في التعبير عن احتجاجه و المظالم التي قد تمسّه، ويكون القضاء سلطة فوق السلطة عندما يحرم الموظف فيه من الاحتجاج و الإضراب والمطالبة بالحقوق الاجتماعية و المهنية ، في حين قالت الوصاية أنّها ستقاضي المضربين ولا نعرف التهم غير اللجوء إلى الإضراب (كمبدإ عام) الذي أقرته قوانين البلاد ووزارة العدل تمثل الدولة بطبيعة الحال و بالتالي الاستنتاج المتوصل إليه أنّ الدولة تناقض نفسها. كثيرة هي الورشات التي فتحتها البلاد منذ عشرين سنة من أجل إصلاح العدالة و تحقق ما تحقق لكن العقلية باقية على ما كانت عليه و بالتالي الإصلاح مسّ الهياكل و البنى التحتية و إملاء الصحائف بالقوانين التي في حد ذاتها ليست اجتهادا جزائريا بل استيرادا فرنسيا و الكل يعرف ذلك كما هو الحال في عديد القطاعات. إصلاح العدالة تبنيه السياسة و يتم الإصلاح عندما يقتنع السياسيون في البلاد أنّ العدالة سلطة كباقي السلطات و بالتالي يجب إطلاق سراحها ، فهل ينتبه الحكّام القادمون (رئيسا و حكومة) إلى هذه المسألة ؟