رمضان يلملم آخر أطرافه معلنا المغادرة و معه تُرفع أوراق تؤشّر بالإيجاب لعمل أصحابها ، و تبقى أخرى حبيسة الأرض منعتها ما كسبت أفئدةُ أصحابها من التحليق عاليا .. قبل الشهر وأثناء الشهر وبما أنّ سلوكا شاذا صار لصيقا بذات الشهر وهو منه براء، فقد ارتبط الصوم بالأسواق والسعي في المحلات و الطواف حول المساحات الكبرى التي تجاوز صيتها المساجدَ وزوايا الذِكر بكثير، طابور يبحث عن الزيت وآخر يجري وراء الخسّ وثالث عينه على دقيق الشاميّة ورابع ودّ لو حلب أيَّ ضرع لعلّه يضفر بحليب، وخامس غازل الطماطم وأخواتها عساها تنزل من عرشها ، فتتنازل عن كبرياء لم يكن لها به عهد قبل رمضان لكنّها أبت . أضف إلى ذلك زُمَرَ ناس لا موائد لهم غير ما يتفضّل به عليهم أصحابُ الخير فتراهم يصطفون قرب مطاعم الرحمة بدءا من الخامسة لعلّ حساءً ينساب بين أمعائهم فيدغدغ المعدة الجوفاء من فرط الطوى . ولا نضيف جديدا بالحديث عن المتسولين في وسائل النقل وقرب الحوانيت والبنوك ولدى الجمعيات الخيرية فالكل يشتكي و يريد أن يأكل . وفضّلت أمهات اكتساح كل الأسواق بحثا عن ثمن زهيد لملابس العيد، فلا الرضيع و لا الغلام و لا الفتى آبه بنائبات الدهر التي قصمت كاهل المعيل ِ فالعيد عيد و لابد من ثياب للمضاهاة. كل هذه التضاريس التي تناثرت على تقاسيم شهر رمضان صانعها و بطلها و محرّكها تاجر فضّل أن يكون مضغة في أفواه الجميع بسحته و بجنوحه إلى الحرام في الشهر الحرام ، لعلّه يثري صناديق ماله مع أنّ المال مال اللّه استخلفه عليه .غادرنا الشهر ليعود العام المقبل فهل يدرك التاجر المُسحِتُ رمضان القادم ؟