إنها محنة العنصرية البغيضة التي لا يعترف أصحابها بالآخرين وما يقدمونه لهم من أعمال وتضحيات وستبقى مأساة الكولونيل بن داود وصمة عار في جبين فرنسا وشاهدة على عنصريتها ونكرانها للجميل والإساءة للذين خدموها بإخلاص فعاملتهم باحتقار وازدراء وسيردد الكثيرون تلك العبارة المدوية التي صرخ بها الكولونيل بن داود متألما قبل أن يضع حدا لحياته المليئة بالشجاعة والبطولة والاقدام والذكاء فقد قال كلمته المدوية وذهب((العربي عربي ولو كان الكولونيل بن داود )) إنه أول كولونيل مسلم في الجيش الفرنسي من أصل جزائري ولد في جوان 1837بمنطقة بورشاش قرب وهران وأبوه السعيد محمد بن داود أغا قبائل الدواير (قبائل المخزن) التي تعاونت مع فرنسا وخضعت لحكمها منذ بداية الاحتلال الفرنسي للجزائر سنة 1830م ثم انتقل بن داود الى مدينة الجزائر لمواصلة دراسته في (كوليج أراب)أو المدرسة العربية وفي سنة سنة 1855سجل نفسه في المدرسة العسكرية الشهيرة سان سير بفرنسا كطالب أجنبي وتخرج منها سنة 1858برتبة ملازم وفي السنة الموالية شارك في الحملة العسكرية الفرنسية على ايطاليا كما شارك في الحرب بين فرنسا والمانيا سنة 1870برتبة قبطان التي انهزمت فيها فرنسا ووقع في الاسر وافرج عنه في 1871 ثم رقي الى عقيد او كولونيل في 1889وقد نال الكثير من الأوسمة والألقاب الشرفية منها ميدالية عن مشاركته في حرب ايطاليا ونال الجنسية الفرنسية دون التخلي عن عقيدته الاسلامية ورغم كل هذه الأعمال والالقاب والرتب لم تحمه من التفرقة العنصرية ومنع من حضور حفل استقبال بدعوى أنه عربي وهناك قال كلمته المشهورة ((العربي عربي ولوكان الكولونيل بن داود )ومات منتحرا بمسدسه في أول جويلية 1912م لتذكرنا مسيرته الحربية بالرئيس أحمد بن بلة رحمه الله الذي جندته فرنسا في الحرب العالمية الثانية فهاجمت الطائرات الألمانية موقعهم في ميناء مارساي وهرب الجنود الفرنسيون وبقي هو صامدا مع جندي كورسيكي يواجهها بطلقات المدفع وفي إيطاليا وجد الجنود الفرنسيين محاصرين من الالمان في منطقة جبلية ومنبوذين من البريطانيين والامريكيين فتصدى للالمان فقام بمهاجمة الالمان وفرض عليهم التراجع ونال وسام الشجاعة من الجنرال ديغول لكن ذلك لم يشفع فسجنته فرنسا التي قرصنت طائرة الوفد الجزائري أما مأساة الكولونيل بن داود فتذكرنا بالنهاية المؤسفة للقائد الروماني (سيبيون الأفريقي)الذي انتصر على القائد القرطاجني الكبير حنبعل وتنكرت له روما فقال مقولته المشهورة ((أيها الوطن العاق إنك لن تنال عظامي ))فأوصى أن يدفن خارج وطنه الذي دافع عنه لقد ضحى الكثيرون من أجل فرنسا وتفانوا في خدمتها لكنها كانت تتغنج وتتمنع عنهم لتتركهم في وله وهيام وتصد عنهم لتحتضن أبناءها ففي شريط بثته قناة فضائية صرح أحد الجزائريين الذين غررت بهم فرنسا أن عائلته خدمت فرنسا منذ احتلالها لبلادنا لكنها تنكرت له في النهاية وما يحدث للاعب بن زيمة هذه الأيام يؤكد لنا أن فرنسا ماتزال متمسكة بتقاليدها الاستعمارية العنصرية فبعد كل الذي قدمه للكرة الفرنسية وللفريق الوطني الفرنسي وجد نفسه متابعا قضائيا بتهمة ابتزاز زميل له بشريط فيديو ولم يكتفوا بذلك فاختلقوا له تهمة اهانة النشيد الفرنسي لأنه بصق عند ترديده والذي يكون قد وقع سهوا منه لأننا نعرف أن الرياضيين غالبا ما يستعملون اللبان (العلكة)خلال المقابلات الرياضية لتمنع عنهم العطش فيضطرون الى البصق وتقرر طرد بن زيمة من الفريق الوطني الفرنسي لأمر تافه وسرعان ما تذكروا أنه جزائري فالورد لهم والشوك لنا كما حدث مع زيدان الذي حقق المجد والنصر للكرة الفرنسية ونالت على رجليه كأس العالم وكأس أوربا وكأس القارات ولما وقعت له حادثة النطح للايطالي الذي استفزه تخلوا عنه وقالوا جزائري وها هو اللاعب الفرنسي الأسود يصرح أن العرب والمسلمين في فرنسا يتعرضون للعنصرية وقول إذا أردت التقدم لعمل في فرنسا فعليك أن تخفي اسمك وصورتك لكي لا تقابل بالرفض كما اتهم زهير قدادوش سفير فرنسا بإمارة أندورا بجنوب غرب أوربا وزارة الخارجية الفرنسية بالتمييز العنصري وهو من اصول جزائرية وقال في رسالة شديدة اللهجة وجهها الى لوران فابيوس في 18جوان الماضي ونشرتها مجلة (لوبوان )الفرنسية انه تعرض لتجربة مؤلمة ولتمييز عنصري في قصر الكيدورسي ونشرت اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الانسان بفرنسا تقريرا اشارت فيه الى تنامي ظاهرة العنصرية وتراجع مستوى التسامح منذ اربع سنوات بين كافة طبقات المجتمع