إذا ألقينا نظرة متفحصة على تاريخنا الوطني، وتمعنا في معجمه الثوري، نجد مصطلحاته مستمدة من روح ديننا، ومن تراث التاريخ الإسلامي، ونذكر منها على سبيل المثال: المجاهد، والشهيد، والفداء، والرباط، الغزوة إلخ. ونجدها بالأخص نابعة من الفضاء الجزائري وبيئته المتميزة بحركية التصوف السلوكي من جهة، وإرث الرباطات والمقاومات التي قادها الجزائريون ضد الغزو الإسباني بعد سقوط الأندلس. وقد كان لدخول العثمانيين أرض الجزائر واستقرارهم بها، دور في إثراء هذا المعجم بمصطلحات تركية انتشرت خلال هذا العهد (العثماني)، وأذكر منها: الداي، الباشا، االباي، الآغا، الشاوش، الخوجة، الرايس، القايد، المحلة، المكحلة، الكابوس. السنجاق. وازدادت المصطلحات الثورية مباشرة بعد الاحتلال الفرنسي لبلادنا، وخاصة بظهور المقاومات الوطنية تحت قيادة رجال الطرق الصوفية المنتمين إلى الزوايا التي كانت منتشرة عبر تراب الجزائر. ومن المصلحات المنتجة خلال هذه المراحل: مول الوقت أو مول الساعة، الرماة، الزمالة، البطل، السلطان إلخ... وبعد وعي الجزائريين بمحدودية أسلحتهم أمام الترسانة الحربية لاستدمار الفرنسي، ظهرت مرحلة الحركة الوطنية التي توجت باندلاع ثورة أول نوفمبر، وهي من أخصب المراحل في إنتاج المصطلحات الثورية بالعربية وبالأجنبية المعربة، ومنها: المناضل، الاشتراك، الحبس، الطائرات، القيرة، لاندوشين، التجنيد الإجباري، الزعيم، البياع، الخاين، الحاكم، الشرع لحمر، من جبالنا، الشعب، الوطنية، الحزب، النظام، القيرة، إلخ. لقد أحدثت الثورة التحريرية تغييرا جدريا في بنية المجتمع الجزائري وبفضلها بدأت حياة جديدة لم يعرفها الشعب في عهوده السابقة. وقد أثرتها بمصطلحات كثيرة أفرزتها ظروف قاسية جدا. ورغم حاجتنا الثقافية والعلمية إلى معجم يحدد المصطلحات التي تعمق الفهم بذاتنا الجزائرية، إلا أننا عجزنا عن إنجاز هذا المعجم وبالمواصفات العصرية. والغريب أن المثقفين الفرنسيين من جانبهم، بادروا إلى تأليف المعاجم عن موضوع الاستدمار الفرنسي لشعوب العالم. وتعمل اليوم عدة فرق بحث فرنسية لإعداد مثل هذه التآليف التي تهدف إلى ترسيخ فلسفة الهيمنة الاستدمارية والترويج لها. وأذكر من معاجمهم نموذجا واحدا للتعرف على ظروف وجدية الساهرين على إصدار المعجم الموسوم ب (معجم الاحتلال الفرنسي)، Dictionnaire de la colonisation francaise, Larousse (à) présent. والذي أنجز سنة 2007م تحت إشراف كلود ليوزو (claude Liauzu)، وصدر عن "لاروس"، الدار الفرنسية الشهيرة في أعداد الأعمال المرجعية، وقد شارك في إعداده حوالى 70 كاتب وباحث في مختلف التخصصات، ويحتوي على 646 صفحة تشمل 775 مادة، وتبدأ مرحلته من سنة 1794م إلى غاية الستينيات من القرن العشرين. وكتب المشرف (كلود ليوزو) مقدمة هذا المعجم الذي نجد فيه كل المواد المتعلقة بالمؤسسات والمعالم والأعلام والاكتشافات والقوانين المرتبطة بهذه المرحلة الكئيبة من حياة الشعوب المستعمرة. ومن خلال هذا النموذج، نكشف مرة أخرى مدى حرص المثقفين الفرنسيين على تخليد حقبة "الاستدمار الفرنسي" لشعوب العالم، واشتغالهم المتواصل على كل الحقول لنشر مفاهيمهم في العالم كله. أما بالنسبة إلى الجزائر، وإلى حد الآن، لم يبادر مثقفوها إلى انجاز معجم جماعي وبحرفية النموذج الذي ذكرته آنفا. فهل عجزنا عن تحقيق مثل هذا المشروع لتخليد تضحيات شعبنا بالرغم من كل الوسائل العصرية المتوفرة في الجامعات ومراكز البحث، أم تخوفنا من التعامل مع ذاكرتنا الوطنية المثخمة بالجروح والوقائع المغيبة؟ ولا تفوتنا الإشارة إلى جهد الكاتب والباحث الكبير عبد الملك مرتاض الذي أنجز سنة 1979م، (المعجم الموسوعي لمصطلحات الثورة التحريرية)، الذي يحتوي على تسع وستين (69) مادة، وقد اعتمد في تأليفه على مراجع ومصادر قليلة، واستند كثيرا على ثقافته الموسوعية. ومثل هذه المبادرات الفردية وإن كانت ضرورية لإثراء ثقافتنا بمعجم نحن في أمس الحاجة إليه، إلا أنها تبقى دون الهدف المرجو من هذه التآليف التي تتطلب جهدا جماعيا معتبرا، وبخاصة في مجال إعداد المعاجم المتخصصة. ومهما كانت الملاحظات والنقائص، فالمبادرات الفردية تُعد إضافة لمكتبتنا الوطنية، لذا نتمنى أن تجمع وتدرج ضمن المراجع التي تستند إليها المخابر والمؤسسات العلمية لإنجاز معجم لمصطلحات تاريخنا الثوري، نواجه به الفراغ المهول الذي مازلنا نشكو منه.