الجزائر وقطر تعززان تعاونهما بتوقيع محضر اللجنة المشتركة للتعليم العالي والبحث العلمي    وزير التكوين المهني يؤكد أهمية المرجع الوطني للتكوينات لدعم التوظيف وتحديث القطاع    حماية مدنية: مراد يشرف على حفل تخرج دفعات    وضع الديوان الوطني للإحصائيات تحت وصاية المحافظ السامي للرقمنة    تنس الطاولة : المنتخب الوطني الجزائري يتوج بالميدالية الذهبية حسب الفرق    "كرة القدم : "اتفقنا على أفضل المقترحات لعرضها على المكتب الفيدرالي لتطبيقها الموسم المقبل    وهران : الشروع في ترحيل 390 عائلة إلى سكنات جديدة بأرزيو    عميد جامع الجزائر يتحدث في أكسفورد عن إرث الأمير عبد القادر في بناء السلام    المجلس الشعبي الوطني: بوغالي يجتمع برؤساء الكتل البرلمانية    سوناطراك ومجموعة سهيل بهوان يبحثان مخطط تطوير شركة الأسمدة الجزائرية العمانية    محكمة العدل الدولية: تواصل الجلسات العلنية لمساءلة الكيان الصهيوني بشأن التزاماته تجاه المنظمات الأممية في فلسطين    مستغانم: حجز أزيد من 1.6 مليون قرص مهلوس قادمة من ميناء مرسيليا    بشار..وضع أربعة قطارات لنقل المسافرين حيز الخدمة على خط بشار- العبادلة – بشار    عيد الأضحى: وصول باخرة محملة ب31 ألف رأس غنم قادمة من رومانيا إلى ميناء وهران    غرداية : وفاة 6 أشخاص وإصابة 14 آخرين بجروح في حادث مرور خطير قرب المنصورة    السفير الفنزويلي: العلاقات الجزائرية الفنزويلية نموذج للتعاون المثمر والمتنامي    مجلس الأمن: 120 صراعا مستمرا حول العالم والنازحون قسرا يحلمون بأمل العودة    تشيلي: حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير مبدأ راسخ في القانون الدولي    المركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة : تنصيب الجزائري زهير حامدي مديرا تنفيذيا جديدا    .لتعزيز قدراته المالية ودعم تمويل الاقتصاد الوطني..البنك الوطني الجزائري يرفع رأسماله الاجتماعي ب100 بالمائة    عين تموشنت.. مشروع لربط الحاجز المائي بمنطقة "دزيوة" بمشروع نظام السقي – تافنة    قسنطينة.. إحياء الذكرى ال 64 لاستشهاد البطل مسعود بوجريو    للوقوف في وجه المخططات التي تحاك ضد الأمة..تنويه بدور الجزائر في دعم العمل العربي المشترك    قلعة للتكوين وضمان الجاهزية    الجزائر تسير برؤية واضحة لتنويع اقتصادها وشركائها    تنصيب مجلس وطني للوقاية الصحية والأمن هذه السنة    تطوير الاستعجالات أولوية قصوى ضمن استراتيجية الإصلاح    خطوط مباشرة جديدة نحو إفريقيا وآسيا الشتاء المقبل    عناية رئاسية بالثانويات المتخصّصة    توجيهات لتعزيز الجاهزية في خدمة الحجّاج    الجزائر قوة صناعية صيدلانية في إفريقيا    نجم بن عكنون يعود لقسم النخبة    التحرّك الفوري لفتح المعابر والسماح بإدخال الوقود    120 نشاط في الطبعة الثانية لمهرجان الرياضات    الكشف عن الوجه الهمجي للاستعمار الفرنسي    ليفربول يهدّم قاعدة الإنفاق الضخم بالبريميرليغ    كيليا نمور تحصد المعدن النفيس في عارضة التوازن    إطلاق مسابقة الرواية القصيرة للكاتبات الجزائريات    نحو قراءة جديدة لمسارات التجربة ورهانات الحاضر    تمديد آجال الترشح إلى 15 ماي 2025    شهر التراث: افتتاح معرض "تراثنا في صورة" بالجزائر العاصمة    تأريخ لأسماء من الرعيل الأوّل    دعوة الآباء لتشديد الرقابة على أبنائهم    مطار باتنة الدولي: انطلاق أول رحلة لنقل الحجاج نحو البقاع المقدسة يوم 15 مايو المقبل    قوجيل يهنئ البطلة الأولمبية كيليا نمور لتألقها في كأس العالم للجمباز بالقاهرة    صناعة صيدلانية: وضع حجر الأساس لمشروع وحدة للعلاج بالخلايا قريبا    ربيقة: على جيل اليوم التحلي بإرادة رجال نوفمبر    الجوع القاتل يجتاح غزّة    ندوة علمية بالعاصمة حول مخطوط "كتاب القانون في الطب" لابن سينا    صفية بنت عبد المطلب.. العمّة المجاهدة    وزارة الصحة: لقاء تنسيقي لتقييم أداء القطاع    مولودية وهران تتنفس    انطلاق أشغال الاجتماعات الدورية للمنسقين الإذاعيين والتلفزيونيين ومهندسي الاتصال العرب بالجزائر العاصمة    الجزائر حاضرة في موعد القاهرة    هذه مقاصد سورة النازعات ..    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوّاس سنيقر: فرنسا والمسلمون في سبع سنوات

يُجمع المراقبون للشأن الفرنسي على وجود انحراف سلطوي لافت لدى أجهزة الدولة الفرنسية، والتي باتت تتجاوز وظائفَها وصلاحيّاتها بذريعة الدواعي الأمنية، فارضةً طوقًا خانقًا على المسلمين في هذا البلد. فحكومات الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون المتعاقبة، منذ تولّيه السلطة في سنة 2017، ضيّقت الخناق على المسلمين، ونظرت إليهم بعين الريبة وكأنّهم مواطنون من درجة ثانية. وإلى جملة العوامل التي أدّت إلى تكلّس الجمهورية واحتمائها بالذرائع الأمنية، يعود الباحث حوّاس سنيقر في كتابه "الجمهورية المتسلّطة: إسلام فرنسا والوهم الجمهوري 2015 -2022″، من أجل تحليل أسباب هذا الانحراف وتفكيك مظاهره ونتائجه.
ينقسم الكتابالصادر عن منشورات" بورد دو لو " عام 2022إلى اثنين وعشرين فصلًا، إلى جانب المقدّمة والخاتمة، تتناول جميعُها مظاهر التدخّل المفرط لجهاز الدولة الفرنسي، بما في ذلك قمّة سلطتها، في محاصرة ما تعتبره الجمهوريةُ "أصلَ الشر" ومصدر تهديد لوجودها ومقوّماتها. فمنذ القرون الوسطى، كان يُنظر إلى الإسلام في مغايرة مطلقة تتناقض كلّيًا مع القيم التي تأسّست عليها الأنظمة الزمنية الغربية في الحُكم والتقييم. وممّا زاد هذا التوتر، الربط جزافًا بين الإرهاب والإسلام، والازدراء المبالغ فيه للتشدّد الديني، والذي لم يُنتج إلّا تشدّدًا أكبر وأشمل. كما أنّ الإرث الاستعماري وجروحه وندوبه ما زالت تُشكّل عقدة متواصلة تؤثّر في هذه العلاقة.
يعاين ترهيب مسلمي فرنسا والتضييق عليهم ومعاملتهم كمشتبه بهموهكذا، تتوالى فصول الكتاب لتُحلّل كافّة مكوّنات المشهد السياسي الفرنسي في علاقته بالإسلام، باعتباره عنصرًا ثقافيًا ودينيًا ومكوّنًا لهوية عدّة ملايين من سكّان فرنسا ومصدر القيم لديهم. وهو مشهد شديد التعقيد لأنّه يتألّف من عناصر متباعدة في الزمن، بعضها يعود إلى عقود القرن الماضي وبعضها الآخر إلى المخيال الأوروبي الإسلامي الذي انتسج طيلة القرون الوسطى، والذي سبق للمؤرّخ التونسي، هشام جعيّط، أن فكّكه في كتاب "أوروبا والإسلام" (1978). ولا يزال هذا المخيال يؤثّر في هذه المواجهة المستمرّة بعد أن غدا الإسلام جزءًا لا يتجزّأ من فرنسا ومكوّنًا ديموغرافيًا لا يُستهان به.
كما يُخصّص سنيقر بعض الفصول، مثل الفصلَيْن الرابع والخامس، لوصف "تمشّيه المنهجي" القائم على المقاربة الاستقرائية، حيث لجأ إلى البحث الميداني المكثّف، مستعينًا بأدوات من العلوم السياسية ومناهج علم الاجتماع، لتكون محاولتُه هذه مبنيّة على أسس راسخة.
وتدور بقية الفصول حول العلاقة بين الدولة والقانون والمجتمع في فرنسا إبان العقد الراهن، حيث غالبًا ما يفلت القانون من يد الجهاز ويتحوّل إلى "عصا" أمنية تُرفع في وجه ما تعتبره الدولة تهديدًا لأمنها ولمصالحها، كما سبق وأن حلّل ميشال فوكو هذا "الإفلات". وهذا عين ما حدث في فرنسا منذ 2015، حيث عاين سنيقر الإفراط في استخدام الترهيب وتكميم الأفواه وبسط السيطرة، خاصّة في أوساط المسلمين الذين يُعامَلون كمشتبه بهم حتى يثبت العكس.
كما عاد أستاذ العلوم السياسية في "معهد العلوم السياسية" بمدينة ليون إلى تحليل الخطاب الذي تروّجه وسائل الإعلام وجهاز الأمن ويعتمده الساسة في خطاباتهم ومداولاتهم، وعلى رأسهم وزراء الداخلية، فضلاً عن بعض المثقّفين والإعلاميّين والأكاديميّين، وكلُّهم يتّخذ من الشأن الإسلامي موضوعًا للنظر والتأويل.ويتّضح من خلال تحليله أنّ الريبة هي السائدة، إذ لا يُسمح للإسلام شعائرَومبادئَ بالظهور في الفضاء العام إلّا بالقدر الذي تراه السلطة مناسبًا، وهو مقدار ضئيل يتناقص باستمرار بحجّة التهديد الإرهابي ومخالفة القانون وعدم التوافق مع قيم الجمهورية.
كما شمل تحليل الخطاب بعض ما يُصدره رؤساء الأحزاب والجمعيات والوزراء، وحتى الرئيس، خصوصًا في خطابه بمدينة ميلوز، في الثامن عشر من فبراير 2020، حيث أعاد ماكرون طرح مصطلح "الانفصالية" الغامض، الذي أصبح تهمة قانونية تُوجَّه لأيّ سلوك لا يتماشى مع القوالب الضيّقة التي يرسمها النظام الأمني، وهي معايير اعتباطية تتغيّر حسب الفصول والغايات.
وقد كانت منهجية حوّاس سنيقر في هذا التحليل ترتكز على إظهار التناقضات العميقة التي تكشف ضعف هذه المواقف وتفضح هشاشتها أمام النقد، رغم فرضها بمنطق القوّة والتسلّط.
وفي هذا السياق، يتوافق الكاتب مع تمييز كلود ليفور بين "الدولة" و"السلطة السياسية"، أي بين الجهاز القائم الذي يضمن التماسك الاجتماعي، كما حلّل تجلّياته بعمق المفكّر المغربي عبد الله العروي في كتابه "مفهوم الدولة"، وبين استغلال السلطة السياسية من قبل الحكومة في فترة زمنية معيّنة؛ استغلال قانوني يدعمه سند حزبي وحتى عسكري، لتحقيق أهداف قد تتحوّل إلى إفراط وتسلّط أو حتى استبداد، وهو ما يُمارَس الآن على مسلمي فرنسا، الذين يواجهون تضييقًا متزايدًا، خاصّةً بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023، حيث اختلط التعاطف مع فلسطين ب"معاداة السامية"، وارتبطت هذه الأخيرة بمشاعر معاداة الأمّة وكراهية القيم الجمهورية وحتى الرغبة في الانفصال. وهي انزلاقات خطيرة تتهاوى إلى توصيفها أجهزة الأمن وتستغلّها أحزاب اليمين المتطرّف.
يُحيل هذا الكتاب بكثرة إلى رموز الفكر السياسي والسوسيولوجي الحديث، حيث وفّرت هذه المفاهيم أدوات تحليل علمية لفهم العلاقات بين هذه الظواهر المتشابكة وتفكيكها. لكن يلاحَظ غياب شبه تامّ لتحليل الخطاب والنظريات اللسانية، ممّا جعل الكتاب يفوّت تفكيك معاني المصطلحات المركزية في خطاب المسلمين، مثل "الشريعة"، و"العلمانية"، و"التوافق مع السلطة"، و"التطابق مع التراث" وغيرها، كما يفهمها المسلمون من خلال كتاباتهم وحواراتهم، وكما يوظّفه كلّ طرف من مصطلحات تختزن أيضًا صراعات ومنافسات رمزية.
ولا شكّ أنّ التحليل السياسي كان ليكون أعمق وأثرى لو غُذّي أكثر بتحليل الخطاب في صيغه العربية وتفكيك المفاهيم الفاعلة لدى كلّ طرف.
ومع ذلك، يُعدّ هذا الكتاب موقفًا جسورًا، واجه فيه مؤلّفه انحرافات السلطة السياسية وتوجّهاتها العنيفة بالتحليل العلمي المدعوم بالوثائق، والمستند إلى الوقائع التي جرت في فرنسا منذ عام 2015 حتى اليوم. تُعتبر هذه الانحرافات، التي لم تتوقّف، بل تسارعت وتيرتها بحجّة الحفاظ على السلم الاجتماعي وهيبة الدولة، لصيقةً بأيّ جهاز يشعر بالضعف ويعيش أزمة داخلية، فيلجأ إلى التصعيد الأمني وخنق الحريات لفرض السيطرة وجعل الدولة فوق القانون.
وقد نجح حوّاس سنيقر في تصوير هذا الانزلاق الخطير من دون الوقوع في فخ الالتزام السياسي الضيّق أو الارتهان لمقولات جماعية أو هيئات محدّدة، حيث التزم بحرية البحث وصرامته، مما شكّل حصنًا له ضدّ أيّ تحيُّز. فهل ستكون مثل هذه الكتابات الجريئة قادرةً على التأثير؟ أم أنّها ستؤدّي إلى تشديد الخناق أكثر، بدعوى أنّ البحث العلمي قد "تأسلم" هو الآخر وصار بأيدي باحثين قد يُرمون بالتشكيك في قيم الجمهورية؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.