المغرب: تطبيع المخزن مع الكيان الصهيوني "نكبة حقيقية" للشعب المغربي    ثقافة: افتتاح الملتقى الوطني للناشرين الشباب بالجزائر العاصمة    تمديد آجال الترشيحات للمسابقة الوطنية للقراءة "فرانز فانون" الى غاية 30 يونيو المقبل    الدورة ال 78 للجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية: وزير الصحة يلتقي نظيره الصيني    طاقات متجددة: عرقاب يتباحث آفاق التعاون مع المدير الإقليمي لمعهد النمو الأخضر العالمي    وزير الاتصال يعزي في وفاة الصحفي نور الدين عزوز    تبسة: انطلاق الطبعة ال17 للصالون الوطني للفنون التشكيلية    الرئيس الصحراوي يؤكد حرص جيش بلاده على استكمال مهامه رغم مؤامرات الاحتلال المغربي و أجندته التخريبية    اجتماعات البنك الإسلامي للتنمية بالجزائر: إطلاق منصة إلكترونية لتعزيز التعاون جنوب-جنوب    البطولة الإفريقية للشطرنج فردي : تتويج الجزائري بلال بلحسن باللقب القاري    مجلس الأمة: ناصري يترأس اجتماعا تنسيقيا تشاوريا مع رؤساء المجموعات البرلمانية    ستة فائزين يتوجون بجائزة رئيس الجمهورية للباحث المبتكر    هل بدأ العدّ التنازلي لسقوط حكومة نتنياهو؟    تطورات سياسية غير مسبوقة    تجند من أجل ضمان جودة الخدمات المقدمة للحجاج الجزائريين بفنادق مكة    كرة الجرس: ناديا الظهرة لمستغانم و النجم الساطع لبوفاريك يمثلان الجزائر في موعد إسبو بفنلندا    وزيرة السياحة: الدولة تولي أهمية قصوى لتهيئة مواقع التوسع السياحي وتعزيز الاستثمار بالنعامة    حوادث المرور: وفاة 29 شخصا وجرح 1322 آخرين خلال أسبوع    جمباز: وزير الرياضة يشيد بمسيرة البطلة الاولمبية كيليا نمور ويشجعها على المواصلة    الوزير الأول يشرف على حفل منح جائزة رئيس الجمهورية للباحث المبتكر    سفير الفاتيكان: العلاقات مع الجزائر ستتوسع لتشمل مجالات إنسانية واجتماعية    وزير المالية: الجزائر شهدت تحسناً في مناخ الأعمال وتتطلع للاستفادة من تجارب البنك الإسلامي للتنمية    الجزائر تشارك في الدورة ال78 لجمعية الصحة العالمية بجنيف: تأكيد على التزامها بالأمن الصحي العالمي    عمراوي في ذمة الله    سونلغاز تعتزم استثمار 650 مليار دينار    النتن يتمسّك بإبادة واحتلال غزّة    هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضاحي    استشهاد 10 فلسطينيين إثر قصف الاحتلال الصهيوني لخيمة نازحين في غزة    219 شهيداً صحفياً وعاملاً بقطاع الإعلام    زي تقليدي عريق يعكس الأصالة المتوارثة    الاحتلال يقتل 98 فلسطينيا يوميا    خنشلة : أمن دائرة ششار يوقف شخص بحوزته كمية من المصوغات محل سرقة    الجزائر سترد على التصرف المريب لفرنسا بشأن التأشيرات    إقبال كبير على أكسسوارات البلاكيور    وزارة الاتصال تفنّد معلومات كاذبة ومغرضة منسوبة للوزير    استعراض فرص التعاون بين المؤسّسات الإعلامية في البلدين    عين اسمارة تستفيد من مشاريع جديدة    نحو تحقيق إنتاج قياسي من الحبوب    بلايلي يقود الترجي للمربع الذهبي    تجمع "جزائري إيطالي" لصناعة اللواحق البلاستيكية للمركبات    اختتام تظاهرة ريادة الأعمال لدى الأطفال    "أشير".. مدينة أثرية بحاجة لنفض الغبار عنها    آجال تفعيل الحسابات وتحميل ملفات "عدل 3" تنتهي اليوم    توديع مميز من هيرتا برلين للنجم مازة    مانشستر سيتي يجدد رغبته في ضم آيت نوري    تكامل الاختصاصات لمواجهة سرطان الغدة الدرقية    الدورة ال78 لجمعية الصحة العالمية: الجزائر تشيد بالمبادئ التي تضمنتها معاهدة الوقاية من الجوائح    "الطيارة الصفراء" تنال جائزة "البلارج الذهبي"    احتفاء بالتراث بلمسة تحاكي التاريخ    ما الذي يفعله الزوجان إذا دبّ الخلاف بينهما؟    عادات تتمسك بها العائلات لتوديع الحجاج    الاستغفار .. سر السكينة ومفتاح الرزق ومغفرة الذنوب    ..لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك    الأذكار المستحبة في العشر الأوائل من ذي الحجة    دلس: تدشين معلم تذكاري تخليداً لطلبة التحقوا بالثورة التحريرية    فيلم "الطيارة الصفراء"    الرئيس يُهنّئ بن عكنون والرويسات    الشبيبة تسقط أمام الساورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل بدأ العدّ التنازلي لسقوط حكومة نتنياهو؟
نشر في الحياة العربية يوم 20 - 05 - 2025

ترامب بدأ يدرك أنّ نتنياهو أصبح أسيراً لأكثر العناصر تطرّفاً في الحكومة التي يرأسها حالياً، وأنّ هذه العناصر تتبنّى سياسة تتناقض كلياً مع المصالح الأميركية، ولا تلقى ترحيباً من جانب الرأي العامّ في "إسرائيل".
يفاخر ترامب بأنه الرئيس الذي قدّم ل "إسرائيل" ما لم يستطع أيّ رئيس أميركي آخر أن يقدّمه، وهذا صحيح. فخلال فترة ولايته الأولى قام ترامب بما يلي:
نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة أبدية موحّدة ل "إسرائيل".
الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
طرح رؤية أميركية تستهدف تصفية القضية الفلسطينية (صفقة القرن). ممارسة ضغوط هائلة لحمل دول عربية ليست في حالة حرب مع "إسرائيل" على تطبيع علاقتها ب "إسرائيل" قبل التزام الأخيرة بقيام الدولة الفلسطينية (اتفاقات أبراهام)، وذلك في انتهاك صريح للمبادرة التي أقرّتها قمّة بيروت العربية عام 2002.
الانسحاب من اتفاق دولي كانت الولايات المتحدة قد وقّعت عليه لمنع إيران من تطوير برنامجها النووي السلمي إلى برنامج عسكري (اتفاق 5+1 الذي وقّعه أوباما عام 2015 وانسحب منه ترامب عام 2018).
ولأنّ ذلك كلّه تمّ في وقت كان فيه بنيامين نتنياهو رئيساً للحكومة الإسرائيلية، فقد كان من الطبيعي أن يكون أكثر الزعماء تحمّساً لعودة ترامب إلى البيت الأبيض في فترة ولاية ثانية، خصوصاً وأنّ "إسرائيل" كانت تخوض في ذلك الوقت حرباً يعتبرها وجودية، وكان هو يواجه مأزقاً شخصياً يدفعه لمواصلة الحرب كوسيلة للهروب إلى الأمام.
لم ينتظر نتنياهو نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية كي يتقدّم بالتهنئة لمن يفوز فيها، كما جرت العادة، وإنما بادر إبّان الحملة الانتخابية نفسها بالتعبير علناً عن مساندته لترامب، رغم ما قد ينطوي عليه ذلك من مغامرة غير محسوبة العواقب، ثم كان أوّل المسارعين بتقديم التهنئة له، حين تبيّن أنه فاز فيها، متصوّراً أنّ عودة ترامب إلى البيت الأبيض ستساعده ليس على الخروج من مأزقه الشخصي فحسب، وإنما أيضاً على تمكينه من تحقيق كلّ طموحاته لكي يصبح هو الملك المتوّج ل "دولة يهودية كبرى" تمتد من النيل إلى الفرات.
غير أنّ الرياح سارت بما لا تشتهي سفن نتنياهو، فقد بدأ ترامب يمارس مؤخّراً سياسات لا تختلف فحسب عن توقّعات نتنياهو، ولكن قد تؤدّي أيضاً إلى تفكّك حكومته وسقوطها، بل وربما تفضي به إلى غياهب السجن في نهاية المطاف.
والواقع أنّ من يتأمّل سياسات ترامب الشرق أوسطية، منذ عودته إلى البيت الأبيض وحتى الآن، فسوف يكتشف أنها تتسق تماماً ليس مع الانحيازات المسبقة مع المصالح الإسرائيلية فحسب، وإنما أيضاً مع إعجابه الشديد بنتنياهو على المستوى الشخصي. صحيح أنّ ترامب أصرّ على ضرورة التوصّل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار قبل أن يدخل هو إلى البيت الأبيض، وهو ما تمّ بالفعل يوم 19 يناير، ومن ثم بدا وكأنه أرغم نتنياهو على القبول باتفاق لا يرضى عنه، غير أنّ مواقفه اللاحقة لا تستبعد وجود تفاهمات مسبقة بينهما حول هذه الخطوة التكتيكية.
فقد كان واضحاً لترامب منذ البداية أنّ نتنياهو ينوي الخروج من الاتفاق في نهاية مرحلته الأولى، رغم أنّ الاتفاق يلزمه بالدخول خلال هذه المرحلة في مفاوضات تستهدف التوصّل إلى وقف دائم لإطلاق النار، ويلزم الوسطاء بضمان تواصل هذه المفاوضات إلى أن تكلّل باتفاق نهائي حول القضايا المعلّقة، ومع ذلك لم يفعل ترامب شيئاً لمنع نتنياهو من استئناف القتال، رغم أنّ الاتفاق يلزمه بذلك، بل وذهب إلى حدّ منحه ضوءاً أخضر للتصرّف كما يحلو له، بما في ذلك "فتح بوابات الجحيم" على حماس، ما يفسّر قيامه بإلغاء حظر كان بايدن قد فرضه على أنواع معيّنة من الذخيرة، وحديثه عن تهجير الفلسطينيين وتحويل قطاع غزة إلى "ريفييرا".
وعندما تبيّن لترامب أنّ جماعة أنصار الله تؤدّي دوراً مؤثّراً ومعرقلاً للخطط الإسرائيلية، لم يتردّد في توجيه ضربات عسكرية مباشرة لليمن استمرّت لأسابيع. وتلك كلّها مؤشرات توحي بأنّ ترامب بدا عقب دخوله البيت الأبيض مباشرة مستعداً لتقديم دعم مطلق لنتنياهو مهما بلغ تطرّف حكومته.
غير أنه يتعيّن الانتباه إلى أنّ هذا الدعم غير المشروط ارتبط بسقف زمني محدّد، هو موعد زيارة ترامب للمنطقة، وبقضية بعينها، هي قضية الحرب على غزة، تعيّن على نتنياهو أن ينجز خلال المهلة الممنوحة له مهمة أميركية إسرائيلية مشتركة هي القضاء على حماس واستعادة جميع الرهائن. وحين بات واضحاً أنّ نتنياهو لن يستطيع إنجاز هذه المهمة، لا خلال المهلة الممنوحة له وإنما خلال الأفق المنظور أيضاً، بل ويسعى لتسخير القدرات والإمكانات الأميركية في خدمة أهدافه ومخططاته الشخصية.
شعر ترامب بأنّ نتنياهو يتلاعب به، ومن ثم قرّر فكّ الارتباط بين السياسة الخارجية لدولة عظمى تتمحور حول شعار "أميركا أولاً" وتسعى لاستعادة مكانة وهيبة الولايات المتحدة في نظام دولي يتسم بحدة المنافسة بين أقطابه الكبار، وبين سياسة نتنياهو الرامية إلى تجنّب سقوط حكومته المتطرّفة بأيّ ثمن، حتى ولو تطلّب الأمر مواصلة الحرب إلى ما لا نهاية.
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ نتنياهو كان قد حقّق، حتى قبل دخول ترامب إلى البيت الأبيض، إنجازات مهمة على مختلف الجبهات. فعلى الجبهة الفلسطينية تعمّد تدمير قطاع غزه وإحالته إلى مكان غير قابل للحياة، وتمكّن من قتل وجرح ودفن تحت الأنقاض ما يقرب من مئتي ألف فلسطيني، وراحت تداعبه أحلام بإعادة احتلال القطاع بعد تهجير كلّ سكانه، ثم استدار إلى الضفة الغربية وراح يعمل في مخيماتها ومدنها هدماً وتدميراً ويحلم بضمّها إلى "إسرائيل" بعد تهجير سكانها.
وعلى الجبهة اللبنانية تمكّن من إلحاق دمار واسع بالبنية التحتية للجنوب اللبناني، ما أدّى إلى خروج حزب الله من مسرح العمليات العسكرية المساندة لفصائل المقاومة الفلسطينية، ومن ثم إلى وقوعه تحت ضغوط داخلية متصاعدة تطالب بنزع سلاحه. وعلى الجبهات الأخرى، تمكّن من تبادل الضربات العسكرية المباشرة مع إيران التي تمكّن من إخراجها نهائياً من الساحة السورية، خصوصاً بعد سقوط النظام السوري الحليف، ما أدّى إلى قطع التواصل بين إيران و"محور المقاومة" الذي تقوده، كما تمكّن من تبادل الضربات العسكرية المباشرة مع جماعة أنصار الله، على الرغم من أنه لم ينجح في ردعها أو في إخراجها من معادلة الصراع حتى الآن.
ولأنّ هذه النتائج لا تتعارض بالضرورة مع الأهداف التي يسعى ترامب لتحقيقها في منطقة الشرق الأوسط، فقد قرّر ترامب في البداية ليس منح نتنياهو مزيداً من الوقت لاستكمال تحقيق أهدافه فحسب وإنما مساعدته أيضاً، برفع الحظر الذي كان بايدن قد فرضه على تصدير بعض أنواع الذخائر وإطلاق يده للعمل في غزة بالطريقة التي يراها. غير أنّ نتنياهو فشل في القضاء على حماس، وفشل في استعادة الرهائن، ثم راح يغطّي فشله ويحاول الهروب إلى الأمام عبر توسيع نطاق العمليات العسكرية، في وقت كان فيه ترامب يستعدّ لزيارة المنطقة، وكانت الجبهة الداخلية في "إسرائيل" تغلي وتطالب ترامب بالتدخّل للمساعدة على الإفراج عن الرهائن. هنا أدرك ترامب أن نتنياهو يتلاعب به وأنه يستخدمه غطاء لتحقيق طموحاته الشخصية، ومن هنا قراره بفكّ الارتباط مع حكومة نتنياهو عبر الخطوات التالية:
التفاوض مع إيران من دون تنسيق مسبق مع نتنياهو.
التوصّل إلى اتفاق مع جماعة أنصار الله، عبر وساطة عمانية، يلزم الولايات المتحدة بوقف عملياتها العسكرية في اليمن مقابل التزام الجماعة بوقف هجماتها على السفن الأميركية وحدها، وليس على "إسرائيل" أو السفن المتجهة إليها.
إبرام صفقة منفردة مع حماس، من دون علم نتنياهو، تمّ بموجبها الإفراج عن أحد الرهائن الحاملين للجنسية الأميركية.
ربما يكون من السابق لأوانه تحليل كلّ التداعيات المترتّبة على التوجّهات الجديدة لسياسة ترامب الشرق أوسطيّة، ومن المسلّم به أنها لن تؤدّي إلى تغييرات جوهرية في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، خصوصاً وأنّ التزام ترامب بأمن ومصالح "إسرائيل" ثابت لا يتزعزع. غير أنّ ترامب بدأ يدرك بوضوح أنّ نتنياهو أصبح أسيراً لأكثر العناصر تطرّفاً في الحكومة التي يرأسها حالياً، وأنّ هذه العناصر تتبنّى سياسة تتناقض كلياً مع المصالح الأميركية في المنطقة، ولا تلقى في الوقت نفسه ترحيباً من جانب الرأي العامّ في "إسرائيل".
فأكثر من 70% من الناخبين الإسرائيليين، وفق آخر استطلاعات الرأي العام، لا يثقون الآن في نتنياهو ويعتقدون أنّ لديه مصلحة شخصية في إطالة أمد الحرب خوفاً من تفكّك وسقوط حكومته، وبالتالي من ملاحقته قضائياً بتهمة الفساد وملاحقته سياسياً بتهمة الفشل في حماية أمن "إسرائيل" ومنع هجوم "طوفان الأقصى".
لذا فقد ترامب بدأ يدرك بوضوح أنّ نتنياهو أصبح أسيراً لأكثر العناصر تطرّفاً في الحكومة التي يرأسها حالياً، وأنّ هذه العناصر تتبنّى سياسة تتناقض كلياً مع المصالح الأميركية في المنطقة، ولا تلقى في الوقت نفسه ترحيباً من جانب الرأي العامّ في "إسرائيل". من دون أن يتهم بالتخلّي عن "إسرائيل". ولأنه يصعب أن تقبل حكومة يتحكّم فيها أمثال بن غفير وسموتريتش، بأيّ وقف جديد لإطلاق النار أو بإدخال مكثّف للمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، يمكن القول إنّ العدّ التنازلي لسقوط هذه الحكومة بدأ بالفعل.
الميادين. نت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.