آمنة بولعلوة في ظل تفشي الطلاق وارتباط الزواج بجملة من المسئوليات التي تحد الطموح المهني للشاب والفتاة، لم يعد حلم الزواج يداعب خيال نسبة كبيرة من الشباب الجزائري، إلى درجة أن العزوبية تحولت إلى خيار حياتي لا يقبل هؤلاء التضحية به. اختيار العزوبية وتأخير مشروع الزواج إلى أجل غير مسمى، صار من سمات الجزائريين،خاصة منهم المقيمين بالعاصمة، حيث اجتمعت عدة أسباب واعتبارات جعلت هذا الرباط المقدس بعيدا عن أولويات الشباب. على غرار انعدام الإمكانيات المادية، وهي حجة معظم العازفين عن الزواج في الجزائر، وعلى الرغم لما لهذا الجانب من أهمية، إلا أنه غير كاف لثبط عزيمة الراغب حقيقة في إكمال نصف دينه، حيث أرجع الكثير من الفاعلين في المجتمع المدني السبب الأساسي لشيوع ظاهرة اختيار العزوبية وتأخر سن الزواج إلى تغير ذهنيات الجزائريين وتأثرهم بثقافات غريبة ودخيلة عن أعرافنا وديننا الحنيف. يقول سليم 41 سنة إطار في أحد بنوك الجزائر: "تأخرت في أخذ قرار الزواج ولازلت متخوفا من اتخاذ هذه الخطوة المهمة في حياتي، بسبب طموحاتي الكبيرة وانشغالاتي خارج البيت، وعلى رغم مرور كل هذه السنوات من عمري، لا أجد في نفسي الاستعداد الكافي للاستقرار والإقدام على خطوة الزواج، وكأن الأمر تحول إلى حالة نفسية بحتة" . أما ريما التي تجاوزت عتبة ال 38 وحققت كل طموحاتها المادية، لازالت تلهث وراء تحقيق المزيد من المكاسب وتؤجل مسألة الارتباط: "أجد نفسي غير مستعدة نفسيا لتغيير نمط حياتي ولا بتحمل مسئولية بيت وزوج وأولاد، تعودت العيش بحرية والسفر متى ما شئت، وأخشى أن يكبلني الزواج بالقيود والمسئوليات، لذا اعتبره خطوة مؤجلة إلى أن أشعر بالحاجة إلى الاستقرار. حالات كثيرة ومطابقة لريما وسليم، خاصة من جنس الرجال، لأن المرأة كثيرا ما تخشى من فوات قطار الزواج، الأمر الذي لا يحسب له الرجال حسابا في مجتمع لا ينعت الذكور بما ينعت به الإناث (العوانس) ويرفض إطلاق التسمية الجارحة على النساء، على رغم أنها كلمة دخيلة لغويا ولا معنى لها، إلا أنها تحولت ومنذ عقود إلى اصطلاح اجتماعي بالإجماع، يشير إلى انتهاء الصلاحية لدى الإناث". في حين أكدت منى 37 عاما، أنها مرغمة على العزوبية وليست بطلة، لأنها لم تختر أن تبقى عزباء وهي على عتبة الأربعين، إلا أن عزوف الشباب عن الزواج هو ما أوقعها هي ومثيلاتها ممن تعدين سن الزواج في فخ العنوسة رغما عن إرادتهن. "يعمل معي الكثير من الشباب الذين تجاوزوا سن الأربعين، ومع ذلك لا يفكرون في إتمام نصف دينهم، لأنهم آنسوا الحياة العزوبية والعلاقات غير المشروعة يقيمونها بكل حرية في ظل تفتح ذهنيات نسبة لا يستهان بها من الفتيات الجزائريات، سامحهن الله لأنهن السبب في وقف حال بنات العائلات". وأضافت "لو التزمت الفتيات بالسلوك القويم لما انتشرت العزوبية بهذا الشكل، لأن بعض الرجال يكتفون بالعلاقات العابرة، ويهربون من مسئولية الزواج والبيت والأولاد. من جهة أخرى أرجع سيد علي أسباب العزوف عن الزواج إلى حالات عاشت طفولة تم فيها تعنيف الأب للأم أو كللت بفشل في العلاقة الزوجية، مما يؤدي إلى توليد فكرة العزوف عن الزواج. وكذلك الحالات التي تتعلق بالاغتصاب في الطفولة في صفوف الفتيات فيعزفن عن الزواج عند الكبر. وختم سيد علي بالقول: "أنصح المصابين بالخوف من الزواج، بالإقدام على استشارة المختصين النفسانيين أو أخصائيين في العلاقات الزوجية، فقد نجحت حالات التدخل بالنسبة لرجال فاق عمرهم الخمسين سنة وتزوجوا وأنجبوا أبناء. أما نصيرة فتقول:" كون المجتمع ذكوريا قائما على التمييز الجنسي، لذلك فهو يعتبر أن الرجل إذا لم يتزوج فهذا يعود إلى قرار اتخذه بعدم الزواج. أما الفتاة إذا لم تتزوج فلأنها غير مرغوب فيها، ولذلك فهي عانس وهي صفة فيها من التبخيس والتقليل من الشأن والتصنيف الاجتماعي، لذلك فالمجتمع يكيل بمكيالين في هذه النقطة. وأضافت "يعيش العازف عن الزواج حياة تطغى عليها الفردية والأنانية، فهو يعيش لنفسه لا يفكر في الآخرين، ولا يضحي من أجل الآخرين، ومع الوقت تترسخ هذه القيم عنده وتتخذ الحياة معنى لا مكان فيها للآخر، فتزداد أنانيته ويزداد اهتمامه بنفسه، وهذا يؤثر على استقراره النفسي وعلى توازنه، كما يؤثر على علاقته مع الآخرين، ومع ذلك الظاهرة في توسع مستمر، مما ينعكس سلبا على كيان المجتمع.