تعود علاقة الإعلامي الدكتور ساعد ساعد بالكتابة إلى تسعينات القرن الماضي، أين عمل في عديد الصحف الوطنية، على غرار الشعب، اليوم ،الوسط والشروق، كما كانت له تجارب مع الصحافة الأجنبية، حيث عمل مراسلا للشرق القطرية وغيرها، ثم التحق بقناة إقرأ في لبنان، وهو اليوم مدرسا للإعلام بجامعة الملك خالد بالسعودية. في هذا الحديث مع " الحوار " يدعو الدكتور ساعد ساعد الأسرة الإعلامية الجزائرية إلى العمل بجد على التأسيس لممارسة صحفية بعيدة عن التخندقات السياسية، مؤكدا على ضرورة تحديد العلاقة بين ملاك المؤسسات الإعلامية والصحفيين. حاوره: نبيل/ ع
لو تحدثنا عن بداياتك في مجال الإعلام؟ علاقتي بالكتابة تعود إلى التسعينات، فقد كتبت عشرات القصائد والخواطر والمقالات، أما في مجال الإعلام فكانت بدايتي مع منتصف التسعينات وأنا طالب في الجامعة قسم الإعلام، ومررت بعدها كأي صحفي على عدة صحف يومية وأسبوعية بداية من (الشعب ، اليوم ، ، كل الدنيا ، الوسط ، أخبار الأسبوع ، الشروق، الجزائر الجديدة ) وكانت لي تجربة من الصحافة العربية مراسلا للشرق من قطر، ثم تجربة في مجال السمعي البصري مع قناة بيئتي بالأردن ومصر ثم مع قناة اقرأ في لبنان، ليستقر بي المطاف مؤسسا لمركز التدريب الاعلامي سنة 2004 وهو أول مركز مغاربي وجزائري متخصص في إعادة رسكلة الصحفيين، وتدريب طلاب الاعلام على الممارسة الصحفية الميدانية، والحمد لله وفقني الله أن أجمع بين العمل الأكاديمي في الجامعة والعمل الصحفي الميداني والكتابة الصحفية، إلى جانب ذلك ساهمت بقسط بسيط في تأليف أربعة كتب في الاعلام منها طبعات بالجزائر وطبعات بمصر، وحاليا أكتب عمود بصحيفة سعودية والحوار الجزائرية والتقييم الأخير للقراء والمهتمين، فما أنا إلا رقم بسيط في الاعلام الجزائري.
كيف تقيم المشهد الإعلامي في الجزائر؟ لا يختلف اثنان من أن الإعلام الجزائري يتطور مقارنة بالمرحلة التي عايشناها نحن أيام الحل الأمني، ولكن هذا التطور مرتبط بمخاض عسير تعيشه أسرة الإعلام على مستوى علاقة الصحفيين بمالكي المؤسسات الإعلامية ، وبيئة الإعلام الحالية التي هي محتاجة إلى إعادة ضبط بين الإعلامين أنفسهم قبل الحديث عن علاقة السلطة بالإعلام، لأن الذي يصنع النجاح والتفوق والبناء هم أهل الإعلام أنفسهم، وهم من يرسمون مستقبل الإعلام في الجزائر، بعيدا عن المقاربات القانونية التي تشرعها السلطة.
هجرة الأقلام الصحفية في رأيكم، منحة أم محنة؟ تحول الأقلام الجزائرية نحو العمل في الخارج يندرج ضمن التطور الذي يعرفه قطاع الاعلام في الجزائر، ولا يمكن أن نفصل جهود الزملاء في الخارج عن جهود الأقلام في الداخل، بدليل أن نجاحهم في الخارج يحسب لأسرة الاعلام الجزائرية كاملة، وتختلف أسباب كل شخص للسفر والهجرة، فهناك من عايش المضايقة وهناك من وجد فرصة ليطور آدائه، وهناك من يبحث عن توفير دخل مادي أكثر، لأن العمل في الصحافة الجزائرية ليس خيارا لمستقبل هادئ ، ولا يضمن لقمة العيش المحترمة، ناهيك عن ضغوط العمل والمتابعات القضائية.
ماذا لمستم من فروقات بين الجزائر والخليج في الحقل الإعلامي؟ الاعلام في الخليج يمتلك إمكانيات هائلة، ويوفر مناخ العمل بشكل أحسن مقارنة بالجزائر، وهو خليط تجارب لعدة دول عربية وغربية ، ومن ثم الاحتكاك بالطاقات الإعلامية مهنيا وأكاديميا يعتبر إضافة نوعية ، ولاشك أن تجارب الاستثمار في الإعلام في دول الخليج تعتبر تجارب رائدة، وهناك توجه الآن لفتح عشرات القنوات التلفزيونية والصحف الورقية والالكترونية ، ومعاهد الإعلام ومراكز تدريب لتطوير الآداء وتحسينه حتى وإن كان بعضها مرتبط بمفهوم الدولة والمجتمع وحتى القبيلة، ولكن يبقى هامش الحرية مقيد إلى درجة ما، رغم قناعة بعض قادة الرأي أن المجتمع في حاجة لاستقرار وبناء وتوعية، ولكل مجتمع خصوصياته وتراكماته الثقافية، فقد تكتب مقالا يحدث ضجة في الجزائر ولا أثر له في الخليج والعكس صحيح.
استفحلت ظاهرة البزنسة في الإعلام الجزائري، مارأيكم؟ ظاهرة البزنسة في الإعلام موجودة في كل دول العالم، حتى في الدول الغربية كأمريكا وبريطانيا، ولكن هناك إجماع في أخلاقيات العمل الصحفي أن يكون المالك أو القائم على المؤسسة قريب لأسرة الاعلام، إن لم يكن منها ومارس العمل الصحفي، في الجزائر الوضع شيء آخر فهناك تجاوزات كبيرة في قانون الإعلام فالكثير من المؤسسات الإعلامية يقف وراءها تجار ليس لهم علاقة بالوسط الإعلامي، وهدفهم الدفاع عن مصالحهم التجارية المتنوعة من خلال الخط الافتتاحي للمؤسسة، وفي الأخير تضيع حقوق الصحفيين، لأن التاجر والمالك لا يدرك اهتمامات وتوجهات الصحفيين، وبالتالي يقع التصادم كما حدث في الكثير من المؤسسات، وبالتالي على المشرع الجزائري أن يقنن هذه العلاقة حفاظا على مصالح الصحفيين بالدرجة الأولى.
ما هو مستقبل الصحافة في الجزائر؟ مستقبل الصحافة في الجزائر مرهون بالصحفيين أنفسهم ، فإن هم نظموا أنفسهم ووضعوا أدبيات لعملهم من خلال مدونة يتفق عليها الجميع تؤسس للعمل الصحفي حسب كل قطاع وتخصص، بعيدا عن الحساسيات والمواقف السياسية والحزبية، يومها يمكن الحديث عن مستقبل للصحافة في الجزائر، لأنه رغم فتح قنوات فضائية وصحف جديدة ومتجددة، في قائمة الانتظار قنوات ومؤسسات أخرى، الآن إن وضع الصحفي يراوح مكانه اجتماعيا واقتصاديا ومهنيا، وحتى في التشريعات القانونية، فمن غير المعقول نتحدث في القرن 21 عن ضمان اجتماعي ومطالب لإسكان الصحفيين وأجرة البعض لا تتعدى 50 ألف دينار جزائري (3000 أورو) ..أمر لا يصدق هنا في الخليج، فبمالك في الدول الغربية، التي تجاوزت منذ زمن هذه المطالب إلى الحديث عن المدن الإعلامية وشركات الأسهم للصحفيين، ومراكز بحث ومنح لتطوير الآداء، والتخطيط لنيل الجوائز الدولية، والدفاع عن قضايا المجتمع والانتصار للقضايا العادلة.