بوعلام غمراسة، المعروف بحميد يس، عمدة من عمداء الصحافة المكتوبة في الجزائر، وقلم سيال في جريدة "الخبر"، وقدوة للكثير من الصحفيين على المستوى المهني وأيضا على المستوى الشخصي، ساهم بكتاباته الجريئة التي تجول فيها بين المواضيع الأمنية وبين قطاع العدالة وقضايا الفساد، في إماطة اللثام عن الكثير من القضايا التي شدت إليها الرأي العام. احترف لأكثر من قرابة 20 سنة، مسجلا اسمه في ذاكرة القراء والأوساط الإعلامية والسياسية باحترام وجدارة. في هذا اللقاء مع "الحوار " يكشف صاحب جائزة عمر أورتيلان ،2008 للقراء بعض مما يختبئ بين أسطر مقالاته الصحفية في مسيرة حافلة بمتاعب مهنة المتاعب. حاورته: ح/سامية
* ولجت عالم الصحافة في سنوات الانفتاح الإعلامي التي تزامنت مع العشرية السوداء، كيف عايشت تجربة التسعينات؟
-البداية كانت في 1994 مع أسبوعية محسوبة على تيار معاد للإسلاميين. الظرف حينها كان دقيقا، والصحفيون كانوا يسقطون يوميا برصاص الاسلاميين المسلحين. لم أكن أعبأ، وأنا أخوض التجربة، للمخاطر المحدقة بحكم التطلع إلى تحقيق النجاح في المهنة. التجربة في عمومها كانت مشوَقة، تميزت بأعمال ميدانية في عمق الجزائر.
*ما هو الدرس الذي خرج به الصحفيون الجزائريون برأيك من هذه السنوات؟ _
-الكثير من الصحفيين عاشوا خطر الموت بسبب الإرهاب، وعانوا من مضايقات السلطة بسبب تداعيات الأزمة الأمنية. أفضل درس برأيي علَمته فترة التسعينات الصعبة للصحفيين، هي التضامن فيما بينهم دفاعا عن المهنة وتحقيق هامش استقلالية عن السلطة.
*عشرون سنة في القسم الوطني لجريدة "الخبر"، هل صنعت لحميد اسما إعلاميا، أم أنك قدمت لها أكثر مما أخذت؟
-أكون غير منصف في حق الجريدة لو تنكرت للجو الذي وفَرته لي والإمكانيات التي منحتها لي للاستمرار فيها طول هذه المدة. كان مسارا رائعا بكل المقاييس، أما كوني قدمت لها، فبالتأكيد قدمت لها 20 سنة من التفاني والإخلاص في العمل.
*تحصلت في سنة 2008 على جائزة عمر أورتيلان، كيف عشت التجربة؟
-شيء رائع أن يحصل الصحفي على تتويج من المؤسسة الإعلامية التي قضى فيها كل سنوات الخدمة. أفضل اعتراف بالقدرة على الأداء المهني، هو ذلك الذي يأتي من الزملاء
*هل تعرض حميد خلال مسيرته الإعلامية إلى ضغوطات الرقابة؟
-نعم في بعض الأحيان، وتخص قضايا تسبب مشاكل للجريدة.
*تعرضت لسحب اعتمادك كمراسل للشرق الأوسط من قبل وزارة الاتصال، أين وصلت القضية ؟ وكيف قرأت ذلك على مستقبل حرية التعبير في الجزائر ؟
-فعلا قرر وزير الاتصال سحب اعتمادي كمراسل ل"الشرق الأوسط"، بحجة أنني مارست التجريح والسب في حق رئيس الجمهورية ويزعم الوزير أنني شتمت الرئيس في كتاباتي ب"الخبر". الملاحظ أن الأشياء المنسوبة لي لا علاقة لها بنشاطي كمراسل، وبالتالي فالوزير سطا على صلاحيات النيابة العامة فوجه لي التهمة، وأخذ مكان القاضي فأدانني، وهو إن فعل ذلك فمن باب التقرب من المحيط اللصيق برئيس الجمهورية. المهم بعد الذي حدث، أنني أطلقت خطوة في طريق متابعة وزارة الاتصال بمجلس الدولة، الأمر يتعلق بالنسبة لي بمبدأ، وأنا بذلك أفسح المجال لكل الصحافيين بأن يستعملوا حقهم في متابعة أي مسؤول يتعسف ضدهم. طبعا ما حدث لي هو قمة التضييق على حرية التعبير، ويكشف زيف الخطاب الرسمي الذي يقول بأن السلطات تحترم الصحافة وأن الصحافيين أحرار في انتقاد المسؤولين.
*سمعنا أن وزير الاتصال الذي كان وراء القرار، حاول إجراء مصالحة معكم لتفادي الانتقادات التي طالته داخليا وخارجيا، ما حقيقة الأمر ؟ لم تصلن أي محاولة تتعلق بمصالحة، ثم إنني أرفض التعامل مع القضية على أنها صراع بيني وبين وزير الاتصال. ما جرى هو تجاوز الوزير صلاحياته التي يخولها إياه القانون، وقد بعث لي عن طريق صديق مشترك، يقول بأنه مستعد ليعيد لي بطاقة الاعتماد لو طلبت الاعتذار .. كلامه يبعث على السخرية طبعا..
*تحدثت عن تضامن الصحفيين، هل وجدت تضامنا من زملاء المهنة في قضية سحب الاعتماد ؟
-لقيت تأييدا واسعا من طرف الزملاء، وحتى من طرف النقابة الوطنية للصحافيين وتنظيمات دولية مثل الفدرالية الدولية للصحافيين ومراسلون بلا حدود. أتصور أن ما فعله معي الوزير، أراده أن يكون عبرة لكل صحفي يتجرأ على الخوض في مسائل يريدها هو محرَمة، من بينها انتقاد الرئيس.
*هل بمقدور السلطة التضييق على حرية الصحافة في عهد الجيل الثالث والرابع للهاتف النقال والأنترنت ؟
-من الغباء أن يفكر وزير الاتصال أو أي مسؤول في السلطة أنه بإمكانه ممارسة الرقابة في عهد انفجار شبكة التواصل الاجتماعي
*ألا ترى بأن إنشاء نقابة وطنية قوية لحماية حقوق الصحفيين صار أكثر من ضروري اليوم؟
-لا شكَ في ذلك. النقابة مكسب كبير للصحافيين.
* خضت تجربة قصيرة في إحدى القنوات الفضائية الخاصة، كيف كانت التجربة؟
-لم تكن موفقة، ربما لأنني بالغت في مقارنتها بمؤسسة "الخبر" من حيث ضبط التنظيم ومستوى المهنية.
*ألا ترى بأن بعض القنوات الخاصة اليوم وقعت في فخ الشعوذة الإعلامية وتنويم المشاهد بالخرافات؟
-نعم إلى حد ما، وهذا يعود إلى حداثة التجربة، لكن برأيي، وجود هذه القنوات على رداءتها وضعفها أفضل من عدمه
*رغم الكم الهائل للجرائد الصادرة اليوم، يرى الكثيرون أن الصحافة فقدت الكثير من مصداقيتها..هل توافقهم الرأي؟
-العدد القليل من الصحف ذات المصداقية، ضاع وسط عدد كبير من الصحف الرديئة التي تعيش على الإشهار العمومي.،الأمر يعكس سياسة مقصودة من جانب السلطات.
*يؤكد بعض ممتهني الصحافة اليوم بأن سقف الحريات تراجع في الجزائر، هل تقاسمهم الرأي؟
-هوامش الحرية هي نفسها منذ بداية الانفتاح الإعلامي، يضيق أحيانا ويتسع أحيانا أخرى بحسب الظروف التي يمرَ بها النظام وأجنحته المتصارعة، الذي تراجع هو درجة التضامن بين الصحافيين.