جامعة بجاية، نموذج للنجاح    بحث فرص التعاون بين سونلغاز والوكالة الفرنسية للتنمية    ملابس جاهزة: اجتماع لتقييم السنة الأولى من الاستثمار المحلي في إنتاج العلامات العالمية    بطولة العالم للكامبو: الجزائر تحرز أربع ميداليات منها ذهبيتان في اليوم الأول    السيد مراد يشرف على افتتاح فعاليات مهرجان الجزائر للرياضات    قسنطينة: افتتاح الطبعة الخامسة للمهرجان الوطني "سيرتا شو"    الطبعة الرابعة لمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي : انطلاق منافسة الفيلم القصير    مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي: حضور لافت في العرض الشرفي الأول للجمهور لفيلم "بن مهيدي"    رئيس الجمهورية يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    السفير بن جامع بمجلس الأمن: مجموعة A3+ تعرب عن "انشغالها" إزاء الوضعية السائدة في سوريا    شهداء وجرحى مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة لليوم ال 202 على التوالي    انطلاق الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات    إستفادة جميع ولايات الوطن من خمسة هياكل صحية على الأقل منذ سنة 2021    وزير النقل يؤكد على وجود برنامج شامل لعصرنة وتطوير شبكات السكك الحديدية    السيد دربال يتباحث مع نظيره التونسي فرص تعزيز التعاون والشراكة    السيد بوغالي يستقبل رئيس غرفة العموم الكندية    حج 2024: آخر أجل لاستصدار التأشيرات سيكون في 29 أبريل الجاري    رئيس أمل سكيكدة لكرة اليد عليوط للنصر: حققنا الهدف وسنواجه الزمالك بنية الفوز    "الكاف" ينحاز لنهضة بركان ويعلن خسارة اتحاد العاصمة على البساط    بقيمة تتجاوز أكثر من 3,5 مليار دولار : اتفاقية جزائرية قطرية لإنجاز مشروع لإنتاج الحليب واللحوم بالجنوب    رئيس الجمهورية يترأس مراسم تقديم أوراق اعتماد أربعة سفراء جدد    شلغوم العيد بميلة: حجز 635 كلغ من اللحوم الفاسدة وتوقيف 7 أشخاص    ميلة: عمليتان لدعم تزويد بوفوح وأولاد بوحامة بالمياه    تجديد 209 كلم من شبكة المياه بالأحياء    قالمة.. إصابة 7 أشخاص في حادث مرور بقلعة بوصبع    نحو إنشاء بوابة إلكترونية لقطاع النقل: الحكومة تدرس تمويل اقتناء السكنات في الجنوب والهضاب    السفير الفلسطيني بعد استقباله من طرف رئيس الجمهورية: فلسطين ستنال عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة بفضل الجزائر    معرض "ويب إكسبو" : تطوير تطبيق للتواصل اجتماعي ومنصات للتجارة الإلكترونية    وسط اهتمام جماهيري بالتظاهرة: افتتاح مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي    رئيسة مؤسسة عبد الكريم دالي وهيبة دالي للنصر: الملتقى الدولي الأول للشيخ رد على محاولات سرقة موروثنا الثقافي    خلال اليوم الثاني من زيارته للناحية العسكرية الثالثة: الفريق أول السعيد شنقريحة يشرف على تنفيذ تمرين تكتيكي    حلم "النهائي" يتبخر: السنافر تحت الصدمة    مشروع جزائري قطري ضخم لإنتاج الحليب المجفف    القيسي يثمّن موقف الجزائر تجاه القضية الفلسطينية    بطولة وطنية لنصف الماراطون    سوناطراك توقع بروتوكول تفاهم مع أبراج    تسخير 12 طائرة تحسبا لمكافحة الحرائق    الجزائر تحيي اليوم العربي للشمول المالي    هزة أرضية بقوة 3.3 بولاية تيزي وزو    ش.بلوزداد يتجاوز إ.الجزائر بركلات الترجيح ويرافق م.الجزائر إلى النهائي    العدالة الإسبانية تعيد فتح تحقيقاتها بعد الحصول على وثائق من فرنسا    جعل المسرح الجامعي أداة لصناعة الثقافة    جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس الأمة    معركة البقاء تحتدم ومواجهة صعبة للرائد    اتحادية ألعاب القوى تضبط سفريات المتأهلين نحو الخارج    فتح صناديق كتب العلامة بن باديس بجامع الجزائر    "المتهم" أحسن عرض متكامل    دعوة لدعم الجهود الرسمية في إقراء "الصحيح"    الاتحاد الأوروبي يدعو المانحين الدوليين إلى تمويل "الأونروا"    إجراءات استباقية لإنجاح موسم اصطياف 2024    فيما شدّد وزير الشؤون الدينية على ضرورة إنجاح الموسم    الرقمنة طريق للعدالة في الخدمات الصحية    حج 2024 : استئناف اليوم الثلاثاء عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    حكم التسميع والتحميد    الدعاء سلاح المؤمن الواثق بربه    أعمال تجلب لك محبة الله تعالى    دروس من قصة نبي الله أيوب    صيام" الصابرين".. حرص على الأجر واستحضار أجواء رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة قطر: الاستقطاب الحاد والتصدعات الهيكلية
نشر في الحوار يوم 07 - 07 - 2017

وجب التذكير بما دوّنته في الحلقة الأولى، أن كل السيناريوهات غير مستبعدة وهي مطروحة لكنها بنسب متفاوتة، إلا أن سيناريو الحرب رغم أنه مازال قائما، إلا أنه يتجه إلى التضاؤل والنقصان إلى حد الآن.
وأن تجنيب قطر الاجتياح العسكري مردّه لأربعة عوامل أساسية وعاملين مدعمين:
– العامل الأول: تماسك الجبهة الداخلية القطرية حول السلطة القائمة، وتفهم رفضها الرضوخ لطلبات المملكة وأبوظبي، يدعمه مزاج شعبي عام خليجي برفض الحرب، وهذا ما اشتعلت به وسائل التواصل الاجتماعي بالخليج العربي، مما دفع بالنائب العام لأبوظبي بتجريم أي مدون أو مغرد، يتعاطف مع دولة قطر.
– العامل الثاني: الانقسام في القرار الأمريكي: إذ أن أغلب دول الخليج مربوطة بمنظومات تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية (وسائل اتصال حربية، أقمار اصطناعية لتحديد أحداثيات للضربات)، حيث أن وزارة الدفاع الأمريكية وكذا الخارجية، لم تكن جزءا من إعطاء الضوء الأخضر بالضربة، لذلك و في لحظة الصفر لتنفيذها لم تعط الإذن بالسماح بها رغم أن الرئيس ترامب خارج قرار المؤسسة سمح بها، مما أخر تاريخ الاجتياح.
– العامل الثالث: لم تكن تتوقع الإمارات ومعها المملكة سرعة الاستجابة التركية والجهوزية الإيرانية للاستعداد في تحريك جيوشهما من أجل توفير الحماية للإمارة الصغيرة قطر، ومصادقة برلمان تركيا على الدفع بالجنود يفرض اتفاقية للدفع المشترك، بينهما يقضي بأن أي اعتداء على قطر هو اعتداء على تركيا.
– العامل الرابع: انعدام الإجماع في مجلس التعاون الخليجي حول الأزمة بتباين الموقف الكويتي والعماني مع السعودي الإماراتي، ولتقصي ذلك يظهر جليا في أن أمانة مجلس التعاون الخليجي لم تصدر إلى حد الساعة بيان مؤيد للملكة وأبوظبي بموقفها أو العكس.
– العامل الخامس: الموقف الأوربي، لاسيما الألماني والفرنسي المتحفظ من الضربة والاجتياح العسكري، رغم أنه عامل مدعم وليس أساسي، إلا أنه غلب لغة التعقل على لغة الحرب.
– رغم نشاط ديبلوماسية أبوظبي والمملكة باتجاه الحلفاء والأصدقاء، من أجل حصار قطر وسحب الاعتراف الديبلوماسي، إلا أنه لم يأت بأي مردود ذا أهمية، بل حتى ضمن دائرة دول الخليج الموسع للأردن و للمغرب، لم يكن على مستوى تطلع أبوظبي، و هذا مردّه إلى أن المبررات ليست مقنعة.

* إفرازات الأزمة ونتائجها
من المعلوم أن لكل دولة أمن قومي نطاقه جغرافي، بأغلب الحالات ملامس ولصيق، وحقل أو مجال أو نطاق حيوي ملازم لنظرية الأمن القومي لهذه الدولة، يتأثر به الأمن القومي بشكل مباشر إيجاباً وسلبا.
وأن الأزمة أثبتت أن المنطقة الحيوية للأمن القومي الأمريكي وقع بها تصدع عنيف، حيث أن منطقة الخليج تقع ضمن نفس الدائرة الحيوية ذات الاهتمام الكبير، مثلها مثل المنطقة الحيوية لكوريا الجنوبية و اليابان و غيرهما، فإذا كانت دولة قطر كإمارة، شريك أساسي في أغلب سياسات الأمريكي وتقع في صلب المنطقة الحيوية للأمريكي، و بها قاعدة عسكرية أمريكية، كل هذا لم يشفع لها، ونزوة الرئيس الأمريكي ترامب كادت أن تكون إمارة قطر بشعبها وجغرافيتها، وسيادتها شيء من الماضي، فما هو الضامن أن مزاجاً غيرُ مسؤول لأي رئيس أمريكي قادم، يصبح من يقع ضمن هذه الدائرة محل اجتياح بدل من أن يكون محل حماية ودفاع من الامريكي ،
إن هذا التصدع في مفهوم المنطقة الحيوية سوف ينشأ عنه حال جديد، نتوقع أن جزءا من المنظومة الغربية وكذا غيرها الموالية لأمريكا، تبدأ في التفكير جديا بتحصين أمنها القومي خارج نظرية المناطق الحيوية للأمن القومي الأمريكي، بل بتحصينات إقليمية كما هو الحال لما إضطرت له دولة قطر، وذلك بالبحث عن تحالفات مع مشاريع إقليمية (حتى ولو تكون مناقضة مع المشروع الأمريكي أو غير متوافقة معه)، وينسحب ذلك الأمر على كثير من مناطق الاحتكاك ببحر الصين، طايوان، كوريا الجنوبية، اليابان، أوربا، وكذا الكويت وسلطنة عمان.

* الخليج بعد الأزمة:
حيث أن الدوافع المعلنة من المملكة و أبوظبي للأزمة مع قطر تتلخص في عناوين: الحرية، ومنها الإعلامية (قناة الجزيرة)، والعلاقة مع الإخوان، واحتضان حماس و كذا العلاقة مع إيران، حسب التصريحات الرسمية إلى الآن، تلك هي الملفات الشائكة محل الخلاف، و في تقييمها تلاحظ أنها كلها عناصر تدخل في قضايا تصنف من أمور السيادة المكفولة لكل دولة، كما و أنها جزء من تباينات السياسة الخارجية وبعض القضايا الداخلية لكل دولة، التي لم يقع عليها إجماع في إطار العمل المشترك لمنظومة مجلس التعاون الخليجي، و لا في أي منظمة إقليمية كالجامعة العربية أو دولية، كالأمم المتحدة او غيرها.
إن هذه الدوافع تجعل من الثاني بعد قطر الذي يجد نفسه مستهدفا من نفس الأزمة وبنفس العناوين أو بعضا منها من طرف المملكة وأبوظبي، هي دولة الكويت (فالإخوان في الكويت هم جزء من النسيج المجتمعي والسياسي، والعلاقة مع إيران جيدة إذا لم تكن ممتازة، والحرية والنسيم الديمقراطي كبير يطال بالمساءلة حتى أفراد العائلة الحاكمة، والعلاقة مع حماس ليست بالسيئة او المتوترة )
والثالث بعد قطر والكويت في أجندة أبوظبي، هي السلطنة (عمان)، تلك الدولة التي تغرد دوما خارج سرب مجلس التعاون الخليجي، فسلطانها يدرك كون الدولة مذهبها أباظي والمتناقض تماماً مع التوجه الوهابي المعتمد في المملكة، وعلاقة السلطنة مع إيران إستراتيجية، و هي من كانت في كثير من الحالات تلعب دور الوسيط بين الأمريكي و الإيراني، و تنصلها المستمر من أغلب قرارات المملكة و توجهاتها.
لتلك الأسباب و الخوف من المستقبل الغامض، سوف تهرع دولة الكويت للبحث عن فواعل إقليمية حامية لها، ليست بعيدة عن توجهات قطر، والسلطنة سوف تعمق حماية أمنها مباشرة ودون انتظار بواسطة إيران و من أي قوى أخرى إقليمية قوة دون تردد، وسوف يصبح التركي و الإيراني و ربما الباكستاني و الروسي كلهم على خط الأزمة بحفظ أمن الخليج، و هي بالتالي سوف تكون شريكا في كل المسارات و السياسات و القرارات الإستراتجية، والتي لن تعد حينها سيادية مطلقة.

* الأثار السلبية للأزمة:
سوف نلحظ قريبا تتفكك لمنظومة مجلس التعاون الخليجي، و التي كانت إلى حين حدوث الأزمة، من أنجح التكتلات الإقليمية ومثار إعجاب و محاولات التقليد من تكتلات أخرى، كما هو الحال لدول المماليك (مجلس التعاون الخليجي يضاف إليه مملكة الأردن، ومملكة المغرب).
والأثار السلبية لذلك التفكك، يتوزع على جميع دول الخليج، إلا أن المملكة كونها هي محور هذا المجلس، سوف يلحقها الجزء الأكبر من السلبيات والتبعات الأمنية والاقتصادية والتجارية، حيث البحث عن تحصين لأمن هذه الدول خارج الأمريكي، يجعل المنطقة يدخل بها شركاء آخرين يتدخلون مباشرة في حفظ أمن الخليج، وما يترتب من ذلك من أثار أمنية سياسية واقتصادية واجتماعية، وربما حتى إيديولوجية (حاليا التركي والإيراني، وربما لاحقاً الباكستاني والروسي).
إن استمرار التوتر القطري السعودي على حدودها الشرقية، حيث تواجد الطائفة الشيعية سوف يؤدي حتما لتحريك وتدعيم الطائفة، بما يؤثر سلبا على أمن واستقرار المملكة.
الأزمة تؤثر سلبا على نجاعة عاصفة الحزم بحرب اليمن، حيث أن القوات التي كانت تحقق تقدما في الميدان على الأراضي اليمنية كانت القوة القطرية لأنها قوات نخبة هذا من جهة، و من جهة أخرى لإلتحامها مع حزب الاصلاح اليمني الإخواني المتجذر قبائليا وجغرافيا و المحاصر من طرف المملكة والمستهدف من طرف قوات أبوظبي.
أزمة الحصار يضطر إمارة قطر بعد هدوء الأزمة مستقبلا للتفكير جديا بتحقيق نوع من الاكتفاء يفرض عليها إنجاز صناعة خاصة غذائية، سوف يكبد المملكة خسارة اقتصادية وتجارية يصعب تجاوزها خاصة مع أزمة تدني أسعار النفط.
إن فخ تهمة الإرهاب التي صوغتها أبوظبي واقتنعت بها السعودية كسلاح أُسْتعْمِل ضد إمارة قطر هو سلاح فتاك، كيف تتحصن منه المملكة إذا لا قدر الله سُلِّطَ عليها واستعمل ضدها، وهي معرضة أكثر من غيرها لحشد دلائل ضدها ، مع التذكير كيف طبق مبدأ المقايضة في حادثة و أزمة لوكاربي ضد ليبيا، و هي الأزمة التي توسط في حلها الملك عبد الله (رحمه الله) بين الأمريكان و القذافي، أقول كيف طُبِق نفس المبدأ ضد السعودية تحت الطاولة في أزمة أحداث 11 سبتمبر (برج التجارة الأمريكي).
إن اندفاع المملكة وتدخلها في ساحات عدة، منها ما يمس بأمنها القومي بصفة مباشرة، و منها ماهو توريط إمارتي، ومنها ماهو محاكاة للدور الإيراني، ومنه ماهو حاجة عاجلة سعودية في إطار ترتيب البيت الداخلي لوراثة الحكم، جعل من فعلها في كثير من الساحات هو مجرد هدر للمال واستنزاف للطاقة، و حصد للأرواح وشراء لعداوات بالمجان، لذلك نراها بصفة مباشرة أو غير مباشرة في اليمن، و في البحرين، و في مصر، و في سوريا، و في ليبيا، و في الحدود المفتوحة مع العراق، و بالجملة ضد إيران، و ضد الإخوان و ضد داعش و القاعدة.
فعندما تزيد لها أزمة جديدة على جزء من جغرافيا الخليج، بل على حدودها الشرقية، حتما سوف يقلل من تركيزها ومن استحالة تحقيق إنجاز بأي ساحة من ساحات الحرب المفتوحة، و التي هي أكبر بكثير من طاقاتها وقدراتها .
من هنا سوف نرى انسحابا للملكة من ملفات تعتبر حيوية لها، كما انسحبت من ملف لبنان لصالح المشروع الإيراني قصد التفرغ للملف المصري أثناء الانقلاب على الشرعية، و نفس الشي كما انسحبت من الملف العراقي لصالح الإيراني بعدما ما كانت جزءا من إنهاك واستنزاف وحصار ثم سقوط بغداد لاحقاً.
و اكثر ملفين مرجحين للانسحاب منهما هما:
الملف السوري على ما فيه من مخاطر، بحيث ينهي دور المملكة في تأثيرات إقليمية لها لاحقا في تلك المنطقة الحساسة.
وكذا الملف الليبي، في حين أن هذا الملف أتوقع أن يزداد التهابا من طرف الجيش المصري و بتمويل أبوظبي، كما أن أبوظبي سوف تصارع قطر وتركيا على الساحة المفتوحة من سوريا والحرب الملتهبة في العراق، و في الملف الكردي الذي زيادة على الإسرائيلي بدأ التدخل السافر فيه من طرف أبوظبي نكاية في تركيا، رغم أن مآلاته تمس مباشرة بأمن كل المنطقة ويهيئ لتقسيمات أخرى على أساس طائفي أو إثني لا تسلم منه أغلب الدول العربية و سوف يعد اللاحق بعد سابقة تقسيم السودان بدعم و رعاية و مباركة عربية.
إن ذلك التشتت للجهد والإمكانيات السعودية والتدخل على خط الأزمة من قوى أخرى غير التقليدية في الخليج وخاصة إيران، سوف يؤدي حتما للتأثير في مسار الأزمة في البحرين والحراك الشعبي بها من الطائفة الشيعية ذات الأغلبية الديموغرافية، والتي استطاعت السعودية ودول مجلس التعاون أن تكبحه وتوقف مداه.
إن تقييما محايدا لهذه الأزمة يعطي قطر النجاح الأخلاقي لأنها تحاكم لدرجة الاجتياح العسكري بتهمة احتضان المقاومة الإسلامية حماس وبعض رموز الإخوان المسلمين.
إن أي مقادير إلاهية تأتي بمحمد بن نايف ملكا للسعودية سوف تؤدي حتما لتوقف لاندفاع المملكة مع مشاريع محمد بن زايد كلية، وسوف يؤدي ذلك حتما لتصدع حقيقي في تحالف المملكة مع أبوظبي، حينها نرى السعودية تقاتل منفردة في اليمن بعد انسحاب أبوظبي، وأمام مواجهة غير مباشرة مع إيران لاستنزافها هناك، و يصبح حينها أمنها القومي بالفعل مهدد بالشكل الذي لا تقوى على صيانته منفردة.

* المغرب العربي في عين العاصفة:
إذا استثنينا موقف موريطانيا من الأزمة، أو ما يسمى بحكومة شرق، فإن الموقف الرسمي لباقي دول المغرب العربي (الجزائر، تونس، المغرب، حكومة طرابلس) فهو موقف حيادي من الأزمة، إلا أن التصدع في موقف الكتلة المغاربية سوف يؤدي حتما لتدخلات لا تحمد عقباها.
ناقشت جريدة الأخبار اللبنانية الأسبوع الماضي بتاريخ 9 جوان وثيقة إماراتية سربها موقع الصدى التونسي بتاريخ 7 جوان بعنوان «الاستراتيجيّة الإماراتيّة المقترحة تجاه تونس». صدرت الوثيقة عن وحدة الدراسات المغاربيّة في مركز الإمارات للسياسات الذي ترأسه ابتسام الكتبي، و من بين ما ورد في الوثيقة كيف على الإمارات أن تقوض دور الجزائر في الساحة التونسية وتحاصرها للدفع بالنتيجة لعدم الاستقرار وإشاعة الفوضى هذا من جهة، و من جهة أخرى كيف تنافس قطر لتحجيم علاقاتها مع بعض مكونات الساحة السياسية بتونس.
و إذا كانت أبوظبي لم تستسغ موقف المغرب من الأزمة، بحيث أصبحت قناة أبوظبي، ولأول مرة تضع خارطة الصحراء الغربية كمكون للمغرب العربي نكاية من موقف المغرب ( ذاك الموقف و الذي أملته ظروف أخرى طبعاً تقتضيه المصالح المغربية وليس قربهم من النظام القطري)، فكيف سيكون الموقف من الجزائر يا ترى من طرف أبوظبي؟.
إن الأمن القومي الجزائري يبدأ من مدينة مساعد على حدود ليبيا الشرقية المتاخمة لحدود مصر وينتهي غربا في المحيط الأطلسي، و حيث أن هذا الموقف من الأزمة الذي اتخذته الجزائر يعكس الحنكة في التعاطي مع الأزمات بعقيدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول و احترام قراراتها السيادية، ذاك الموقف والذي يمكن وصفه بأنه متزن ويتصف بالحكمة و الرصانة، و يدعو إلى التعقل و تغليب لغة الحوار و عدم المساس بالسيادات الوطنية، سوف يجعل من هذا الأمن القومي الجزائري محل اختراق وتعفين واحتراب بما يفرض يقضة كبيرة والتحام شديد.
مما يمكن رصده أن ضعف الموقف الجزائري، والذي لا نرتضيه، نلحظه في أمرين:
» الأمر الأول: حضور الجزائر قمة ترامب تحت مسمى مكافحة الإرهاب وذكر فيه حماس و حزب الله ( والذي لم تكن الجزائر عضوا فيه بل تحفظت، لا على عاصفة الحزم، و لا في المشاركة بالتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب رغم إغراءات المملكة).
» الأمر الثاني: التدخل المباشر والمعلن المصري وبسلاح الجو و غيرها لصالح حفتر لتغليب لغة السلاح على حساب التسويات السياسية، والتي كادت ان تنجح و يجني ثمارها الأشقاء في ليبيا وينعم بإستقرار الجوار، ذاك التدخل المصري لم يلاقي رداً حازما، يؤشر للأسف لضعف الموقف الجزائري.
من الواضح أن الساحة الليبية هي مرشحة أكثر من غيرها لعدة أسباب أن تلتهب بمال أبوظبي وبالجيش المصري لمقارعة قطر و تركيا و تصفية حسابات مع الجزائر حتى يلتهب الإقليم، في جو كلها ملغم حول الجزائر ومحيطها.

* ما المطلوب وطنيا:
رغم أن الجرح العميق، والذي أحدثته الانتخابات الأخيرة بفبركة أحزاب ليس أي تمثيل و لا امتداد شعبي، بديلا عن أحزاب لها كل المصداقية والتمثيل، المطلوب هو تغليب المصلحة الوطنية على المصالح الحزبية الضيقة، و استشعار الخطر الكبير الحالي والداهم، و التحام كل قوى المجتمع خلف السيادة الوطنية و مؤسسات الدولة الرسمية وخاصة مؤسسة الجيش الوطني الشعبي، وأن يشتغل الجميع تحت سقف واحد في تحليل الأزمة، و في نتائجها و تهديداتها الفعلية لأمن وطننا و استقراره، و الذي لا محالة ينعكس سلبا على أمن و استقرار منطقتنا المغاربية، وكذا المنطقة العربية ككل، فليس من مصلحتنا أي جرح آخر ينزف من جسدنا، سواء في سوريا أو ليبيا أو السعودية أو قطر أو اليمن، لأن أمننا متلاحم و مصيرنا مشترك، و ما يمس أي دولة يمس بالأخرى مهما اختلفت السياسات أو الرؤى، وكذا الأدوار، و التكليفات، ففي النهاية هي تمس بنفس الجسد الواحد.
بقلم: الوزير السابق عبد القادر بن قرينة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.