تجارة المنتجات القادمة من الصحراء الغربية "غير شرعية"    المجلس الأعلى للغة العربية: اجتماع لتنصيب لجنة مشروع "الأطلس اللساني الجزائري"    ضرورة تمكين المواطنين من نتائج ملموسة في المجال الصحي    تكوين مهني: فتح باب التسجيل للمشاركة في الصالونات الجهوية للتشغيل    استعداد حكومي للدخول المدرسي    العدوان الصهيوني على غزة: 16 دولة تعلن عن دعم "أسطول الصمود العالمي" وتحذر من أي اعتداء عليه    منصب جديد لصادي    محرز يتألق    ألعاب القوى مونديال- 2025: تأهل الجزائريان جمال سجاتي و سليمان مولى الى نصف نهائي سباق ال800 متر    الجزائر العاصمة : تنظيم معرض جهوي للمستلزمات المدرسية بقصرالمعارض    دخول مدرسي 2025-2026 : إطلاق قافلة تضامنية لتوزيع المحافظ المدرسية على الأطفال بالمناطق النائية    المجلس الشعبي الوطني : بودن يشارك بماليزيا في أشغال الجمعية البرلمانية الدولية لرابطة دول جنوب-شرق آسيا    تجارة: إقبال واسع على جناح الجزائر بالصالون الدولي للصناعات الغذائية والمشروبات بموسكو    صناعة صيدلانية : تنصيب أعضاء جهاز الرصد واليقظة لوفرة المواد الصيدلانية    المجلس الأعلى للشباب يشارك في برنامج "سفينة النيل للشباب العربي" بمصر    وزير الشؤون الدينية يعطي إشارة انطلاق الطبعة 27 للأسبوع الوطني للقرآن الكريم    معسكر: انطلاق الحفريات العاشرة بموقع "رجل تيغنيف القديم"    الجزائر تشارك في اجتماعات البرلمان الإفريقي بجنوب إفريقيا    تنصيب سويسي بولرباح مديرا للمدرسة الوطنية العليا لتكنولوجيات الإعلام والاتصال والبريد    العُدوان على قطر اعتداء على الأمّة    وفد صحراوي يحلّ بجنيف    قرابة 29 ألف تدخل خلال السداسي الأول    اختتام مخيّم ذوي الاحتياجات الخاصة    مجوهرات ثمينة.. سبيل ثراء نسوة    القديم في قلب النظام الدولي الجديد    الجزائر تشارك في اجتماعين وزاريين بأوساكا    شراكات جديدة لشركة الحديد    تقديم كتاب سفينة المالوف    دعوة إلى تكثيف الأبحاث والحفريات بالأوراس    إطلاق الأسماء على الأولاد ذكورا وإناثا ..    أبو أيوب الأنصاري.. قصة رجل من الجنة    الإمام رمز للاجتماع والوحدة والألفة    التجارة الداخلية رافعة للاستقرار    ناصري وبوغالي يترأسان اجتماعاً    تحوّل استراتيجي في مسار الأمن الصحّي    قمة الدوحة تشيد بجهود الجزائر في الدفاع عن سيادة دولة قطر ونصرة القضية الفلسطينية    الحكومة بنفس جديد لبلوغ الرهانات الاقتصادية    التزام بتنفيذ سياسات رئيس الجمهورية    بلمهدي يهنّئ الأئمّة وموظفي القطاع    تنظيم صالون الواجهات والنّوافذ والأبواب الأسبوع القادم    دعم التعاون العسكري الجزائري الروسي    وجه جديد لمداخل عاصمة الأمير عبد القادر    تيطراوي يطرق أبواب "الخضر" ويحرج بيتكوفيتش    مشواري لم يكن سهلا ورُفضت بسبب قصر قامتي    بن طالب يتألق مع ليل الفرنسي ويحدد أهدافه    37 مكتبة متعاقدة لتسهيل اقتناء الكتب المدرسية    188 عملية تخريب تطول المنشآت الكهربائية    85794 تلميذ مستفيد من المنحة المدرسية    العدوان الإسرائيلي على الدوحة : اجتماع طارئ مجلس حقوق الإنسان اليوم    اليوم الوطني للإمام: نشاطات متنوعة مع إبراز دور الإمام في المجتمع بولايات شرق البلاد    قفزة ب300% في تموين المستشفيات بالأدوية المحلية تعزز الأمن الصحي بالجزائر    الرابطة الأولى المحترفة "موبيليس": م.الجزائر-م.وهران صراع من أجل التأكيد    الصيدلة الاقتصادية أداة استراتيجية لمرافقة السياسات الصحية    إعداد ملف لإدراج المالوف ضمن قائمة التراث العالمي    مذكرة عاجلة من "حماس" لوزراء خارجية الدول العربية والإسلامية    من أسماء الله الحسنى (المَلِك)    }يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ {    نحو توفير عوامل التغيير الاجتماعي والحضاري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ربط الحراك الداخلي بالمعطى الإقليمي والاستشراف الدولي
نشر في الحوار يوم 27 - 05 - 2018

لا يغفل المنهج ربط معطيات التحرّك المحلّي لرسالة عالمية بالمعطيات الإقليمية والتطلعات الدولية، فلا تتمكّن أيّ أمة من حماية نفسها وحماية تراثا وترابها ومقدراتها، إن هي مارست حماية الانغلاق على الذات، وإغفال المعطيات الإقليمية المحاذية والتطلعات الدولية المرتقبة خصوصا في عالم مثل عالم اليوم، حيث اختصرت المسافات وتقاربت الديار بفعل التكنولوجيا ووسائل الاتصال.
فالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو في مكّة بدأ بتوجيه من ربه في تحريك الأنظار، وإيقاظ الاهتمام بقوتين كانتا تسيطران على العالم القديم آنذاك، قوة الروم وقوة الفرس.
حيث دفع بأصحابه المؤمنين الأوائل وهم مستضعفون في مكة إلى الاهتمام، بل والدخول في رهانات حول معركة تدور رحاها بين الفرس والروم، وانخرط المسلمون الأوائل في مساندة معنوية للروم باعتبارهم أهل كتاب، وأقرب إلى دينهم، كما انخرط المشركون في تأييد الفرس نتيجة التشابه في عقيدة الوثنية، ونزل القرآن يسجل هذا الحدث المهم ويبشر "ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله" وكانت هذه إشارات وإرهاصات لطبيعة الرسالة العالمية التي فتح أصحابها الأوائل عيونهم من أول يوم، على معركة كبرى تدور رحاها خارج ديار العرب، لكن العرب سيتأثرون بها وبنتائجها، فالروم والفرس معطى إقليمي وتطلع دولي، يشتغل في المساحة والتضاريس العربية، ويوظف ما في بلاد العرب من خيرات وأجناد لخدمة مشاريعه التوسعية في العالم القديم.
فهذا الحسّ تنبيه للعرب أنّ عزتكم ستكون في دينكم "وإنه لذكر لك ولقومك"، فالروم انتصروا لأنهم أهل كتاب، وهذا الإسلام سينتصر، وتكون له الغلبة الإقليمية والمحلية، وهذا ما كان يبشّر به القرآن العرب كلّ مرة ليذكروا "ليظهره على الدين كله".
وهذا ما كان يبشر به النبي في أسواقهم وهو يعرض نفسه على شيوخ دار الندوة والقبائل: "كلمة واحدة تدين لكم بها العرب والعجم".
وفي مكة والنبي يعاني من صدود قومه وأذاهم، يسري به الله في ليلة، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي كانت تربته تحت الاحتلال البيزنطي، ليربط بين المسجدين برؤية إقليمية ذات استشراف عالمي سيتحقق لاحقا في بضع سنوات في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فنزل قوله تعالى: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لتأكيد هذا التطلع نحو قضايا إقليمية ودولية وربط الحراك المحلي بمثل هذا الاستشراف، حتى يفهم الصحابة أنه حملة رسالة عالمية تتجاوز حدود شبه جزيرة العرب.
لم يغفل النبيّ صلى الله عليه وسلم كل ما يهدّد دولته الناشئة وهو في المدينة، ففتح سجالات الحوار مع الوجود المسيحي العربي، فحاور وفد نجران، وحاور عدي بن حاتم فأسلم وأسلم كثير من مسيحيي العرب، الذين كانوا أداة للنفوذ البيزنطي من قبل، وحاور اليهود الذين يعرف ولاءاتهم للجهات الخارجية، وحاول تأطيرهم بقانون المواطنة للدفاع عن المدينة وحذرهم في بند واضح، من أي تعاون خارجي يستهدف أمن المدينة، وكلّف زيدا بدراسة لغتهم والاطلاع على رسائلهم وكتبهم وقال: "إني أخشى على ديني من يهود".
وفي المدينة أنشأ سوقا خاصا يخضع لنفوذه، وكلّف به في مرحلة ما عمر بن الخطاب، وأطّره بالأحكام الفقهية الجديدة التي ستقلل من نفوذ اليهود ونفوذ الأجنبي، وشجّع الفلاحة وغراسة النخيل والثمار تحقيقا للاكتفاء الذاتي وتحررا من هيمنة سلطة الروم، فأصدر توجيهات تشجع الفلاحة فقال مثلا: "من أحيا أرضا ميتة فهي له" وقال: "ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة" وقال: "إذا قامت القيامة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها".
وشجّع صلى الله عليه وسلم المسلمين على المهن وخصوصا منها المهن الحربية، فأرسل عروة بن مسعودة وغيلان بن سلمة إلى جهة جرش، لتعلم صناعة الدبابة التي ترمي الحصون، وصنع أول دبابة استعملها في حصار الطائف وشجّع على الصناعات الحربية فقال: إنّ الله يدخل الثلاثة بالسهم الواحد الجنة، صانعه يحتسب في صنعه الخير، والممدّ به والرامي له.
فتوجيهات النبيّ صلى الله عليه وسلم تتجّه لتشكيل أمة قادرة على امتلاك قوتها واكتفائها من القوت وتتخلص تدريجيا من الهيمنة الأجنبية وهذا ما فعله بالتوجيهات التربوية حيث صنع العزة في الفخر بما عند الله، وعدم الخضوع للأجنبي بتقليده في كل شيء مع المهانة والذل والتبعية.
كل تهديد مهما صغر يكون مصدره القوى الإقليمية، يتعامل معه النبي بجدية، فيرسل العيون والسرايا، وقد أرسل كتيبة إلى دومة الجندل الذين كانوا يشتغلون لحساب الروم ويعترضون قوافل المسلمين ويهددون تجارتهم، فأدبهم وأظهر لهم قوة المسلمين، وسيتحرك بعد ذلك إلى مؤتة، لتقع أكبر مواجهة بينه وبين الروم وعملائهم من العرب، حيث وصل عددهم إلى 200 ألف، والمسلمون 3000 عدد فقط، ومع الخسارة التي وقعت نتيجة الفارق الكبير جدا في الأعداد، تمكن خالد بن الوليد من إنقاذ الجيش بمهارة بعد مناورة انسحاب تكتيكي ذكي، وسيعود النبي إلى المنطقة في معركة ذات السلاسل بقيادة عمرو بن العاص، من أجل مراغمتهم وإظهار قدرته وإحراجهم مرة أخرى، وسيعود في تبوك في أكبر جيش مشكل من 30 ألف، كل ذلك ليؤكد منهج ربط التحرك المحلي بالمعطى الإقليمي والاستشراف الدولي، فمن يرد حماية وطنه عليه أن يتحرك خارج حدوده في معركة استباقية واستشرافية تلك هي منهجية النبي وفهمه الذي علمه ربه، وأن الرسالة لا تنتصر محليا إلا بهذا الارتباط الإقليمي والدولي على مستوى الاهتمام والمتابعة، ولاحقا عند القدرة على مستوى المشاركة والمفاعلة، كما سيحدث بعد سنوات معدودة في معركة اليرموك بقيادة خالد بن الوليد، ومعركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص وهذا هو المنهج الذي انتصر به المسلمون بعيدا عن التقوقع على الذات، أو الانخراط في العمالة لطرف دون طرف، بل هو الذكاء في التحرك الإقليمي والدولي والاستفادة من متاحه وظروفه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.