تحيي الجزائر اليوم الوطني للهجرة تخليدا لذكرى تلك المجازر التي ارتكبت قبل 48 سنة من اليوم في باريس بفرنسا ضد الجالية الجزائرية المقيمة بفرنسا، ويومها حاولت شرطة ''بلاد حقوق الإنسان'' أن تغرق في المياه المتجمدة لنهر السين صوت الحرية الذي كانت ترفعه الجالية الجزائرية يوم 17 أكتوبر .1961 وقد احتلت هذه المظاهرات وما تبعها من مجازر صدر صفحات العديد من الجرائد العالمية والفرنسية منها آنذاك، والتي وصفت ذلك الجحيم الذي سلطه محافظ شرطة باريس موريس بابون وزبانيته في لباسهم البوليسي في ذلك الوقت على جموع المتظاهرين الجزائريين الذين كانوا يعبرون عن مطالبهم بصورة سلمية. ومع ذلك فإنها لم تكن تلك المرة الأولى التي يتظاهر فيها الجزائريون الذين يعيشون في فرنسا وهم يعبرون عن تعلقهم ببلادهم وباستقلالها وتحقيق سيادتها الوطنية. وتعود البوادر الأولى لهذه المظاهرات إلى 8 سنوات قبل تاريخ 17 أكتوبر 1961 وبالتحديد إلى 14 جويلية 1953 أي قبل أقل من عام عن اندلاع ثورة التحرير المظفرة في نوفمبر 1954 التي رسمت بصفة نهائية الطريق الصحيح نحو الحرية. ويتذكر هنا المجاهد عبد الحميد مقراني وقد كان آنذاك عاملا شابا في سن 19 سنة قبل أن يلتحق سنوات بعدها بالولاية السابعة التاريخية (الهجرة)، بأن هذا التاريخ قد انتزعه بقسوة من مسار حياته العادية بين منطقة سان دونيس في الضاحية الباريسية والمعمل الذي كان يشتغل به. ''لقد كان إحياء ذكرى سقوط الملكية وانتصار الجمهورية كل 14 جويلية منذ 1880 يوما سعيدا للحريات المنتزعة كما بدا يوم 14 جويلية 1953 لكنه كان بالفعل بالنسبة لنا كمهاجرين يوما للقمع والآلام أرخ لبدء مجازر الشعب الجزائريبفرنسا عشية اندلاع ثورة نوفمبر'' كما يؤكد عبد الحميد. وبالنسبة لهذا القسنطيني الذي يعيش اليوم سنواته السبعين، فإن حركة انتصار الحريات الديمقراطية قد انتهزت استعراض 14 جويلية من أجل التعبير عن تعطش الجزائريين للحرية. و''كم كان الأمر طبيعيا بالنسبة لنا في مثل هذا اليوم الذي يحتفى فيه بالحريات المستعادة من أجل المطالبة بإطلاق سراح المساجين السياسيين وخاصة منهم مصالي الحاج والحبيب بورقيبة وبكسر قيود شعب كامل ولد حرا ليتم استعباده ونهب أراضيه وخيراته واستغلاله تحت تهديد الخوف و الدم ''. وقد جاب الموكب الشعبي الذي امتد على مسافة 3 كلم من الباستيل إلى ساحة الحرية على وقع شعار الحرية ولم تكد الجموع المشاركة من المتظاهرين تبدأ في التفرق وجمع لافتاتها كما يقول السيد مقراني ''حتى بدأت الشرطة تهاجم الجزائريين العزل مستخدمة الهراوات التي تهاطلت ضرباتها على رؤوس الجميع من كل جهة كما سمعت طلقات نارية في أجواء من الفوضى العارمة''. ويظل تذكر هذا اليوم المرادف للثلاثاء الأسود في ذهن مقراني يثير مشاعر أسى حتى بعد مرور 56 سنة على الحادثة التي ''جسدت تلك الممارسات القمعية التي ما فتئت تواجهها الجالية الجزائرية في فرنسا والتي اعتبرت متمردة منذ ذلك الحين فعاش بعضها حياة الرعب والسرية خوفا من ممارسات البوليس الفرنسي ''. وعندما كان الشاب مقراني بصدد النظر لجثة شخص يعرفه ملقاة على الأرض وهي ملطخة بدمائها فاجأته ضربات قوية لقمع الشرطة الاستعمارية سببت له آلاما لا تحتمل أفقدته وعيه ليجد نفسه في اليوم الموالي في حالة مزرية يعاني عدة كدمات وكسور إضافة إلى آلام وصداع في الرأس ''لكنني وجدت نفسي يومها رغم كل ذلك حيا وأكثر إيمانا بالقيم الوطنية إلى الأبد '' كما قال. وفي ذلك اليوم فقد 6 جزائريين حياتهم كما أصيب 44 آخرين بجروح خطيرة كما يتذكر عبد الحميد مقراني أسماء بعض الضحايا وهم باشا عبد الحميد 25 سنة قتل برصاصة في العنق وعمار طبجادلي 26 سنة وداولي العربي 27 سنة ودرانيا عبدالقادر 31 سنة والطاهر ماجب. ''لقد ماتوا نعم وغابوا عن هذا العالم لكنهم بقوا أحياء في ذاكرتنا إلى الأبد'' كما يؤكد هذا المسن المليء بالذكريات قبل أن يفتح عدد جريدة ''لومانيتي'' الفرنسية ليوم الأربعاء 15 جويلية ,1953 كان يرتعش من فيض المشاعر وهو يضع إصبعه فوق مانشيت العدد المذكور تحت عنوان ''لا يمكن أن تقتل الحرية''.