لم تكن حكاية ال400 مجاهد و1600 قطعة سلاح، مجرّد قصة رجال ثاروا من أجل استقلال بلادهم فقط، فالحرية التي آمن بها الشعب الجزائري حسب أجنحة معرض “ذاكرة وإنجازات” الذي تنظمه وزارة المجاهدين بقصرالمعارض بالصنوبر البحري في العاصمة، هي صورة عن بشاعة الغزو الفرنسي للجزائر ومطامعه في بلد كانت فيه نسبة الأمية معدومة قبل 1830 وعدد مدارس عاصمته أضعاف ما في باريس. رحلة عبر الزمان والمكان يمنحها لنا المعرض، لنستكشف تاريخ الجزائر من سنة 1830 إلى 1962 بالصورة والصوت. تبدأ القصة من الدور الهام الذي كان يلعبه حوالي 192 مسجد و20 مسجدا كبيرا قبل 1830 بالجزائر في الحفاظ على الهوية الجزائرية، التي يبدو أنها فجّرت موجة من “الغيرة” ليس فقط لدى الفرنسيين وإنما أيضا لدى جميع دول أوروبا التي تحرشت عسكريا بالجزائر للسيطرة عليها بعد أن تأكدت لها أهميتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، كالمحاولة التي قام بها الأميرال نيال 1824 قبل معركة سطاوالي 1830 التي دفعت بآخر دايات الجزائر الداي حسين إلى الرحيل ليدخل الاستعمار الفرنسي الذي سارع إلى نقل أزيد من 3 ملايين جزائري إلى المحتشدات . من المقاومات إلى بيان أول نوفمبر اهتم الجناح الخاص بالتاريخ بتسليط الضوء على تفاصيل تاريخ الجزائر والحقبة الاستعمارية، ليكشف العديد من الحقائق التي عاشت في الظل، كمرسوم كريميو 1870، الذي أصدرته الإدارة الفرنسية ليعطي لليهود الجنسية الجزائرية، والعديد من المقاومات التي لم تعرف طريقها إلى الإعلام، رغم أنها لا تقل أهمية عن مقاومة الشيخ بوعمامة، مثل مقاومة الشيخ يعقوب 1902 عين الترك ومقاومة أمود 1924 ببلاد التوارڤ، كما يقدم المعرض شخصية الأمير عبد القادر الأديب والسياسي والدبلوماسي والعسكري، ويمنح فرصة للزوار للإطلاع على كتاب صحيح البخاري الذي رافق الأمير في سجنه . وهكذا ظل عنف الاستعمار ووحشيته حاضرا في أجنحة المعرض، فالفرن الذي أحرق فيه الاستعمار الفرنسي الجزائريين وهم أحياء سنة 1945 زاد من عزيمتهم وسجلوا إصرارهم على تحقيق النصر والاستقلال على آلة رونيو التي سحب بها بيان أول نوفمبر الموجودة هي الأخرى في المعرض شاهدة على العصر . ننتقل من بيان أول نوفمبر إلى زمن المفاوضات، ليكتب سعد دحلب على جدران المعرض “سقطت أسطورة الجزائر فرنسية وسقطت أسطورة الصحراء بحر إفريقي”، بمناسبة إعلان وقف إطلاق النار، ثم يكذّب المعرض أسطورة مشاركة المغاربة في مظاهرات 17 أكتوبر 1961 التي صنعت ملحمتها دماء الجزائريين في فرنسا. ويعرف المعرض العديد من المصطحات الهامة في تاريخ الثورة، كالأقدام السوداء التي يعرّفها بأنهم المستوطنين الذين ولدوا في الجزائر ولا يزال حنينهم إلى أرض الوطن، بينما استقر تعريف المعرض للخونة عند الذين قتلوا المدنيين وكان حكم الثورة فيهم بعد الإنذار هو الإعدام . آلات تشهد على وحشية الاستعمار يوجد في المعرض أيضا آلة جهاز تعذيب الجيجان التي استخدمها المستعمر، وأغلال سجن برباروس ، سوف تمر على رواق المحكوم عليهم بالإعدام قبل أن تشاهد فيلما حقيقيا ومشاهد حقيقية لإعدام فرنسا لأبناء الجزائر، وقد بدا حكم تنفيذ الإعدام في 19 جوان 1956 واستمر إلى غاية أوت 1958، حيث راح ضحيته 68 من الجزائريين اعتقلتهم فرنسا في سجن برباروس وآخرهم كان يدعى محمد بالسايح من الجزائر وهو تاجر نفّذ فيه حكم الإعدام سنة 1960، إضافة إلى 53 جزائريا من الذين اعتقلوا في سجن الكدية بقسنطينة وآخرهم محمد بوشكشاك، كما نفّدت فرنسا حكم الإعدام في 46 من معتقلي سجن وهران. ولم ينس المعرض تسليط الضوء على أصدقاء الثورة وهو يقدم صورا للمناضل الفرنسي فرناند إيفتون الذي نفّذت فيه فرنسا حكم الإعدام لدعمه للثورة الجزائرية، والذي قال عن الجزائر وثورتها “أتمنى من أحد الحاضرين هنا أن ينقل رسالتي الأخيرة تحية إلى كل رفاقي أن حياتي لا تساوي شيئا، ما يهم هو الجزائر ومستقبل الجزائر، ستكون حرة غدا”. إنجازات الاستقلال حبر على ورق ثم انتقل الجزء المخصص بالإنجازات سريعا دون تسليط الضوء على إنجازات الجزائر كاملة خلال خمسين سنة من الاستقلال وقد بدأت الإنجازات باهتة جدا ومتواضعة مقارنة بتاريخ الثورة الجزائرية، ليتطرق بسرعة إلى كيفية تطهير شوارع العاصمة من أسماء جنرالات المستعمر الفرنسي وقد أصبح اسم شارع الجنرال بيجار ساحة الأمير عبد القادر، وتم تسمية شارع ايقان قفينج باسم عسلة حسين وأيضا شارع فرحات عباس الذي كان يطلق عليه اسم السفاح فرنارد ميسونيي الذي أعدم الشهيد أحمد زبانه. وإن كان المعرض يأتي في إطار خمسينية الاستقلال، إلا أنه تجاهل الحديث عن فترة الاستقلال بتمعّن شديد بما يستلزم التفصيل في إنجازات عهد كل رئيس حكم الجزائر وهذا الذي فضل أن لا يخوض فيه الجزء المخصص بإنجازات الاستقلال والذي تجاهل حتى طرق الاهتمام بالموروث المعماري الجزائري كالمساجد التي لم يبق منها إلا القليل كمسجد كتشاوة ومسجد عنابة والمسجد الكبير بالعاصمة، وكلها تحتاج إلى ترميمات كبيرة للحفاظ عليها. بينما توقف جناح الإنجازات مطولا عند بعض المشاريع التي لا تزال حبرا على ورق، كمشروع مركب تذكاري ومجمع للذاكرة تشرف على إنجازه وزارة المجاهدين في المعالمة بزرالدة، ومشروع المقر الجديد للمركز الوطني للبحث في الحركة الوطنية الجديدة، والمتحف الوطني للمجاهد الذي سيتم نقله إلى درارية، كما توقفت الإنجازات عند إبراز دور الدولة بكيفية التكفل بأرامل الشهداء والمجاهدين وذوي الحقوق وذلك من خلال التركيز على المنظومة التشريعية والتنظيمية منذ 1962 إلى 2002 . ورشة .. ومسابقة ينظم المعرض وإلى غاية 7 جويلية مسابقة لمجموعة من الرسامين الهواة القادمين من 10 ولايات لإنجاز أجمل لوحة تحكي انجازات الجزائر بمناسبة خمسينية الاستقلال، وهي مناسبة قرّبتنا أكثر من الفنان التشكيلي الشاب حفيظ الله حميد القادم من تبسة بأفكار فنية عن خمسينية استقلال الجزائر استوحاها من المترو، وبعض المعالم التي تجمعت حول مقام الشهيد، وأيضا التقينا بريشة محمد بن جدو من ولاية ميلة والرسام التعبيري فكير جيلالي الذي تحدث باللون الأصفر عن غيرته على الجزائر . وقد حدّثنا مصمم المعرض السعيد عولمي، أن إنجاز المعرض احتاج إلى جهد 7 أشهر، وأنه حرص على تفاعلية العرض من الأجنحة الثلاثة التي يضمها وفق مسار بيداغوجي موجّه بالدرجة الأولى للأطفال والشباب. ويعتبر هذا المعرض الأول من نوعه وسيبقى مفتوحا أمام الجمهور إلى غاية 7 جويلية القادم، أين يتم تنظيم موائد مستديرة حول مختلف مراحل حقبة الاستعمار في الجزائر والثورات التي قام بها الشعب الجزائري.