ناقشت “الخبر” مع مخرجين شباب تجربة الإخراج الأولى في الجزائر، مقارنة بالدول المجاورة كالمغرب وحتى بلجيكا. كما يوضح المخرج والدكتور شفيق علال، المختص في الرياضيات والمقيم ببلجيكا، بأنه اختار أن يكون مخرجا في بلاد الهجرة، فيما يشير المخرج الجزائري الشاب كريم موساوي إلى ضرورة الاعتماد على الذات دون البحث عن فرصة التكوين في مؤسسات ومعاهد الدولة، ويتفق معه في ذلك المخرج المغربي أمين صابر الذي قدم أول تجربة إخراجية في مسيرته الفنية في إطار الدورة الثانية عشرة للأيام السينمائية ببجاية. المخرج الجزائري كريم موساوي: لا توجد معاهد سينما في الجزائر وبدايتي الإخراجية لم تكن سهلة يرجع المخرج الشاب كريم موساوي الفضل إلى الأفلام التي شاهدها في حياته عندما كان هاويا للسينما، في دخوله عالم الإخراج السينمائي، حيث يقول مخرج فيلم “قبل الأيام” إن متابعته للأفلام خلال سنوات التسعينيات جعلته يعشق الصورة ودفعه ذلك نحو البحث عن فرصة لإخراج فيلم قصير. ويؤكد كريم موساوي الذي بدأ يشق طريقه نحو النجاح مع تجربته “قبل الأيام”، الفيلم الحاصل على عديد الجوائز في مهرجانات هامة، أن التكوين الذاتي هو أساس العملية الإخراجية، كما أوضح ل«الخبر” على هامش عرضه لفيلمه في إطار الدورة الثانية عشرة للأيام السينمائية ببجاية، بأن تعلم تقنيات الإخراج ليس عملية صعبة، مشيرا إلى أن أول علاقة له بالصورة كانت عبر التقاط الصور الفوتوغرافية، قبل أن يتجه إلى الفيديو. وأشار كريم موساوي إلى أن عدم تلقيه تكوينا سينمائيا بالمدارس المتخصصة في التكوين لم يمنعه من ولوج عالم الإخراج، ملقيا اللوم على مستوى التكوين الذي تقدمه المعاهد السينمائية في الجزائر “لم أفكر أبدا في دخول تلك المعاهد للحصول على التكوين لأني وجدت معظم تجاربها غير ناجحة”. وينصح موساوي هواة السينما بعدم الإحباط في بداية الطريق، مؤكدا على ضرورة الإيمان بالقدرة الداخلية والصبر. وأرجع كريم موساوي سر نجاح التجربة الإخراجية إلى الإرادة وتحدي قلة الإمكانات، كما قال إن زيارته إلى مكان تصوير المخرج نذير مقناش لفيلم “فيفا لاجيري” شكلت حلقة الفصل الحقيقية التي دفعته إلى ابتكار أساليبه الخاصة التي اعتمدها فيما بعد لإخراج فيلم “قبل الأيام”. ولا يبدو المخرج كريم موساوي متحمسا للورشات التكوينية التي تنظم في الجزائر، كما قال إنه لم يجد إلى غاية الآن الفرصة الحقيقية في الورشات التي تدفعه إلى المراهنة عليها للاستفادة أكثر. يتمتع كريم موساوي بالثقة في النفس بعد تجربته القصيرة مع الإخراج، كما قال “أشعر بأني مخرج سينمائي، رغم قصر المدة”، مشيرا إلى أن علاقته مع السينما روحية وليست مادية، معتبرا أن التفكير في العيش من السينما فقط يعد انتحارا في الجزائر. وأضاف كريم موساوي في هذا الإطار أن أكبر هَمّ بالنسبة إليه كمخرج، هو كيفية عرض الأفلام أمام الجمهور التي تعطيه حالة من الرضا الداخلي والتواصل، ويعتبر أكبر شيء يجب أن يتعلق به المخرج من وجهة نظر كريم موساوي. المخرج المغربي أمين صابر: اخترت أن أكون مخرجا في بلاد المهجر يقول المخرج المغربي أمين صابر إن بداية المخرج المغربي مع الإخراج ليست سهلة، حيث كان يريد الوصول إلى إنجاز فيلم “وثائقي”، قبل أن يقرر التوجه نحو إنجاز فيلم “قصير” بميزانية لا تتجاوز 20 ألف أورو، ولم يتحصل على دعم من المغرب وإنما من فرنسا وبعض أفراد الجالية المغربية في كورسيكا. ويتحدث أمين صابر عن فيلمه القصير الأول “رحلة في الصندوق” بأنه تجربة حياة خاصة لخالته التي توفيت في الغربة وكانت وصيتها أن تدفن في المغرب، فتلك الرحلة التي لا يتمناها أي مهاجر سافر من أجل العودة بأشياء ثمينة، إلا أن القدر شاء لها عودة من نوع آخر. ويعتقد المخرج المغربي صابر أمين أن الإنسان في النهاية لديه واجب تاريخي تجاه وطنه، وهو ما وجده في تجربة الإخراج التي اعتبرها تحقق قليلا من الدين تجاه وطنه الأم المغرب. كما قال أمين صابر إن هذا الإحساس هو ما دفعه إلى أن يكون مخرجا سينمائيا، ويوضح مخرج فيلم “رحلة في الصندوق”، بأنه سعى من خلال الفيلم إلى الوصول إلى الحنين الممتد بينه وبين المغرب وهو يعيش في بلاد الغربة. وأشار أمين صابر إلى أن بدايته التكوينية لم تكن سينما، وإنما درس الإعلام الآلي ثم امتهن التمثيل، لكنه استفاد كثيرا من الهجرة من أجل البحث عن تجربة حياة جديدة، كانت في البداية بعيدة عن الإخراج، ولكن تطور الأوضاع الشخصية دفعه بقوة لتوثيق رحلة خالته مع “الصندوق” لتدفن في المغرب، وقد قدم الفيلم لأول مرة في عرض مغاربي بالجزائر. وبالنسبة لأمين صابر، فإن تجربة الإخراج السينمائي في المغرب بدأت تعرف تشجيعا كبيرا من طرف المملكة التي فتحت، حسب أمين صابر، عديد المدارس التكوينية، بالإضافة إلى استفادة المخرجين الشباب في المغرب من أموال المنظمات الأجنبية لإنجاز أفلامهم، ورغم ذلك لا تتوقف المواضيع عند حدود معينة ولكن بطريقة خاصة بالنسبة له كمخرج مغربي يعيش التغيرات السياسية والاجتماعية. المخرج الجزائري المقيم في بلجيكا شفيق علال: في بلجيكا يحتاج المخرج إلى علاقات قوية تحدث المخرج الجزائري عن تجربته الإخراجية لإنجاز فيلمه الروائي والوثائقي الطويل “باخرة المخمور”، وهو اسم إحدى قصائد الشاعر الفرنسي آرثر رامبو الذي تناول موضوع الوضع في الجزائر بعد الاستقلال. وقال الدكتور شفيق علال إن هناك صعوبات في إخراج فيلمه في بلجيكا، مضيفا أن هناك صعوبات كبيرة اليوم في أوروبا لإخراج مثل هذا النوع من الأفلام التي تتناول قضية جنوب البحر الأبيض المتوسط، مشيرا إلى أن دخول عالم الإخراج في بلجيكا يحتاج إلى علاقات شخصية مع المخرجين الكبار على غرار الإخوة دردان. وقد بدأت تجربة شفيق علال مع الإخراج السينمائي من بعيد مقارنة بمجال تكوينه، حيث سافر شفيق علال في بداية الأمر إلى فرنسا حيث تحصل على الدكتوراه في الرياضيات، قبل أن يقرر التوجه إلى الإخراج السينمائي، بعد أن قام بالعديد من ورشات التكوين مع مخرجين فرنسيين، ووجد نفسه مهوسا بالسينما، إلى درجة أنه قرر تغيير مجاله التكويني والبحث عن فرص التكوين على يد خبراء السينما في فرنسا على غرار جون جاك اودريان وتيري أودان. وشدد شفيق علال على ضرورة أن يدرس كل من يرغب في ولوج عالم السينما تاريخ السينما العالمية ويشاهد أكبر قدر ممكن من الأفلام، لتعلم تقنيات الإخراج والبحث عن النمط الجديد ورؤيته كمخرج. واعتبر شفيق علال أن العالم تغير كثيرا اليوم أمام التكنولوجيا الحديثة التي مكنت من التواصل بين المخرجين والفنانين والسينمائيين بشكل عام من أجل تحقيق أعلى مستوى من المعرفة، فالسينما بالنسبة لشفيق علال ليست حكاية صور وإنما أفكار، وهو الأمر الصعب مقارنة بتعلم تقنيات العمل السينمائي. ويرى شفيق علال السينما “حاجة ماسة وليس مجرد اختيار”، وذلك من أجل التواصل مع العالم الغربي والتحاور معه في قضايا جنوب البحر الأبيض المتوسط.