منحت الدورة الرابعة والسبعين لمهرجان كان السينمائي، تذكرة خاصة للضيوف للسفر عبر الزمن في حفل الافتتاح بتوقيع المخرج الفرنسي المترد ليوس كاراكس مع فيلم "انيت". وبقدر ما يعتبر اختيار الفيلم الأول المهرجان"من6 إلى 17 جويلية"،أكبر تحدي أمام المدير التنفيذي تيري فريمان، فإن الظروف الصحية العالمية الاستثناذية هذه السنة،زادت من صعوبة الإختيار، وقد كان من الضروري تحديد فيلم يخفف على الزوار أوجاع الجائحة. وقد جاء "انيت" عنوانا لحكاية مختلفة تدخل المسابقة الرسمية لمهرجان كان، مفعمة بالحيوية، وروح الدعابة والفرح والموسيقى، من بطولة كل من النجم الفرنسي آدم درايفر وماريون كوتيار، ما جعل الفيلم يشبه اللقاح الجديد ضد جائحة عزلت عشاق الفن السابع عن قاعات السينما. وترافق القصة، يوميات سائق يدعى هنري، وهو ممثل كوميدي عدواني يعمل في مدينة لوس أنجلوس، يتمتع بسمعة مثيرة للجدل ورغم مهنته البسيطة، فهو يتجول في المدينة كأنه مثل نجم للمصارعة، يدخن سيجارة بشراهة ويمارس الرياضة بحثا عن القوى والسيطرة. لقد انطلقت مسابقة مهرجان كان التي تضم 24 فيلما روائيا طويلاً، مع هذا الفيلم للصريح والذي يحمل خطاب رجل مجنون بالحب، يتأرجح على حافة الانهيار العصبي ، ويطالبنا بأن نشعر معه بألمه في كل مشهد، وفي نفس الوقت نبتسم ونحن نأخذ القصة على محمل الجد. هذا الأسلوب الاستثنائي في كتابة سيناريو الفيلم تطلب مخرج يعرف كيف يجعل من الواقع خيالًا معقدًا، ويمزج بين خيبة الأمل وبين صناعة البهجة، واحتاج ممثلة من حجم ماريون كوتيار للقيام بهذه العلمية المعقدة، يرافقها . ممثل متمرس إسمه آدم درايفر الذي يتمتع بروعة خبيثة في الأداء، وهو يتحول بشكل تدريجي إلى رجل عنيف ومكتئب كلما تقدم به السن. لقد طعم كاراكس فيلمه بأغناني حماسية، بينما يقوم البطل بشن هجمات مسلحة مزيفة على غرار باتاكلان، ومن أجل أن يصدم الجميع وهو يواجه مجموعة من الممثلين الكوميديين الخياليين. كما يوجد في الفيلم مساحة هامة من الرومانسية، فهنري على علاقة وحب مع مغنية الأوبرا آن، هي سيدة جذابة وجميلة وقد أبدعت كوتيار في تقمص شخصيتها. وبينهما تكبر طفلتهما الصغيرة "آنيت"، التي تشبه دمية خشبية ويمكنها الغناء بصوت والدتها المذهل والناضج،تتجه علاقة الحبيبين نحو نهاية تبدو مأساوي. إن قدمه المخرج كاراكس من مشاهد متميزة، جعل من قاعة سينما لوميار تتحول فعلا إلى مسرح كبير، وأحيانا إلى معرض للفنون التشكيلية، فبعض مشاهد الفيلم تشبه اللواحات التعبيرية التي صممت خصيصاً لجمهور الثقافة الراقية، وبعضها يتحول إلى ما يشبه المحميّة التي يقودها قائد دار الأوبرا الذي يلعب دوره الممثل سيمون هيلبيرج، الغارق في مشاعر الغيرة من هنري. إنها حكاية أحلامنا التي قد تنتهي أحيانا بشكل سيء، تم تقديمها أمام مع جمهور مختلف، ظل يحمل معه لعام كامل شغف كبير لعودة السينما إلى أكبر المهرجانات السينمائية في العالم، الذي غاب ترك فراغا كبيرا في المدينة السنة الماضية بسبب غيابه. هكذا إختار المهرجان الانطلاقة مع مخرج تلقبه الصحافة الفرنسية عادة بالمخرج الماكر، له القدرة على كسر القواعد للخروج كسر الروتين، قدم فيلم يجمع بين الفنتازيا والجنون مع موسيقية غنائية قام بتأليفها كل من رون وروسيل مايل.