الزخرفة من الفنون التي هي من الزينة التي تبرز جمال الأداة كالآنية، الأسلحة والجدران وحتى الألبسة، خصوصا الجلدية منها وأغلفة المصاحف والكتب، والأبواب الخشبية التي يتم الحفر عليها وزخرفتها، وكذا عملية التطعيم بالذهب والفضة والعاج، وتعدّ هذه الجماليات اليدوية من الزخرفة، وهذا الفن ينمّ عن ذوق رفيع للجمال وإضفائه على الحياة من حولنا وإبراز النعمة والرفاهية. الجزائر كان لها من فن الزخرفة النصيب الأكبر لأنّه يعدّ من الفنون الشعبية الحرفية، أو بما يسمى الآن بالتقليدية، وكانت هذه الفنون تتّخذ لها في الأسواق القديمة أجنحة لعرض مهارة الصناع والحرفيين خصوصا في المدن، وهذه الأجنحة المعدّة للصناعات التقليدية كانت تسمى ب "الرحبة"، فنجد رحبة النحاس، الصوف، الخشب، الألبسة من خياطة البرانس وتطريزها، والأواني الفخارية، الجلود وغيرها من الحرف، إضافة إلى صناعة الأسلحة كالسيوف والخناجر وعدّة الفرسان وتجليد الكتب وزخرفتها، كلّ هذه الأشياء تدخل في فن الزخرفة، وحتى الخطوط على الجبس والخشب والأبواب والأضرحة والمنابر، وفي القصور والإدارات، وهي زخرفة تضفي الجمال على الأمكنة وتعطيها شاعرية وهدوءا وراحة لأصحابها وللزائرين. والزخرفة اليوم تدهورت وضعيتها، بل أصبحت نادرة في مدننا ولا تظهر إلاّ في المناسبات الوطنية أو نتمثّل بها الدولية لإبراز تراثنا، بينما شعوب أخرى حوّلت هذه الثقافة الجميلة إلى صناعة سياحية تدرّ الأموال وتوفّر نسبة لا يستهان بها من مناصب الشغل. الشيء الذي قلناه في الزخرفة، يمكن قوله على النمنمة إلاّ أنّها أدق وهي خاصة بالفنانين لدقتها وليس بالحرفيين، كما كما نجدها هي الأخرى عند النجّارين والحدّادين والنحّاسين والطرّازين والبنّائين وغيرهم. المنمنمات فن قديم اشتهر به الصينيون والفرس والهنود وانتقل إلينا عبر التأثير والتأثّر والتلاقح الذي أحدثته حضارتنا العربية الإسلامية، فأصبحت المنمنمات فنا قائما بذاته وهو تجسيم مصغّر ومؤطّر بحدائق وورود، ونافورات وأحصنة، ونساء بلباسهن التقليدي وحليهن، وهن جلسات أو راقصات أو عازفات على الآلات الوترية، وتنقّلت المنمنمات لتصبح فنا من فنون الحياكة وتدخل في تزيين السجاد والزرابي. تراثنا، وإن صح التعبير ذوقنا الجمالي، بدأ في الخفوت والتلاشي، وأصبحت الزخرفة والمنمنمات ليست من الحرف، بل من الخصائص الفنية الراقية التي لا يشتغل عليها إلاّ من لهم دراية عميقة بالفنون الجميلة، لأنّ الصناعات الآلية السريعة زحفت على كلّ شيء ودمّرت الأشياء الجميلة وابتنت عليها صناعات سريعة لا تعطي للجمال قيمته، لأنّ همّها السرعة والكمّ على حساب الجمال والذوق. وإذ الجزائر تحتضن المسابقة الدولية للزخرفة والمنمنمات بولاية المدية، فالهدف منها إعادة بعث مثل هذه الفنون لأمكنتها الصحيحة، لتساهم في الإنتاج وتنمية السياحة والذوق العام، لأنّ الزخرفة والمنمنمات فن من الفنون الجميلة، وأيضا صناعة تدرّ المال وتبرز الخصائص لكلّ شعب وأمة على حدة.. فهل نحن نهتمّ بهذه الفنون وندخلها حيّز الخدمة في زمن أصبحت فيه الصناعة السياحية من أهمّ الموارد التي تساهم في تنمية الأوطان وتطويرها؟