يستنطق الفنان كريم مزياني الألوان، ويطوّع الأشكال ليصوغها في فضاءات تشبه الكون الطلق، حيث المشاهد تبدو مختلفة ومثيرة، وتحيل على التساؤل المفتوح بما يشبه الميتافيزيقا. ومن جهة أخرى، يعكس معرض "صبغ في القصر" تجربة حياة اختصرها الفنان في ورشته، ليبرز مدى أهمية وقيمة الإنسان ليس فقط بإنجازاته، بل أيضا بأحاسيسه وانفعالاته التي تثبت أنه كائن حي. يتضمن معرض "صبغ في القصر" الذي تستمر فعالياته حتى 9 فيفري القادم للفنان التشكيلي المغترب كريم مزياني، الكثير من الإبداع والخيال والألغاز الكامنة وراء عمق اللوحة مع تصدّر الأزرق الملكي الذي يبدو أنه اللون المدلل عند هذا الفنان المحترف. ورافقت لوحات الفنان ملصقات كتب عليها الفنان بعض النصوص والعبارات التي تحوي مضامين فلسفية وفنية راقية، تدل على معان سامية لهذا الفن الراقي البعيد عن السطحية والابتذال والسهل. ومن ضمن ما جاء في هذه الكتابات: "عندما أكون في قلب ورشتي فأنا لست ممارسا كما يقول الفنانون التشكيليون؛ ذلك أننا لا نمارس أو نعمل، بل نبدع، وهذا هو المعنى الحقيقي للإثارة عند أيّ فنان"؛ بمعنى أنّ الفنان يثير انتباه ومشاعر الزائر، ويجلب أفكاره ووجدانه بعيدا عن النظرة السطحية العابرة. كما يشير في كتابات أخرى مماثلة، إلى أن الفنان ما هو إلا رسالة؛ إما أن تصل وتُفهم أو العكس، مثمنا الهدوء الباطني الذي يوحي بالإبداع والتأمل، علاوة على مقاييس أخرى لا يخلو منها مسار أي فنان، وهي الإرادة والإصرار والطاقة، وبالتالي التعطّش لمزيد من الاكتشاف، خاصة فيما يتعلق بالأحاسيس المغمورة. يثبت مزياني في فنه أنه عشق وإعجاب وانفعال وتفان في العمل حتى الوصول إلى تقديم السعادة العميقة والنقية ذات المصدر الطبيعي غير المفبرك، إذ عرض لوحاته في مجموعات بأساليب ومحتويات متباينة، تبرز التنوّع وغنى التقنيات، لكنها كلها ملتزمة بالمنهج التجريدي على اختلاف الرتوشات والرؤى. وتبرز في اللوحات الأشكال الهندسية والأبعاد والتموجات والأهلّة والقطع الورقية والظلال المذهّبة، كما تبرز الطاقة العجيبة للكون السابح في الملكوت؛ حيث الظلمة البديعة والهدوء المبهر واللانهاية. وعن حبه للفن كتب: "أحب المادة؛ لأنها بدون روح. وأحب اللون؛ لأنّه الحياة. وأحب المضامين والمواضيع؛ لأنّها رفيقي الوفي. وأحب الصبغ؛ لأنه أرضي الأم. وأحب أيضا الورقة الذهبية؛ لأنها مكاني المقدّس، والأزرق هو شهادة ميلادي". يرى كريم مزياني أن الرسم هو ارتباط بالفن، وهو نوع من السفر ومن الألفة، كما أنه شاهد على الروح والحياة. والفن التشكيلي في نظره رمز في حد ذاته، لا يمكننا فصله عن الجمال والحركة وإسرافه في اللون وفي التوهّج والكيمياء؛ ما يفجّر هذه النعومة والحس، ويجعل الإبداع سرا من الأسرار. وأثمرت إبداعات الفنان مسارا لونيا يقارب 3 عقود من البحث. وتوصّل إلى اكتشاف خلطته السحرية، وهي "أزرق كريم مزياني" المشعّ، الذي يُعتبر لغة أكثر منه لونا، علما أن كل ألوانه تساهم في التأمل والهدوء النفسي وبعث روح التفاؤل. من جهة أخرى، تحضر المقدسات والروحانيات في هذا المعرض من خلال الهندسة الإسلامية؛ من قصور قديمة ومساجد وزوايا وغيرها بلمسة بسيطة وعصرية. ويحاول أن يربط الحياة بين الأرض والسماء في جمالية ورهبة في آن واحد، كما يحاول تعطير التراث بلمسة رقيقة وبهية، تعزّزها قوّة اللون حتى لو تطلّب الأمر الخروج من الزمن الراهن، والالتزام يكون لكونية المعنى. تراكيب أخرى تثبت احترافية هذا الفنان المولع بالبحث والتساؤل والمشجع لكلّ ما هو باطن، حيث القرار والعمق الذي لا يتأثّر بتقلّبات المظاهر وتناقضاتها، فهو يعتمد على كلّ ما هو نقي وأصيل ومقنع؛ سواء في المضمون أو في تقنيات الرسم مع تفادي التقليد والتكرار. كريم مزياني مقيم بفرنسا، وسبق له عرض أعماله في العديد من البلدان؛ كألمانيا وإيطاليا وفرنسا وإنجلترا وهولندا وبلجيكا والولايات المتحدةالأمريكية وغيرها، وحقق النجاح، وكتب عنه أكبر نقاد الفن التشكيلي.