شكّل موضوع "الإثبات الجنائي بين القواعد التقليدية والطرق الحديثة وتأثيرها على قناعة القاضي وآفاق العدالة الجنائية المستقبلية"، محور الملتقى الوطني الحضوري والافتراضي، الذي نظمه معهد الحقوق والعلوم السياسية، بالتعاون مع مشروع البحث التكويني PRF، الموسوم ب"القانون الجنائي والعلوم البينية بين التنظير والممارسة الإجرائية"، وبالشراكة مع المصلحة الخارجية لإعادة الإدماج بتلمسان. وعرف هذا الملتقى، الذي نظم هذا الأسبوع، على مدار يومين كاملين، تقديم عدة جلسات تضمنت مداخلات قيمة ومتنوعة، تركزت حول موضوع "الإثبات الجنائي بين القواعد التقليدية والطرق الحديثة وتأثيرها على قناعة القاضي، وآفاق العدالة الجنائية المستقبلية"، وقد نوه المشاركون من أساتذة وباحثين في المجال بأهمية هذا الملتقى الذي يجسد، حسبهم، فكرة انفتاح الجامعة على محيطها الاقتصادي والاجتماعي، من خلال تعزيز التعاون والشراكة وتبادل الأفكار، في جو علمي وفكري وبحثي راق بما يخدم المصلحة العامة. وقد توّجت أشغال هذا الملتقى، برفع توصيات إلى الجهات المختصة والتي جاء في مقدّمتها، "وضع إطار قانوني دقيق يحدد شروط قبول الأدلة العلمية في المجال الجزائي، وكيفية تقييمها، وضمانات سلامة استخدامها، بما يضمن احترام حقوق الدفاع كالحق في الخصوصية وغيرها من المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة"، وكذا "سن قانون ينظم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ويحدد المسؤوليات وطرق إثباتها"، مع ضرورة "مواكبة التطور الذي لحقت له تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الإثبات الجنائي، وفي الكشف عن أدلة الجريمة وتحليل الأدلة الرقمية واستعادة مسرح الجريمة بشكل دقيق"، إلى جانب الدعوة لسن النصوص الضابطة لها. ودعا المشاركون في نفس السياق، إلى ضرورة الاستعانة بالتجارب الدولية في مجال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال مكافحة الجريمة، وتبادل المعلومات، بما يراعي الخصوصية وحقوق الإنسان وقيم المجتمع الجزائري، فضلا عن تعزيز دور الخبرة الفنية المتخصصة، مما يساعد القاضي في تقدير الأدلة العلمية، مع استحداث مختبرات جنائية متطورة تتوفر على الوسائل التكنولوجية الحديثة. كما تضمنت التوصيات التي رفعت إلى الجهات المختصة أيضا، "وضع دليل تقني وعلمي وقانوني حول طرق إثبات الأدلة الجنائية بتقنيات الذكاء الاصطناعي، ومواصلة تحديثها بشكل دوري، مع وضع قيود متعلقة بالبيانات الخاصة والشخصية تحت رقابة هيئة متخصصة تنشأ لهذا الغرض، بالتنسيق مع السلطة الوطنية لحماية البيانات الشخصية"، إضافة إلى "وضع نظام قانوني خاص بمهنة الطب الشرعي"، و "إرساء سياسة جنائيّة تتماشى مع التقدم الطبي"، و "إعطاء الخبرة الطبيّة الشرعيّة قيمة قانونية وحجة قويّة تسمو عن وسائل الإثبات الكلاسيكيّة"، مع ضرورة "إحداث موازنة بين قواعد الإثبات في المواد الجمركية وحقوق المتهم، بما يضمن لهذا الأخير حق منازعتها ومناقشتها، مما سيمنح حيزا كبيرا للقاضي الفاصل في المنازعة الجمركية، لوزن وتقدير هذه الأدلة". كما أوصى المشاركون ب"استبعاد قرينة الإدانة التي تبناها المشرع في النصوص المنظمة لقواعد الإثبات في المواد الجمركية، والعودة إلى الأصل، أي قرينة البراءة، تطبيقا للمبدإ الوارد في الدستور، حتى يتم تحقيق التوازن بين سلطة الاتهام والمتهم، وفق أطر قانونية عادلة"، مع "تكوين وتدريب القضاة وكل أعوان العدالة، حول التقنيات الحديثة وكيفية التعامل معها بشكل فعال"، و"إدخال تقنيات الذكاء الاصطناعي في علم الحشرات الجنائي للمساعدة في تحديد زمان ومكان الوفاة، والعوامل المؤثرة في تحليل الجثة بشكل تقني حديث ودقيق النتائج"، ناهيك عن "تحديث التشريعات لمواكبة التحديات"، و"فرص استخدام البيانات الضخمة في المجال الأمني الرقمي"، و "وضع آليات توازن بين الاستفادة منها، وحماية البيانات الشخصية". نظمت بسد "حمام بوغرارة" مناورة افتراضية لحادث تسرب مادة كيميائية مجهولة المصدر قامت قيادة الدرك الوطني لولاية تلمسان، مؤخرا، بالتنسيق مديرية الحماية المدنية لولاية تلمسان، إلى جانب مديرية الصحة، وباقي المديريات المعنية، ووكالة سد "حمام بوغرارة"، ومديرية الموارد المائية، في إطار تفعيل مخطط الوحدة الولائي، واختبار مدى جاهزية مختلف المقاييس المتدخلة أثناء الكوارث، بإجراء مناورة تطبيقية تحاكي تعرض سد بوغرارة، الواقع في الشمال الغربي لولاية تلمسان، للتلوث بمادة فريتانولامين السامة كافتراض، والتي تسببت في ظهور أعراض مرضية على فئة من المواطنين القاطنين بهذه المنطقة ونفوق كمية معتبرة من الأسماك والطيور. وشارك في هذه المناورة الافتراضية، التي أشرف على تنفيذها، والي تلمسان، يوسف بشلاوي، بحضور جميع مسؤولي المقاييس المعنية، كل الوحدات الميدانية التي تم وضعها من قبل جهاز الحماية المدنية، إلى جانب المعدات والوسائل التقنية المستعملة في مثل هذه العملية، باعتبار العناصر والمقاييس المشتركة في المناورة، قد سخرت لها إمكانيات بشرية ومادية هامة وأجهزة عصرية جد متطورة، تترجم مدى اهتمام الدولة بهذا الشأن، الى جانب بعض الأطراف المساهمة في هذه العملية. وعرفت المناورة نجاحا فائقا، وأظهرت جاهزية كل الفاعلين واحترافية في التدخل في مثل هذه الحوادث. كما قامت الفرق الطبية والإدارية، بتجهيز نقاط إسعاف ميدانية، وتدريب الكوادر على كيفية التعامل مع الإصابات الجماعية، فضلا عن تأمين مستشفى ميداني افتراضي، لاستقبال الحالات الحرجة. وحققت هذه المناورة الافتراضية، هدفها بخصوص تحسين مستوى فرق الطوارئ، ورفع قدرات التدخل لمختلف الفرق، وتفعيل آلية التواصل بين الوحدات المتدخلة.