يلتقي الفنان بن يكوس منير جمهوره مجددا من خلال معرضه "إشراقة شمس" الذي تتواصل فعاليته حتى 22 ماي الجاري برواق عائشة حداد، حيث يزرع هذا الفنان الأمل من خلال ألوان الحياة المبهجة، ويستعيد أيضا بأنامله السحرية عبق التراث في أحلى حلة ليبدو كقطعة مهربة من كتب الأساطير الحالمة. يمتاز هذا الفنان بحسه المرهف وتطويعه لريشته التي تعبر عما عجز هو عن التعبير به بالكلام، ورغم هذا التعثر اللغوي لكنه سار على درب الإبداع المكلل بالنجاحات، ليلتزم بألوان الفرح والسعادة، ويخط أجمل التشاكيل التي تكاد أن تنطق من فرط اتقانها، وليبدو فيها التمكن والخبرة بجلاء تام تنعكس فيها تجربة السنين ومسار البحث والتأمل. تشرق في هذا المعرض الألوان وبالتالي الحياة، ليجد الزائر نفسه منساقا نحو اللوحات يمعن فيها النظر وهو مسترخي البال والخاطر متخليا عن كآبته وضغط ما يراه خارج هذا الكون الساحر. كان الفنان يشير إلى لوحاته مفضلا أن تراها عين الزائر دون أن يتكلم هو أو يتدخل، لكنه حاول جاهدا الحديث ليعطي صورة مختصرة عن المعرض فراح يشير ل«المساء" عن بعض القطع التي أتحف الجمهور بها ليؤكد أن إعاقة النطق لا تنزع منه ملكة الرسم، وكان يؤكد في حديثه أنه متمسك بالحياة والجمال رغم إعاقته التي مست نطقه وبعضا من بصره ليكون بذلك نموذجا حيا للتحدي والنجاح. بدا المعرض مزدحما بالألوان فعلى جدرانه علقت أجمل اللوحات كانت بديعة وساحرة لا يصدق الناظر إليها أنها من رسم إنسان. أغلب اللوحات تسبي النظر، أغلبها من الحجم الكبير، منها لوحة هندسية ذات الألوان الصاخبة ذات الرموز والخطوط والمنعرجات المتحرّكة، وعمد الفنان إلى إيصال الشمس الذي يتغلغل شعاعها في كل مكان، فيما ظهرت لوحات أخرى معبأة بشمس افريقية لا تغيب تصنع الحياة البسيطة التي لا تحتمل الظلمة. يحمل هذا الفنان طاووسه المفضل كما يصفه فهو سيد المعرض بلا منازع وإذا لم يكن الحسن والجمال في هذا المخلوق فأين يكون إذن؟، إنه رمز لكل مخلوقات الله الجميلة يتفرد بالأناقة والتبختر، وقد أبدع الفنان في رسم ذيله المزركش تماما كما لو كان فستان سهرة من التصميم الرفيع، كما اختار الفنان هذا الطائر كرمز للبذخ ومستوى الحياة الراقي الذي امتازت به قصور الجزائر خاصة بالقصبة في ما سلف من القرون والأزمنة، وقد امتدت هذه القصور والمعالم إلى لوحات أخرى مجاورة فصلت في العمارة الإسلامية هذه الأخيرة التي التزمت بالمسة الفنية في التصميم والتلوين. الكثير من اللوحات كانت بأشكال هندسية مختلفة بعضها يشبه في زركشته لباس المهرج لتبدو كقطع لعب تواكب ذوق الشباب والناشئة. عرض الفنان أيضا ابداعاته في الزخرفة على الخشب، حيث قدم صناديق بمختلف الأحجام، منها صندوق جهاز العروس، وصندوق الأغراض المنزلية، وصندوق المجوهرات وغيرها، وكذلك الطاولات، والكراسي، والمرايا، والتحف، وحتى أدوات الطعام منها الصحون وبلاتوهات التقديم الخاصة بالضيوف، بلمسة جزائرية خالصة مستمدة من فن الأرابسك بطابع "الأربسك"، مبدعا في الزخرفة والمنمنمات والتزهير، مبتعدا في ذلك عن الزهور والنباتات كبيرة الحجم لأنه يراها تشويها وحشوا فارغا. قال الفنان إنه لا يزال يرسم بمساعدة أحدهم الذي يختاره ليملي عليه الألوان التي يريدها خاصة عندما تتراجع رؤية عينيه أثناء الإضاءة القوية أو في العتمة، ويشترط أن يكون اللون الموضوع على اللوحة ب4 طبقات على الأقل. يؤمن هذا الفنان بمبدأ أن الموهبة وحدها لا تكفي إذا لم تعززها الوسائل اللازمة، فجودة الألوان والخشب الأصلي المتين، وأمام هذه الهمة العالية والاقبال الكبير من الجمهور والتفرد في الابداع دون تقليد أو تكرار يستمر الفنان منير في التألق فالإعاقة ليست هي من تقف في طريقه لذلك فهو المتفوق دائما.