صدر مؤخرا كتاب عن الرحالة الفرنسي أوجين فرومنتين بعنوان" صيف في الصحراء " جمع وتنسيق الدكتور عيسى عطاشي عن دار ومضة للنشر ، يسجل رحلة فرومنتين التي قام بها إلى مدينة الأغواط في جوان 1853، وكانت بالنسبة إليه رحلة ممتعة، ومحفوفة بالمخاطر والأهوال، بسبب ظروف المقاومة الشعبية التي كانت تعم كامل التراب الجزائري آنذاك. وثّق هذا الرحالة صورا لواقع مأساوي، يصفه بخلفية إيديولوجية وسياسية تعطي الحق لفرنسا في امتلاك الجزائر، وتطويعها لاستقبال كل المشاريع التي تخدم مصالحها، وتؤكد الدراسة من جهة أخرى على أن فرومنتين يريد أن يمكن دولته "فرنسا" من معرفة كل شيء عن الجزائر منها الأماكن والطبيعة والمناخ والعادات الاجتماعية وغيرها، خصوصا في الجنوب الذي مازالت فرنسا لم تحكم سيطرتها عليه. وحقيقة أن هذه المعرفة سهلت عليها احتلال الجنوب الجزائري بعد سقوط مدينة الأغواط في 4 ديسمبر 1852، إثر مقاومة عنيفة استشهد فيها نصف عدد سكانها. يقول مؤلف هذا الكتاب"من هنا أجد أن الدراسات المقارنة في ميدان علم الصورة أصبحت ضرورة ملحة بالنسبة للباحث الجزائري، حيث يقتضي ذلك منه دراسة ما كتبه الأوربيون عنا وخصوصا الفرنسيين، بنظرة موضوعية، وعين ناقدة، تنشد الحقيقة العلمية والتاريخية، لتصحيح الأحكام المسبقة، التي مازالت لم تمح من ذهن مستعمر الأمس بل من ذهن الغرب كله". هذا الرحالة رجع إلى الجزائر مرة ثانية، وأقام فيها قرابة سنة كاملة 1847-1848، وفي سنة 1852 قام بزيارة ثالثة للجزائر، مصاحبا بعثة تنقيب عن الآثار، وفيها أكمل دراسته الدقيقة لمناظر البلد وعادات شعبه، الأمر الذي مكنه من أن يعطي عمله دقة واقعية تأتي من المعرفة اللصيقة. وقد رسم في هذه الرحلات عددا كبيرا من اللوحات ذات الموضوعات الاستشرافية الفجة (أحصنة تعدو، جاريات جميلات، شيوخ قبائل...)، كما جمع فيها كثيرا من الانطباعات، نشرها في ثلاث مجلدات منها "صيف في الصحراء الكبرى" عام (1857). وكما هي الحال لدى غالبية كتاب الرحلات الأوربيين يضيف فرومنتان إلى الوصف الظاهري للمناطق التي زارها والشعوب التي قابلها أحكاما قيّمة مبنية على معايير مركزية أوربية، وهذا ما يجعله يقول مثلا" إن العرب هم الشعب الوحيد الذي استطاع الاحتفاظ بكبريائه لأنه عرف كيف يبقى بسيطا في حياته وتقاليده وأسفاره وسط الشعوب الأخرى المتمدنة" توفي في سان موريس عام 1876. للتذكير فقد قام فرومنتان بزيارة الجزائر سرا عام 1845 حيث كانت أسرته تقيم بالبليدة، كما كانت تعارض ولعه بالفن والرسم . في صالون باريس 1847 عرض فرومنتان ثلاث لوحات تعرض مشاهد جزائرية، ليحفظ بيئة ذلك الزمن ذات الطابع الأصيل، بعض لوحاته لا تزال موجودة بمتحف الفنون الجميلة. عايش فرومنتان الصحراء سنوات طويلة، وكانت ملهمته الأولى ليقدم روائعه منها "العطش" و«مشهد صحراوي" ، و«لصوص الليل"وبعد ثلاث رحلات طويلة إلى الجزائر، نشر فرومنتان كتابه "صيف في الصحراء" عام 1857 ثم كتاب "سنة في الساحل"، عام 1859. كان يرى أنه ليس رحالة يصور كل ما تراه عيناه، بل هو فنان يرتحل وراء ما ينبغي تصويره، محاولا التمييز بين الجميل والغريب، ليركز هو على الكشف عن "رؤية" جديدة للشرق مغايرة لكل ما سبقها، فقرر أن يعيش بنفسه في الصحراء ويختبر فيها دواخله. أصدر فرومنتان عام 1876 كتابا في النقد الفني بعنوان "المعلمون القدماء" يدرس فيه أعمال فناني العصور السابقة ويبدي إعجابه بتقنيتهم وبقدرتهم على رسم شفافية الفضاء و«ألوان الأثير". كما نشر عام 1863 روايته اليتيمة "دومنيك" التي جاءت سيرة ذاتية تسترجع قصة حبه المخفقة. كتب الناقد الفرنسي "لويس جونس" في كتابه: "أوجين فرومنتان مصورا وأديبا" "إن كتاب الصحراء هو الصيف الإفريقي بعينه، بكل ما فيه من أضواء وألوان صاخبة عنيفة، وهدوء قاتل، وخشونة وشاعرية غريبة، أما كتاب الساحل، فهو الجزائر بذاتها.. الجزائر الضاحكة المخضرة بسمائها المتغيرة، وسحبها وألوانها المختلفة، وانعكاسات الأضواء والجبال الشاهقة، وآفاق بلا نهاية".