❊ إصرار اليمين المتطرّف بقيادة روتايو على تعميق الهوة بين الجزائر وباريس ❊ فرنسا تشهد أسوأ وضع مالي لها منذ 50 عاما والأزمة تتعمّق سياسيا يبدو أن السلطات الفرنسية، قد فقدت حقّا بوصلتها في التعاطي مع أزماتها الداخلية والخارجية على خلفية السياسة المتهورة لليمين المتطرّف، الذي يرهن أي جهد لإيجاد الحلول للمشاكل التي تعاني منها فرنسا على غرار الأزمة التي افتعلها مع الجزائر، حيث لا يفتأ أن يسدّ كل المنافذ التي تزيد في تعميق الهوة بين البلدين، على غرار ما قام به مؤخرا فيما يتعلق بإصدار إجراءات تمسّ بسيادة الجزائر وسلكها الدبلوماسي. لم تعد تحمل "خرجات" روتايو عنصر المفاجأة في تعامله مع الجزائر، حيث أضحى بمثابة الآمر والنّاهي في كل ما يتعلق بالشؤون الدبلوماسية الفرنسية، رغم أنها ليست من صلاحياته ما يثير الكثير من التساؤلات حول وضع الحكومة الفرنسية التي تحولت بما لا يدع مجالا للشك إلى رهينة لليمين المتطرّف، الذي يضع الجزائر نصب عينيه في إطار سياسة مدروسة مدعمة بفكر استعماري مازال يلقي بظلاله على وضعية العلاقات الثنائية. غير أن اليمين المتطرّف سرعان ما يصطدم بالردود الصارمة للجزائر التي تتعامل بالمثل، حيث تم في هذا الصدد استدعاء القائم بالأعمال لسفارة فرنسا في الجزائر مجددا، لإعلامه باسترجاع كافة بطاقات امتياز الدخول إلى الموانئ والمطارات الجزائرية التي استفادت منها السفارة. وليس غريبا أن يتزامن تحامل روتايو على الجزائر عبر هذه الإجراءات الاستفزازية، موازاة مع الوضع الاقتصادي والمالي الصعب لباريس، في ظل استمرار ارتفاع مستوى الديون الخارجية التي بلغت 5ر110 بالمائة من النّاتج المحلي الخام سنة 2023، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 124,9 بالمائة سنة 2029، وفق ما أوردته وسائل إعلام فرنسية متخصصة.ويعد هذا الوضع المالي الأسوأ الذي شهدته فرنسا منذ خمسين عاما، حيث ازدادت ديون فرنسا بمقدار ألف مليار أورو خلال عهدة الرئيس إيمانويل ماكرون. وهو ما يفوق بكثير ديون جميع سابقيه، فضلا عن كون سداد هذه الديون يمثل أكبر بند في ميزانية الدولة، مما قد يؤدي بفرنسا إلى دفع غرامات المفوضية الأوروبية بسبب تجاوز الحد المسموح به من الديون والعجز في الميزانية.وبلا شك فإن صعوبة هذه الأوضاع قد انعكست على الواقع المعيشي للمواطن الفرنسي الذي خرج في مظاهرات احتجاجية في الكثير من المرات للتنديد بالإجراءات التقييدية التي أقرّها روتايو، فضلا عن مظاهر العنصرية التي تستهدف المسلمين. فأمام هذا المأزق الصعب الذي أوقع اليمين المتطرّف نفسه فيه، تحوّلت الجزائر إلى متنفّس لروتايو الذي عمل على تحويل أنظار الفرنسيين عن القضايا الجوهرية التي تهمهم من خلال مسلسل مازلنا نشهد حلقاته الواحدة تلو الأخرى تتصدر عناوينها الجزائر. يأتي ذلك في الوقت الذي تسير فيه الجزائر بخطى ثابتة وفق رؤية استراتيجية واضحة مرتكزة على مبدأ تعدد الشركاء، غير مكترثة بالبّاكين على أطلال الفردوس المفقود، إذ يكفي أن نستدل في هذا الصدد بالهستيريا الكبيرة التي أصابت أطرافا فرنسية بعد الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية، إلى إيطاليا، حيث أقامت البلاطوهات الفرنسية الدنيا ولم تقعدها بسبب نوعية الزيارة وما أسفرت عنه من نتائج ايجابية لكلا البلدين. ويؤكد رد فعل الأطراف الفرنسية عدم تقبّلها لفكرة التنازل عن وصايتها التي ورثتها عن مجدها الاستعماري، واعتبار الجزائر جزءا لا يتجزأ من فرنسا الاستعمارية التي طردت من إفريقيا شر طردة، في الوقت الذي وضعت الجزائر العمق الإفريقي أولوية في استراتيجيتها الاقتصادية، موازاة مع تطوير شراكاتها مع دول الحوض المتوسطي والولايات المتحدةالأمريكية وروسيا والصين. وكان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قد أكد خلال لقائه الدوري مع ممثلي وسائل الإعلام الوطنية، على أن الجزائر تُقيم علاقات متوازنة مع مختلف القوى الكبرى ولها صداقات راسخة مع الصين وروسيا، وأنها لا تسمح لأي طرف بالحد من حريتها في رسم علاقاتها الخارجية وفقا لمصالحها السيادية.