سطر المنتخب الوطني للدراجات، ذكوراً وإناثاً، ملحمة جديدة في سماء الرياضة الجزائرية، بعد أن انتزع ذهبيتين ثمينتين في سباق "ضد الساعة فرقي"، ضمن فعاليات النسخة الأولى من الألعاب الإفريقية المدرسية التي تحتضنها ولاية عنابة. وعلى امتداد 21.1 كلم بمحاذاة الساحل، وتحت أنظار الجمهور الجزائري المتعطش للانتصارات، تسابَق الدراجون والدراجات مع عقارب الساعة ومع طموحات المنافسين، ليُحكموا قبضتهم على القمّة، ويمنحوا الجزائر لحظة فخر جديدة. في سباق الذكور، برز الفريق الوطني بأداء متماسك، وقوة جماعية لافتة، حيث أنهى الرباعي عبد الله علال، ومحمود سيدي موسى، وعبد الودود دغنوش، ومحمد ملاك، السباق في توقيت قدره 26 دقيقة و51 ثانية و95 جزءا من الثانية، بسرعة متوسطة تجاوزت 47 كلم/سا، متقدمين على منتخبي تونس وناميبيا، ومؤكدين على جاهزية بدنية وذهنية عالية. ولم يكن السباق مجرّد منافسة، بل كان استعراضا جزائريا للانسجام والانضباط، والقدرة على حسم التحديات القارية. أما في سباق الإناث فقد أكدت شبلات الجزائر علوّ كعبهن، وقدرتهن على اعتلاء منصات التتويج بعد أن قدّمن سباقا من طراز رفيع، توّجنه بزمن 32 دقيقة و53 ثانية و71 جزءا من الثانية، متفوقات على المنتخب المصري بجدارة. الفريق المتكوّن من هاجر بوصبع، ويسرى زروقي، وملاك أنفال عثمان العاقب، ولينا مشاب، قدّم صورة مشرفة عن الدراجة النسوية الجزائرية، بأداء متميز يعكس جديّة التحضير وإرادة الانتصار. وبين تصفيقات الجماهير وهتافات "الجزائر، الجزائر"، ارتفعت الرايات الوطنية عاليا، فيما كانت نظرات الفخر ترتسم على وجوه المدربين الوطنيين حمزة مرج (ذكور) وسمير علام (إناث)، اللذين تابعا السباق لحظة بلحظة، ووجّها التعليمات الدقيقة في المراحل الحاسمة. وفي تصريح خاص عقب التتويج، أكد المدرب الوطني حمزة مرج أن "النتيجة المحققة اليوم ثمرة شهور من التحضير، والعمل المشترك"، مضيفًا: "أبطالنا طبّقوا الخطة بحذافيرها. وقدموا سباقا نظيفا وذكيا. وهذا الفوز يؤكد أن الجزائر قادرة على فرض كلمتها في كل المحافل حين تضع الثقة في أبنائها". من جانبه، عبّر المدرب سمير علام عن سعادته الكبيرة بمردود الإناث، مشيرا إلى أن "الفريق أظهر شجاعة وانضباطا. وكانت لحظة رفع العلم الجزائري لحظة فخر لا تُنسى". عنابة، في ذات اليوم، لم تحتضن سباقا فقط... بل كتبت فصلا جديدا من فصول المجد الرياضي الجزائري، بقيادة دراجين ودراجات عرفوا كيف يسابقون الوقت، وكيف يصنعون الذهب على عجلتين. قبضات من ذهب ملاكمات الجزائر يكتبن المجد في عنابة فرضت شبلات الجزائر أنفسهن بقوة على منافسات الملاكمة في الألعاب الإفريقية المدرسية التي تحتضنها مدينة عنابة في نسختها الأولى. ست ميداليات في المحصلة، منها خمس ذهبيات وفضية واحدة، أحرزتها فتيات جزائريات شابات في أول ظهور قاري لهن، مؤكدات أن المستقبل الرياضي النسوي للجزائر يصاغ الآن، وبقوة. هذا الإنجاز اللافت لم يكن وليد الصدفة، بل جاء ثمرة عمل جماعي طويل وصارم، ومرافقة تقنية مدروسة من الطاقم الفني، وهو ما أكده المدرب الوطني في الملاكمة سليمان بن نور في تصريح أعقب التتويج، حيث قال: "ما حققته الملاكمات هو أكثر من انتصار... هو إعلان ولادة لجيل لا يخاف التحدي. هذا الفوز هو تألق خاص، واستثنائي، لا لشيء سوى لأن الملاكمات دخلن البطولة لأول مرة، وواجهن منافِسات متمرسات من مدارس دولية مختلفة، ونجحن رغم كل الضغوط. هذا التتويج المستحق هو نتيجة تضحيات كبيرة، وتحضير مركّز بدأ منذ أشهر، بمرافقة متواصلة من الطاقم الفني والمساعدين". وقد برزت في هذه الدورة أسماء واعدة صنعت الفارق على الحلبة، حيث تألّقت راتا رسفا تسنيم وأهدت الجزائر أول ميدالية ذهبية في وزن 48 كلغ. تلتها بن صالح بثينة التي فرضت سيطرتها في وزن 52 كلغ قبل أن تأتي مغاربة إيناس لتخطف الأنظار بذهبية ثالثة في وزن 54 كلغ. ولم تكتف الجزائر بذلك بل واصلت تألقها مع بحري بسمة في وزن 57 كلغ، ثم كينان دواجي حنان التي توّجت بالذهبية الخامسة في وزن 70 كلغ، في حين افتكت صاري مريم ميدالية فضية مشرفة في وزن 60 كلغ بعد أداء قتالي مميز. رفعُ العلم الجزائري على منصة التتويج لم يكن مجرد لحظة فخر، بل إعلان عن ميلاد جيل واعد من البطلات اللواتي لا يخشين المنافسة، ولا يتراجعْن أمام التحديات. ورغم حداثة أعمارهن أظهرت الملاكمات نضجاً تكتيكيا وحضوراً ذهنيا لافتا، جعل المتابعين والمراقبين يشيدون بجودة الأداء، والتناغم الكبير بين الحلبة ومقاعد التوجيه الفني. وقد أضاف المدرب الوطني في حديثه: "هؤلاء الفتيات رفعن راية الوطن في ظرف زمني قصير من التكوين، وهذا يؤكد أن الاستثمار في القاعدة والمسابقات المدرسية ليس ترفا، بل ضرورة لبناء رياضة وطنية متينة.. ما حققنه اليوم هو أكثر من ميداليات... إنه ولادة جيل لا يخاف التحدي". وفي الوقت نفسه سجّل الجمهور الجزائري حضورا متميزا طيلة أطوار المنافسة، بدعمه ومساندته للملاكمات، وهو ما ترك أثرا نفسيا إيجابيا في نفوسهن، حسب شهادة الطاقم الفني. الحماس، والهتافات، والالتفاف الشعبي حول الفريق النسوي عكس حالة من التماهي الجميل بين الرياضة والمجتمع، وجعل من هذا التتويج ذا طابع جماعي، يُنسَب فيه النصر لكل الجزائريين. إن ما حدث في عنابة ليس مجرد نجاح رياضي، بل هو إشعار علني بأن الجزائر تمتلك في رصيدها طاقات واعدة في الملاكمة النسوية، تحتاج، فقط، إلى مواصلة الدعم والتأطير، من أجل مرافقتها نحو بطولات أكبر، ومنصات عالمية في قادم الاستحقاقات. الفرق الطبية عينٌ لا تنام مصالح الصحة حارس أحلام الرياضيّين جعلت عنابة من الصحة عنوانا خفيا في تنظيم الألعاب الإفريقية المدرسية 2025، حيث لم تكن المنافسات وحدها التي جرت على إيقاع الدقة والانضباط، بل حتى التغطية الصحية رافقت اللحظة الرياضية بكل يقظة واحتراف، لتتحول كل منشأة إلى دائرة أمان، وكل ممر إلى نقطة طبية محتملة. منذ انطلاق التظاهرة ظهرت فرق الإسعاف بلباسها الأبيض والأحمر في كل نقطة احتكاك، بين القرية الرياضية وملاعب التنافس، تحمل معها أجهزة مراقبة، وأدوية الطوارئ، وعيوناً لا تغفل عن حركة أي رياضي. العيادة المتنقلة... قلب الحدث النابض في قلب القرية الرياضية لم تكن العيادة مجرد غرفة علاج، بل خلية حيوية تعمل على مدار الساعة بأطباء رياضيين، وممرضين يتناوبون على خدمة الوفود. وعرفت العيادة لحظات ضغط عالية، خاصة مع الحالات الطارئة الناجمة عن الإجهاد الحراري، أو الإصابات العضلية الخفيفة. لكن اللافت كان التنسيق المحكم مع مركز مكافحة المنشطات، الذي أدار العمليات بأعلى درجات السرية والانضباط، محافظا على بيئة تنافس نزيهة. جاهزية على الخط الأول في ملاعب كرة اليد، والتنس، والسباحة، لم يكن التدخل ينتظر نداء الإسعاف، بل كان يتم ميدانيا في ثوان. الفرق المدربة تعاملت باحتراف مع إصابات الكاحل، والتواءات الركبة، أو حالات الغثيان والإرهاق دون تعطيل سير المباريات. وقد أمنت الحماية المدنية كل مداخل ومخارج المنشآت بفرق تدخّل سريع، ما سهّل عمليات نقل الحالات إلى المصحات القريبة عند الحاجة. صحة بتوقيع التضامن الهلال الأحمر الجزائري كان حاضراً بقوة، ليس فقط بالإسعافات الأولية، بل كذلك عبر التوعية الصحية داخل القرية الرياضية، وتوزيع المطويات، وشرح مبادئ النظافة والوقاية. وسجلت فرق الهلال تفاعلا كبيرا من الوفود الأجنبية، التي أبدت إعجابا بالتنظيم الصحي. وتجاوبت مع الجهود التحسيسية بلغة الرياضة، والإنسانية.