تحرص الجزائر على بناء شراكات متوازنة مع كافة الشركاء في إطار السيادة السياسية والاقتصادية التي يراهن الرئيس تبون على أن تكون نهجا ثابتا في علاقات الجزائر مع كافة الدول، في إطار خدمة المصالح المشتركة ضمن رؤية براغماتية تواكب المتغيرات الدولية الراهنة على مستوى كافة المجالات، فضلا عن تبني رؤية استشرافية لتعزيز فرص التعاون مع الفضاءات الواعدة للسوق الوطنية على غرار القارة الإفريقية. تعد المزاوجة بين السياسة الخارجية والسيادة الاقتصادية من بين الرهانات التي تسعى الجزائر إلى ترسيخها، ضمن المتغيرات الإقليمية غير المستقرة، في سياق يضفي البعد الاستراتيجي لعلاقات الجزائر مع شركائها التقليديين والجدد، في سياق إرساء التوازن وتطوير مشاريع تحقق المنفعة المشتركة وفق مبدأ رابح – رابح. فمشروع استرجاع السيادة الاقتصادية ظل منذ استقلال الجزائر أحد أبرز رهانات الدولة، جنبا إلى جنب مع ترسيخ السيادة السياسية، حيث لا يختلف اثنان على أن الجزائر ورثت عقب حقبة الاستعمار الغاشم، اقتصادا هشّا ومرتهنا لدوائر الاستعمار، يعتمد على تصدير المواد الخام ويعاني من غياب شبه كلي لقاعدة إنتاجية وطنية. وبعد مرور عقود على الاستقلال الوطني، أعادت السلطات العليا بالبلاد فكرة السيادة الاقتصادية وتكريس العدالة الاجتماعية إلى الواجهة، حيث عكف الرئيس تبون على تعزيز المكانة المركزية للاقتصاد بنفس الأهمية للمكانة السياسية على الصعيد الدولي. وعليه ، فقد وضعت الجزائر العمق الإفريقي ضمن أولى اهتماماتها وذلك استكمالا للأدوار السياسية البارزة التي قامت بها لعقود لصالح قارة أثقلتها مخلفات الاستعمار الذي واصل في استنزاف ثروات القارة حتى بعد استقلال شعوبها، حيث لم تدخر الجزائر جهدا للمرافعة من أجل الدفاع عن مصالح إفريقيا وحقوقها عبر المحافل الدولية، ما يجعلها من الدول ذات الأولوية التي تحظى بثقة الأفارقة في دعم الاستثمارات واستغلال فرص الشراكة الاقتصادية. كما أن اهتمام الجزائر طال مختلف الأقطاب الإقليمية والجهوية سواء في أوروبا أو آسيا، في الوقت الذي تعمل فيه على خلق بيئة اقتصادية جاذبة وتطوير مشاريع تحقق المنفعة المتبادلة، على غرار الاتحاد الأوروبي، حيث قرّرت الجزائر بكل سيادة مراجعة اتفاق الشراكة مع الهيئة الاوروبية بعد أن ظهر عدم توازنه بعد 20 سنة من تطبيقه، بسبب تغلب الطابع التجاري على الجانب الاستثماري والتنموي، في الوقت الذي يعتبر فيه الاتحاد الأوروبي الجزائر بوابة استراتيجية نحو السوق الإفريقية. فالجزائر تسعى لترقية الاتفاق استجابة للمعطيات الاقتصادية والتنموية التي شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، كون الوضع القائم يفرض على الطرفين مراجعة هذا الاتفاق والوصول إلى الشراكة الحقيقية وفق قاعدة رابح-رابح. وبما يضمن استدامة في تدفق الاستثمارات الأوروبية ونقل التكنولوجيا والمعرفة. وبعد انضمامها إلى منظمة شنغهاي كدولة مراقبة، عزّزت الجزائر تقاربها مع الدول الآسيوية مؤخرا بتوقيعها على معاهدة الصداقة والتعاون في رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ما يمثل خطوة دبلوماسية لتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة. وجاءت هذه الخطوة في سياق قناعة الجزائر ببروز مركز اقتصادي كبير يتشكل في آسيا الوسطى، الأمر الذي يستدعي تكثيف الجهود الدبلوماسية بشكل كبير نحو هذه المنطقة من العالم، خاصة وأنّ بلادنا تتمسك بمبدأ إقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، مع الحفاظ على مبادئ السلم والأمن الدوليين، ومحاربة الإرهاب، وتبني مقاربة التنمية الاقتصادية كوسيلة لمجابهة التطرّف والتهديدات الأمنية. والجزائر التي تعرف بوقوفها على مسافة واحدة سواء في إيجاد الحلول للنزاعات السياسية أو في إبرام الصفقات الاقتصادية مع مراعاة شركائها التقليديين، يمثل تأكيدا على الانفتاح لربط شراكات تعاون مع جميع الأطراف، بما يضمن مصالحها الاستراتيجية بعيدا عن الانحياز لطرف على حساب الآخر.