لا يزال توافد الأمهات على مختلف روضات الأطفال كبيراً من أجل تسجيل أبنائهن، ولم يعد الأمر يقتصر على الأم العاملة فقط، بل حتى غير العاملة أصبحت تبحث عن روضة مناسبة ليحصل ابنها على بعض المكتسبات القبلية قبل موعد دخوله المدرسة. ورغم ارتفاع أسعار بعض الروضات بالنظر إلى نوعية الخدمات التي تقدمها وتراجع دور بعض الجمعيات في هذا المجال، يظل الانشغال الأكبر للأمهات هو الاطمئنان على ظروف التعامل مع الأطفال، ومدى توفر شروط الأمان والراحة، فضلاً عن المساحات المخصصة للعب. وهو ما دفع الكثير من الروضات إلى اعتماد نظام المراقبة بالكاميرات بهدف تحديد مسؤوليات كل طرف. خلال تواجد "المساء"، بإحدى روضات الأطفال بولاية البليدة، وقفت على حجم الالتزام الذي باتت تحرص عليه هذه المؤسسات تحسباً للدخول الاجتماعي، إذ تحولت بدورها، شأنها شأن المدارس، إلى فضاءات تعد العدة لاستقبال ومرافقة وتعليم الطفولة الصغيرة. حيث يتم تخصيص أقسام للرضع ابتداء من ستة أشهر، وأخرى للأطفال في الطور التمهيدي والتحضيري وأطقم من معلمين ومختصين نفسانيين وارطفونين، إضافة إلى فضاءات للعب داخل الروضة وخارجها. وحسب السيدة "نعيمة. ي"، القائمة على إحدى الروضات، فإن التسجيلات تبدأ عادة مع بداية شهر أوت، بالنظر إلى الطلب الكبير، خاصة وأن معظم الأمهات يعدن إلى العمل بعد عطلة الصيف. وأوضحت المتحدثة أن اهتمام الأولياء لم يعد منصباً على التكاليف فقط، بل على المدة التي يقضيها الطفل في الروضة ومدى توفر أجهزة المراقبة. مؤكدة أنه ومنذ افتتاح الروضة لم تُسجل أي مخالفة بفضل الالتزام الصارم بالنظام الداخلي، مشيرة في المقابل إلى بعض الانزعاج الذي يطرحه الأولياء عندما يمتنع أطفالهم عن الأكل، وهو أمر طبيعي، حسبها، يرتبط بطبيعة الطفل وما تعود عليه، ولا يمكن فرضه عليه. وفي السياق، أكدت السيدة نعيمة، أن أكبر الصعوبات التي تواجه الإدارة تتعلق بموعد عودة الأطفال إلى منازلهم، حيث يتأخر بعض الأولياء عن الحضور في الوقت المحدد، رغم أن العاملين بالروضة مرتبطون بوقت عمل محدد. وتضيف: "نسمح بنصف ساعة إضافية كاستثناء، غير أن بعض الأمهات يعتمدن التأخر لعلمهن أن أبناءهن في مكان آمن، دون إدراك الأثر النفسي لذلك التأخر بعدما يغادر كل الأطفال". أما أكثر ما تبحث عنه الأمهات عند زيارة الروضة فهو طريقة التعامل، إذ يصل الأمر إلى الحرص على التعرف على المربيات، إضافة إلى الاطمئنان على أماكن اللعب. وتوضح المتحدثة أن المساحة الخضراء الواسعة، التي تحتوي عليها الروضة تعد أبرز ما يجذب الأولياء، حيث يُسمح للأطفال باللعب فيها لتفادي شعورهم بالملل من البقاء ساعات طويلة داخل الأقسام. وتضيف أن الروضة تعمل بنظام نصف دوام بسعر 5 آلاف دج للشهر مع وجبة الفطور، فيما يصل سعر الدوام الكامل إلى 8 آلاف دج، مع الإقبال الكبير عادة من طرف الأمهات العاملات على الدوام الكامل، مقابل إقبال غير العاملات على نصف الدوام بغرض إدماج أبنائهن وتهيئتهم للدخول المدرسي. وحسبما رصدته "المساء"، في عدد من الروضات، فقد بلغت التسجيلات ذروتها، حيث أُغلق باب التسجيل في بعضها وتم تأكيدها في أخرى، وذلك نتيجة الإقبال الكبير بعد تراجع نشاط بعض الجمعيات التي كانت تقوم بأدوار مشابهة، تنفيذاً لتوجيهات وزارة التضامن الوطني بشأن المؤسسات المعنية بمراقبة الطفولة الصغيرة. وفي هذا السياق، كشف مدير النشاط الاجتماعي لولاية البليدة محمد بهاليل، أن الولاية تضم 173 مؤسسة خاصة بالطفولة الصغيرة عبر مختلف البلديات، كلها معتمدة وتعمل وفق الشروط المنصوص عليها في المرسوم التنفيذي المعدل لسنة 2019، وتخضع لرقابة لجنة مختصة تضم عدة قطاعات منها الأمن والدرك الوطني. وأوضح أن المديرية استقبلت خلال السنة الجارية 14 ملف لفتح مؤسسات جديدة، وهي قيد الدراسة واستكمال الإجراءات، لافتا في السياق بأن الطلب على فتح مؤسسات رعاية الطفولة الصغيرة كبير على مدار السنة بالنظر الى الطلب الكبير عليها. بين ظروف العمل والخوف على الأبناء من خلال احتكاك "المساء" ببعض ربات البيوت اللواتي توافدن على الروضة، أكدن أن هذه المؤسسات تحولت إلى "أم بديلة"، يتم الاستعانة بها خلال الموسم الدراسي لتأمين الأبناء. وقالت إحدى المواطنات إن أبناءها الثلاثة تربوا في الروضة، ولم تعد الأسعار تهمها بقدر ما يهمها أن يعود طفلها سعيداً ولا يعاني من اضطرابات نفسية بسبب سوء المعاملة. وأوضحت أن العامل الاقتصادي هو ما دفعها إلى الخروج للعمل، لذلك تحرص كل عام على ضبط ترتيباتها مع الروضة مسبقاً. أجمعت بعض الأمهات على أن أهم ما يبحثن عنه في الروضة، هو المعاملة الجيدة وتجنب تعنيف الأطفال إذا رفضوا الأكل أو التعلم، معتبرات أن نظام المراقبة بالكاميرات عنصر أساسي يمنحهن الطمأنينة، خاصة وأنهن يتواصلن مع أبنائهن عند عودتهم إلى البيت لمعرفة تفاصيل يومهم داخل الروضة.