افتتحت وزيرة الثقافة والفنون مليكة بن دودة، أمس، بالمكتبة الوطنية بالحامة أشغال اللقاء الوطني "الجمعيات ونوادي القراءة"، وقفت فيه عند بعض التجارب الميدانية وورشات عمل موضوعاتية تعنى بتطوير أداء هذه النوادي واقتراح آليات دعمها، إلى جانب إبرام اتفاقية تعاون مع مؤسّسة "سيترام" في إطار مشروع "قاطرة المعرفة" وتكريم الأطفال الأكثر قراءة بالمكتبات الرئيسية. عبّرت وزيرة الثقافة والفنون، مليكة بن دودة، في كلمتها، عن تقديرها العميق واعتزازها بكافة الفاعلين في مجال القراءة، من جمعيات ونوادي وأفراد، معتبرة إياهم شركاء حقيقيين في مسعى بناء مجتمع قارئ ومستنير. وأشادت بخيارهم الواعي في زمن تتسيّده الشاشات والمحتوى السريع، واصفة إياهم ب«أصحاب الخيار النبيل"، الذين اختاروا الكتاب جليسا والمعرفة سبيلا. وأضافت أنّ الاقتراب من الكتاب ليس مجرّد توجّه ثقافي، بل هو موقف إنساني عميق، يعكس احتراما للعقل، واستعدادا دائما للتفكّر والتأمّل، مشيرة إلى أنّ "القرّاء الحقيقيين هم نواة المجتمع المعرفي الذي تتطلّع الجزائر إلى بنائه، على أسس متينة من الوعي والحوار والمعرفة". أكّدت الوزيرة أنّ الدولة تولي أهمية قصوى لمشروع ترقية القراءة، حيث سخّرت إمكانيات معتبرة لإنشاء شبكة مكتبات عصرية وجاذبة في مختلف ولايات الوطن، بهدف جعل الفضاء العمومي فضاء للمعرفة والتواصل الإنساني، لا مجرّد مكان للعبور والصخب. "الكتاب المسافر" مشروع طموح في هذا السياق، كشفت الوزيرة عن مبادرة مبتكرة بعنوان "الكتاب يسافر"، وهو مشروع طموح يسعى إلى توفير الكتاب في فضاءات النقل العمومي، كالمحطات والقطارات، حتى يكون الكتاب حاضرا في تفاصيل الحياة اليومية للمواطن، موضّحة أنّ "الكتاب يجب أن يسافر معنا، أن نلقاه في لحظات الانتظار، أن يكون رفيق الطريق، لا شيئا نبحث عنه بصعوبة... الثقافة لا تبنى من الخيال، بل من فعل يومي، يتغلغل في الحياة ويصوغ الشخصية والمواقف". وفي خطوة تهدف إلى دعم الجمعيات وتشجيعها على مواصلة نشاطها القرائي، أعلنت الوزيرة عن برنامج ثقافي تلفزيوني بالتعاون مع التلفزيون الجزائري، يحمل طابع تنافسيا، ويهدف إلى اكتشاف "نجوم في عالم القراءة" بين الأطفال والشباب، مؤكّدة أنّ "الطفل هو أولوية في المشروع الثقافي الوطني، لأنّه أساس المستقبل". أثارت الوزيرة خلال كلمتها مختلف التحديات التي تواجه الكتاب، خاصة صعوبة الوصول إلى بعض الولايات والمناطق النائية، مشدّدة على أنّ مشروع "الكتاب المسافر" جاء أيضا كحلّ مبتكر لتجاوز هذه العراقيل، من خلال توسيع فضاءات القراءة وتسهيل الولوج إلى المعرفة. دعوة لمرافقة الجمعيات الفاعلة في الميدان كما دعت الجمعيات الثقافية ونوادي القراءة إلى مرافقة الوزارة في ترسيخ الفعل القرائي في الفضاء العمومي، وتحويله إلى سلوك جماعي يومي، قائلة "أنتم الفاعلون الحقيقيون في الميدان، وأنّتم من يصنع الفرق، الكتاب ليس ترفا، بل ضرورة حضارية، وبالقراءة نرتقي ونبني مجتمعا متنوّرا، يؤمن بالحوار ويقدّر العقل". كما جدّدت الوزيرة التزام قطاع الثقافة والفنون بدعم كل المبادرات التي ترمي إلى تعزيز فعل القراءة، وتقريب الكتاب من المواطن، وترسيخ ثقافة المطالعة كفعل حياتي، لا مجرّد مناسبة ظرفية. استمعت الوزيرة بن دودة خلال هذا اللقاء لعدّة عروض وتجارب خاصة بالمشاريع الرائدة في مجال القراءة منها تدخّل الأستاذ أيوب سليمان الذي قدّم تجربة جمعية "الطفولة السعيدة" بولاية غرداية، التي امتدّ نشاطها لعدّة مناطق من الوطن محقّقة الحضور النوعي، وقد عرض المتدخّل عبر الشاشة صورا للعديد من ورشات القراءة، مع استعراض أيضا مشروع قافلة الكتب التي صالت وجالت عبر العديد من مناطق الوطن، حيث زارت الكثير من ولايات جنوبنا الكبير وكذا ولايات الشرق والغرب، مع ذكر تجربة الرحلة إلى جبال ولاية تيزي وزو بعد الحرائق التي مسّتها وكيف كان الأطفال فرحين بهذه الكتب وهذه الزيارة، كذلك الحال مع أطفال مناطق الظلّ بالجنوب منها مناطق عين أمناس وتينزاواتين وكذا مناطق أخرى من أقصى الحدود الجزائرية كمنطقة الدبداب مثلا، موضّحا أنّ الجمعية تنظّم 5 قوافل طيلة السنة وقد تستغرق الرحلة الواحدة ذهابا وإيابا أكثر من 4 آلاف كم، علما أنه تمت زيارة أكثر من ألف مدرسة. قاطعت الوزيرة المتحدّث لتسأله عن وسائل النقل المتوفّرة عند الجمعية وهل لها فروع عبر الولايات، ليجيب الأستاذ أيوب أن المكتبة المتنقلة تابعة للجمعية ومتمثلة في شاحنة محملة بالكتب، وعند زيارة الولايات خاصة البعيدة منها والحدودية يتم الاستعانة بتدخل الولاة لتوفير وسائل النقل، مؤكّدا أنّه تمّ لحدّ الآن وخلال 10 سنوات نشاط تقديم 29 ألف كتاب لأطفال المناطق التي تمت زيارتها. من جهة أخرى، توقّف المتحدّث عند جانب التكوين في تلك الولايات لفائدة المعلمين خاصة في الطور الابتدائي، لتبني مشروع الجمعية بنفس فكرتها معطيا مثالا عن مدرسة بعين قزام تميّزت بالعديد من الورشات منها ورشة المطالعة. ردّت بن دودة على الأستاذ أيوب مثمنة تجربة الجمعية مردّدة كلمة "برافو"، معلنة أنّ حافلات المكتبات العمومية غير المستغلة هي في خدمة مشروع هذه الجمعية الناشطة في الميدان قائلة "أنتم تستحقون ذلك"، لتحثّ بالمناسبة على تجنيد المبادرات والجمعيات الجادة، موضّحة أنّ الدولة تضخّ أموالا ضخمة، لكن الملاحظ أنّ هناك تعثّرا في وصول الكتاب للطفل، خاصة في المناطق الداخلية أو تلك التي لا تتوفّر فيها مكتبات عامة لتختم بدعوة مباشرة ورسمية للجمعية حتى تكون شريكا للوزارة أي، كما قالت، تفعيل سفر الكتاب تحت وصاية وزارة الثقافة والفنون. بعدها تقدم الأستاذ حبيب سالمي ليقدّم تجربة القراءة في العاصمة من خلال عرض تجربة "مكين القرائي" الرامية لتكوين القارئ من فئة الفتيان بين 8 و14 سنة، وذلك منذ 2011 ثم إطلاق المنافسة الوطنية "ألمبياد فتيان القراءة" بمشاركة 284 مترشح (17 ولاية) في التصفيات ثم النهائيات، وسيكون التتويج هذا الخميس بالمكتبة الوطنية . بالمناسبة أيضا، كرّمت وزيرة الثقافة والفنون، مجموعة من القرّاء الصغار من مختلف مناطق الوطن منهم الطفل ياسين نايلي من البويرة حيث ألبسته تاج البراء الذهبي (قرأ 300 كتاب) وأيضا الطفل أسامة سطارة من ورقلة (190 كتاب) وداعي بشرى من سيدي بلعباس (146 كتاب) وآسيا مومني من أدرار (136 كتاب) وجاب الله إسراء من باتنة (137 كتاب). بعدها، استعرض ممثل مؤسسة "سيترام" سيد أحمد بوزيان مشروع إدخال فضاء القراءة لقاطرات التراموي المنتشرة عبر 7 ولايات من الوطن، حيث يتم تخصيص قاطرة في الترامواي بملصقات خاصة بهذا الفضاء ومن داخلها توضع رفوف فيها عدة كتب بعناوين في مختلف الفنون والمعارف كالتاريخ والأدب والتراث وغيرها، كما ستقوم المؤسّسة في إطار رقمنة هذا القطاع باستحداث مكتبة رقمية بالتراموي بتقنية المسح على الهاتف النقال وذلك من أجل ترسيخ المطالعة كفعل يومي وسيكون، حسبه، هذا المشروع الأوّل من نوعه بشعار "محطات تتخلّلها القراءة". في ختام هذا اللقاء، أُبرمت اتفاقية أمضاها عن جانب مؤسسة "سيترام" مديرها السيد مصطفى بشير لحمر وعن وزارة الثقافة الدكتور منير بهادي مدير المكتبة الوطنية.