تنطلق في كل ليلة بولاية عنابة، عملية إنسانية واسعة النطاق، تقودها مديرية النشاط الاجتماعي والتضامن تحت إشراف مدير القطاع، في إطار خطة ميدانية استباقية، تهدف إلى حماية الأشخاص دون مأوى من موجة البرد والتقلبات الجوية التي تعرفها الولاية. وفي شوارع المدينة وأزقتها تتحول الفرق المتدخلة إلى خطوط دفاع أولى أمام قسوة الشتاء، في مشهد يختلط فيه الواجب الرسمي بروح التطوع المجتمعي. تشارك في هذه العمليات فرق متعددة، تعمل وفق تنسيق دقيق يضمن الفاعلية والسرعة، حيث تتقدم مصالح الأمن الوطني بتأمين مواقع التدخل، وتسهيل حركة الفرق الليلية، بينما تضطلع الحماية المدنية بمهمة تقديم الإسعافات الأولية، والتدخل السريع في الحالات التي تتطلب نقلًا فوريًا، أو دعمًا طبّيًا عاجلًا. أما مديرية الصحة والسكان وطاقم المؤسسة الاستشفائية المتخصصة أبوبكر الرازي، فيرافقان كل خرجة ليلية بمتابعة طبية دقيقة للأشخاص الذين يعانون أمراضًا مزمنة، أو من آثار المبيت في العراء، ليتم التكفل بهم مباشرة داخل المؤسسات الصحية عند الضرورة. وتوفر بلدية عنابة دعمًا لوجستيًا مهمّا من وسائل نقل، وتجهيزات تساهِم في نجاح هذه التدخلات المتواصلة. وفي قلب هذه العمليات تأتي الخلايا الجوارية للتضامن، لتلعب دورًا إنسانيًا بالغ الحساسية، إذ تتعامل مباشرة مع الأشخاص الموجودين في الشارع. وتعمل على إقناعهم بالانتقال إلى مراكز الإيواء. هؤلاء الأعوان الذين يحملون خبرة اجتماعية ونفسية، يتعاملون بإنسانية وصبر مع حالات تختلف ظروفها ومخاوفها، ليعيدوا بناء جسور الثقة مع فئة اعتادت القطيعة مع المجتمع. وفي الجانب الموازي، تتقدم الجمعيات المحلية المختصة في مساعدة الأشخاص دون مأوى، لتضيف بعدًا آخر لهذا العمل التضامني، من خلال توزيع وجبات ساخنة جاهزة، إضافة إلى المشروبات الدافئة، لتكون بمثابة دفء معنوي وجسدي لمن قست عليهم ظروف الحياة. هذه الجمعيات العاملة بصمت وبجهد تطوعي، تُكمل الدور المؤسساتي. وتؤكد أن التضامن في عنابة لا تحده المهنة أو الإطار التنظيمي، بل ينبع من روح إنسانية متجذّرة في المجتمع. ولا يغيب الهلال الأحمر الجزائري عن المشهد، إذ يواصل تقديم الأغطية والمواد الضرورية لهم، ليضمن حدًّا أدنى من الراحة لكل فرد يُعثر عليه خلال الخرجات الليلية. وهكذا يلتقي عمل الدولة مع مبادرات المجتمع المدني في نقطة واحدة: إنقاذ الأرواح، وصون الكرامة الإنسانية. إن ما يحدث في عنابة كل ليلة ليس مجرد حملة موسمية أو نشاط روتيني، بل تمثيل واقعي لمعنى الدولة الاجتماعية، التي تُلازم مواطنيها في كل الظروف، ومجتمعا يرفض أن يترك أبناءه يواجهون البرد وحدهم. إنها لوحة تتجسد فيها أعماق التكافل الجزائري، حيث يذوب الرسمي في التطوعي، ويتقدم الإنسان على كل ما سواه. وفي زمن تتزايد فيه التحديات الاجتماعية تقدم عنابة درسًا في أن الإنسانية لا تحتاج إلى شعارات، بل إلى أفعال تمارَس على الأرصفة، وتحت المطر، وأيدي تمتد لمن يحتاجها في لحظة صامتة في ليل بارد.