اهتمت المرأة الجزائرية منذ القدم بالفلاحة، حيث كان لديها ارتباط وثيق بالأرض باعتبارها مصدر الرزق الأساسي للأسر الجزائرية قديما، لذا كانت ربة البيت تقف إلى جانب الرجل في الحرث والبذر والسقي وغيرها من أعمال الفلاحة، إلا أن عمل المرأة بالأرض تراجع في السنوات الأخيرة لعدة اعتبارات، منها زحف العديد من العائلات نحو المدينة ورغبة المرأة في أن تعيش حياة عصرية... ولكن هل هذا يعني أن المرأة تخلت عن مهنة الجدات؟ الجواب وجدناه لدى تواجدنا بمعرض المرأة الذي أقيم مؤخرا بمقر الاتحاد العام للعمال الجزائريين، حيث لمسنا اندفاعا كبيرا لدى بعض الشابات لخدمة الأرض والتمسك بمهنة الجدات، ولعل نعيمة كروم من ولاية جيجل أحسن مثال استحق أن نقف عنده. أن تعتني بأرض فلاحية فتحرثها وتبذرها وتسقيها.. إلخ ليس بالأمر السهل، إلا أن البطالة تدفع بالبعض إلى التفكير في القيام بأي عمل يسترزقون منه حتى لايقعوا فريسة للفراغ. وهو بالفعل ما دفع الشابة نعيمة ذات 36 سنة من عمرها إلى ولوج عالم الفلاحة بعد أن عملت مستخلفة إدارية بمؤسسة تربوية ولم يتم إدماجها، الأمر الذي جعلها تفكّر في تغيير العمل، وحدث أن وصل إلى مسامع نعيمة وجود مشروع فلاحي لتشغيل الشباب موجه بالدرجة الأولى إلى شباب ولاية جيجل، فقررت من دون تردد تقديم ترشحها، حيث قالت في حديثها مع المساء ''أذكر وقتها أني كنت الفتاة الوحيدة بين مجموعة كبيرة من الذكور الذين قرروا الاستفادة من المشروع المقترح الذي كان يخص تربية الأبقال وقتها، ولأنه تم قبول ملفي حصلت على قرض بقيمة 35 مليون سنتيم واقتنيت ثلاث بقرات. وبحكم أني قررت أن أتحول إلى فلاحة توجهت مباشرة إلى الغرفة الفلاحية وحصلت على بطاقة فلاح.. لم أفكر مطلقا أني امرأة وأن العمل الذي اخترته قد لا يناسبني، بل كان همي الوحيد العمل.. وأصدقكم القول أنه بعد خوض التجربة تبين لي أنه ليس هناك أحسن من العمل في الأرض والاعتناء بالحيوانات". لم تكتف نعيمة بتربية الأبقار فقط، بل دفعها حبها للعمل الفلاحي إلى التقدم من المصالح الفلاحية لولاية جيجل بغية الحصول على مشروع الدعم الفلاحي الذي بموجبه حازت على الدعم المادي الذي مكنها من الحصول على بيوت بلاستيكية، لتتحول بذلك إلى مزارعة تربي الأبقار والنحل والأغنام وتزرع الزيتون وكل أنواع الأشجار المثمرة، ولأن ولاية جيجل خلال تلك الفترة كانت تعرف تنمية ريفية، استغلت نعيمة الفرصة لتعلن عن مشروعها الزراعي بمنطقة الجمعة بني حبيبي مسقط رأسها. وعلى الرغم من أن نعيمة لم تواجه أي مشاكل عند الشروع في تنفيذ مشروعها، حيث لقيت الدعم والترحيب من جميع الجهات التي كانت تقصدها، إلا أن فرحتها لم تكتمل، حيث قالت ''أشعر أن بعض الرجال يغارون من نجاح المرأة، لأنهم ببساطة لم يتمكنوا من تحقيق ما حققته بعض النساء، وبحكم أني امرأة لا أملك العتاد للحرث أستأجر من يحرث أرضي ومن يقوم بتسويق منتجي، فيستغلوني كوني امرأة حتى يقاسموني أرباحي، لذا أرغب في أن تدعمني المصالح الفلاحية حتى أحصل على عتاد للحرث والتسويق وأفوت الفرصة على - الوسيط - الذي يتدخل بيني وبين السوق ويجني أرباح تعبي، كما أني أتطلع لأكون فلاحة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والقيام شخصيا بكل ما يخص عملي الفلاحي ." وعن سر نجاحها قالت ''المجتمع اليوم لا يعترف بالبطال، لأن الدولة تمنح لجميع شرائح المجتمع آفاقا مختلفة للشغل كل حسب قدراته واهتماماته وإمكانياته، كما أن فكرة القروض بدون فوائد بآجال طويلة سهلت علينا العمل، ولعلي أفضل نموذجا يمكن الحديث عنه، انطلقت من لاشيء ومع مرور الوقت تحولت إلى صاحبة مستثمرة فلاحية ورئيسة جمعية الفراولة للنساء'' وتضيف ''أحب العمل أيا كان وأتأسف كثيرا لأن شباب اليوم يرفضون العمل في الأرض على الرغم من أنها الرهان الثاني بعد البترول''. وتستطرد قائلة ''نجحت كمستثمرة فلاحية لأني محبة للعمل ولدي رغبة وإرادة كبيرة للنجاح، كما أن المحيط العائلي شجعني كثيرا واليوم لدي خبرة كبيرة في العمل الفلاحي سواء من حيث التسيير أو التسويق، كما أني ساهمت في توفير مناصب شغل لأكثر من 36 شخصا، وأطمح في المستقبل القريب إلى توسيع نشاطي الفلاحي''.