من إكرام الله تعالى للمسلمين أن العبادات التي فرضها عليهم تترى، فما يخرجون من عبادة إلا وأخرى تنتظرهم، فما إن انقضى رمضان حتى حلّ عيد الفطر، ثمّ تلته أيام الست من شوال، ليأتي بعد ذلك موسم الحج الذي تخللته العشر من ذي الحجة، ثم اليوم المبارك عرفة، ثم عيد الأضحى وهكذا، وتخلَّل هذه المواسم عبادات ثابتة من صلاة وزكاة وغير ذلك. إن الوصول إلى القمة أمر سهل، وقد يكون صعبا نوعا ما، لكن الاحتفاظ بالقمة أمر أصعب، والعبد إذا ارتقى وفُتح له باب من الخيرات، فهذا فتح من الله، والأمر الأصعب من ذلك هو الثبات على هذا الخير، ولهذا رغّب الله سبحانه وتعالى أهل الطاعات بالثبات على الصالحات والعبادات حتى الممات، وعاب على أقوام تركوا العبادات خلفهم ظهريا بعدما فتح الله عليهم بها، قال تعالى: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم}. أما الأسباب الإيجابية التي تثبت المرء على الأعمال الصالحة، وتيسر له أن يسارع في الخيرات عند رب البريات، فأهمها الإخلاص، قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}. ومن الأسباب الإيجابية أيضا القصد في الطاعات؛ لأن الهمة يمكن أن تأتي للعبد في ليلة من الليالي فيقوم الليل، ثمّ يجافي القيام بعد ذلك شهرا، فهذا ليس بمحمود، بل لو قام بركعة واحدة كل ليلة ولو لعشر دقائق، لكان أفضل له، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "سدّدوا وقاربوا، وعليكم بشيء من الدُّلجة". أي: استعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في الأوقات المنشطة.